د. عبد الوهاب بن عبد الله الخميس

الصادرة من جريدة الاقتصادية-النسخة الالكترونية

الجودة الصحية-اعداد : اسامة بن سلمان

 

من يسأل هذا السؤال هو في الحقيقة كمن يسأل شيخ دين في هذا العصر عن حكم مشاهدة التلفاز؟

لا شك في أن الحكم على خصخصة الخدمات الصحية يعتمد بشكل مباشر على معنى ونوعية الخصخصة المقصودة. فمع الأسف أن البعض يتحدث عن خصخصة الخدمات الصحية وكأنها نمط واحد وصورة واحدة. فالمهتم أو المراقب يجد أن عديدا من الأطروحات الإعلامية حول خصخصة الخدمات الصحية تفتقر إلى تحديد معنى دقيق لماهية الخصخصة، ما يجعلها في الأغلب أطروحات تفتقد الدلائل العلمية التي تخبرنا بها الأدبيات العلمية. لذا لا تعدو كونها وجهة نظر شخصية مبنية على انطباعات شخصية تحترم على المستوى الفردي، لكن ينبغي ألا يعول عليها كثيرا عند بناء رؤية استراتيجية وطنية حول هذا الموضوع. فهي رؤية شبيهة إلى حد بعيد بآراء بعض مشجعي الأندية عند سؤالهم عن الآلية المطلوب عملها لتطوير مستوى فرقهم أو ما تحتاج إليه أنديتهم للظفر ببطولة الدوري. فالمشجع من حقه تقييم مستوى الفريق بشكل عام، أما الكيفية والجوانب الفنية الأخرى فيجب أن تبقى مسؤولية إدارات الأندية ومدربيها على وجه الخصوص.

كذلك النظرة نحو خصخصة الخدمات الصحية من حق الجميع إبداء وجهة نظرهم حول مدى رضاهم عن الخدمات الصحية المقدمة وهي لا شك آراء مهمة عن تقييم فعالية وأداء أي نظام صحي، لكن بلا شك ينبغي ألا يعول عليها كثيرا عند وضع أي استراتيجية وطنية. كما يجب ألا نعيد اختراع العجلة كما يقال لأننا لسنا بمعزل عن الأنظمة الصحية الأخرى ويجب الاستفادة منها بدلا من أن نتبنى استراتيجيات وسياسات صحية أثبتت الدلائل العلمية فشلها.

أعود مرة أخرى إلى الحديث حول خصخصة الخدمات الصحية، ولعلي أقتصر الحديث حول ثلاث فئات متباينة الآراء حول خصخصة الخدمات الصحية ولكن لعلي أقتصر الحديث في هذا المقال على الفئة الأولى ولعلي في المقالات اللاحقة أتحدث عن الفئات الأخرى.

الفئة الأولى: تدعم خصخصة الخدمات الصحية بمفهوم أن يتولى القطاع الصحي الخاص تقديم الرعاية الصحية بكل مستوياتها وصورها بينما تتفرغ وزارة الصحة للجوانب التشريعية والرقابية. هذه الفئة بنت وجهة نظرها بسبب يأسها من إمكانية تطوير مستشفيات وزارة الصحة. فكثير من المواطنين يعاني صعوبة الحصول على الرعاية الصحية في مستشفيات الوزارة كما يعاني ضعف جودة هذه الخدمات رغم الاعتمادات المالية الضخمة المخصصة لوزارة الصحة. لذا فهذه الفئة ترى أن أقرب الحلول وأسرعها لتطوير الواقع الصحي أن يتم إسناد مهمة تقديم الخدمات الصحية إلى القطاع الصحي الخاص، حيث تكون للمواطنين بطاقة تأمين صحي تجاري تمكنهم من الحصول على الرعاية الصحية في أي مرفق صحي. هذه الفئة وبسبب خيبة أملها من الخدمات الصحية الحكومية لم تحلل أسباب ضعف أداء القطاع الصحي الحكومي أو الإجابة عن سؤال هل من الممكن رفع أداء القطاع الصحي الحكومي؟ كما أنها لم تنظر إلى مدى قدرة القطاع الصحي الخاص على تقديم الرعاية الصحية لكل المواطنين. فكما هو معلوم أن القطاع الصحي الخاص ما زال يقدم أقل من ربع الخدمات الصحية بينما القطاعات الصحية الحكومية تقدم الأرباع الثلاثة الباقية لذا ينبغي عدم تحميل القطاع الصحي الخاص ما لا يستطيع تحمله حاليا، خصوصا أن مشاركة القطاع الصحي الخاص في تقديم الرعاية الصحية التخصصية ما زالت محدودة.

من جهة أخرى، يبقى السؤال لهذه الفئة قائما، هل الدلائل العلمية تخبرنا أن إقرار التأمين الصحي وتولي القطاع الصحي الخاص يطوران مستوى الخدمات الصحية؟

الحقيقة أن الدلائل والبراهين العلمية تخبرنا أن هذا النوع من أنواع الخصخصة يفتقد الدلائل العملية لمدى فائدته للمستفيد من الخدمة والنظام الصحي بشكل عام. بل إن الدلائل العلمية تؤكد أن هذا النمط من أنماط خصخصة الخدمات الصحية يسهم في ارتفاع التكلفة العلاجية بصورة مستمرة، كما يسهم في منع حصول الرعاية الصحية للفقراء وكبار السن. ولعل النظام الصحي الأمريكي مثال صارخ لهذا النوع من الخصخصة. فلقد أصبح معلوما لدى الجميع أن النظام الصحي الأمريكي يعاني ارتفاعا في التكلفة العلاجية بصورة مستمرة، كما أن هذا النظام الصحي فشل في ضمان حصول الرعاية الصحية لأكثر من 42 مليون أمريكي .. وقد سبق أن نشرت مقالات علمية في المجلة العلمية لمنظمة الصحة العالمية حول هذا النوع من الخصخصة وأثره.

لذا لا أعتقد أن خيبة الأمل من سوء الخدمات المقدمة من قبل مستشفيات وزارة الصحة سبب كاف لأن يتولى القطاع الصحي الخاص زمام تقديم الخدمات الصحية للكل. فلا بد من إصلاح مواطن الضعف وخصخصة بعض الخدمات، التي سأتحدث عنها في مقالات لاحقة. وللحديث بقية.