د. عبد الوهاب بن عبد الله الخميس

الصادرة من صحيفة الاقتصادية النسخة الالكترونية

الجودة الصحية-اعداد: اسامة بن سلمان

المتابع للشأن الصحي يؤمن بأننا نعيش في مرحلة عدم وضوح في تحديد أولويات النظام الصحي السعودي. فمنذ عام 2009 تغيرت استراتيجية وزارة الصحة مع تغير وزراء الصحة السبعة إلى الآن. وكما ذكرت سابقا، أن المانع كان توجها نحو تطبيق التأمين الصحي على المواطنين. الربيعة تريث لحين الانتهاء من المشاريع الإنشائية. فقيه هرول مسرعا ليس فقط نحو التأمين الصحي بل لدعم الاستثمار الأجنبي في المجال الصحي. آل هيازع لم يتحدد توجهه لكن خطواته كانت مشابهة للربيعة ومختلفة عن توجهات فقيه. الخطيب وآل الشيخ لم تتبين توجهاتهما، والآن يقود الصحة وزير الصحة المهندس خالد الفالح.

لا شك أن وزارة الصحة من أكثر الوزارات التي تعددت الاتجاهات فيها إن لم نقل تضادت. هذا الاختلاف أو الخلاف في التوجهات الاستراتيجية – كما ذكرت سابقا – قاد الوزارة إلى نزيف مالي وبشري ما زالت وزارة الصحة تكتوي بناره، وأخشى أن يتطور هذا النزيف إلى إغماء ومن بعد الإغماء إلى غيبوبة، خصوصا أن المؤشرات الأولية تخبرنا أن المخصصات الصحية ستقل بسبب تدهور أسعار النفط هذا العام. لذا فإن الاستنزاف في الميزانيات الصحية يجب أن يتوقف لأن المعطيات الأولية تخبرنا بأن المخصصات المالية الصحية لن تكون بالوتيرة السابقة نفسها. لذا فمن أجل تقليل الخوض في تجارب جديدة، فإنني أستطيع القول لوزير الصحة المهندس خالد الفالح إن كل الحلول المطروحة لتطوير القطاع الصحي يحب أن تكون مبنية على الدلائل العلمية التي تخبرنا بها المرجعيات العلمية وليس وفقا للاجتهادات أو الانطباعات الشخصية. فمثلا التوجه نحو الخصخصة يجب أن يكون وفقا لانعكاس الخصخصة على القطاع الصحي وليس بناء على نجاحات في القطاعات غير الصحية. فالقطاع الصحي يختلف عن القطاعات الأخرى في مفهوم الخصخصة أو الاستثمار أو ترتيب الأولويات. كما آمل ألا يكون النجاح الجزئي لـ”أرامكو” في تقديم جزء من الخدمات الصحية بمنزلة خريطة الطريق نحو إصلاح وزارة الصحة. فوزارة الصحة تختلف عن “أرامكو” في حجم التنظيم ونطاقه وطبيعة وأولويات وتشعبها. فالدكتور عبدالله الربيعة حاول جزئيا تطبيق ما نجح في تحقيقه عندما كان مسؤولا عن الشؤون الصحية للحرس الوطني لكن لم يحالفه الحظ بسبب الاختلافات الكبيرة بين النظامين الصحيين وأولوياتهما وميزانيتهما وسرعة الإنجاز فيهما.

كما أن القطاع الصحي في حاجة إلى الفصل في التخصصات والأدوار من أجل ضمان نجاح تنفيذ استراتيجية صحية وطنية متكاملة لا متضادة. لذا آمل أن يتم توزيع الأدوار في القطاع الصحي بين المختصين كل في مجاله، فالطبيب يجب أن يبقى طبيبا والإداري في مجاله وكذلك كل الممارسين الصحيين كل يعمل في مجاله. الكل له دور في عملية إصلاح الواقع الصحي من طبيب وصيدلي وممرض وإخصائي وإداري وفني لكن خبرة الممارسة المهنية لا تخول أي طرف من هذه الأطراف للنظر لآلية رفع الكفاءة الصحية بصورة شمولية. فلاعب كرة القدم مهما بلغت مهارته لا تؤهله هذه المهارة لأن يكون خبيرا في وضع الخطة الفنية للفريق الرياضي بدلا من المدرب. الكل يؤمن بالتخصص حتى في مجال التدريب الرياضي لكن في الشأن الصحي وكيفية إصلاح الواقع الصحي فمع الأسف الكل يتحدث ولكن بعيدا عن الأسس العلمية لتحقيق هذه الغاية. لذا استنزفت الميزانيات الصحية خلال الفترة الماضية بسبب التخبط في التوجهات والتعدد في الآراء. وكإحدى الدلائل المهمة لنجاح أي نظام صحي وجود خريطة واضحة لآلية تلقي الرعاية الصحية للناس، وكأحد أهم دلائل غياب هذه الآلية أنك لو سألت بعض المواطنين كالمدرسين (يبلغ عددهم مع أفراد أسرهم قرابة ثلاثة ملايين مواطن ومواطنة) عن كيفية حصولهم وبقية أفراد أسرهم على الرعاية الصحية، لوجدت أن الإجابة تختلف من مدرس لآخر بسبب عدم وجود نظام صحي متكامل يحكم هذه العملية بصورة واضحة ويضمن حصولهم على الرعاية الصحية التي يستحقونها.

واقعنا الصحي يقول إننا نقرأ ونشاهد تميزا علميا وطبيا في إجراء بعض العمليات المعقدة التي قد لا تنفذ إلا في عدد محدود من المراكز العالمية، لكن في الوقت نفسه يعاني منسوبو معظم القطاعات الحكومية عدم وجود آلية واضحة لتلقيهم الرعاية الصحية التي يستحقونها. فمثلا هل الطريقة التي يتبعها معظم المواطنين لتلقي الرعاية الصحية تمر “عمليا” عبر مراكز الرعاية الأولية؟ أم أن بوابة الإسعاف في المستشفيات هي البوابة الأسرع لتلقي الرعاية الصحية بدليل أنها تحولت من رعاية طارئة إلى أجنحة للتنويم؟ أم أن المستوصفات والمستشفيات الخاصة والدفع المباشر نظير تلقي الرعاية الصحية هي البوابة الأسرع والمكلفة في الوقت نفسه؟

وهل لدى وزارة الصحة حلول مؤقتة تحقق حصول المواطنين على الرعاية الصحية الأساسية لحين الانتهاء من تشغيل المستشفيات التي في طور التنفيذ حاليا؟ وهل أزمة الأسرّة الحالية ستحل بمجرد الانتهاء من تنفيذ المشاريع الإنشائية الحالية؟ أم أن المشكلة بعد الانتهاء من المشاريع الإنشائية ستتحول إلى مشكلة في التشغيل واستقطاب الكفاءات اللازمة لتشغيل تلك المستشفيات؟ وهل ستكون لدينا الميزانيات اللازمة لتشغيل تلك المستشفيات؟ كما ذكرت في أكثر من مقال أن وزارة الصحة تدار بعقلية إدارة المستشفيات وليست وزارة للصحة بمفهومها الشمولي أو مسؤولة عن النظام الصحي بكل مكوناته. فتكامل تقديم الخدمات الصحية بين مختلف القطاعات الصحية الحكومية شبه مفقود ويستنزف ميزانيات ضخمة جدا خصوصا في المستشفيات الطرفية كما أسهبت في الحديث حول هذا الموضوع في مقال سابق بعنوان كيفية رفع مستوى الخدمات الصحية في المستشفيات الطرفية. كما أن استراتيجية وزارة الصحة هي مجرد استراتيجية لإدارة المستشفيات وليست استراتيجية لإدارة النظام الصحي بكل مكوناته (انظر أعداد صحيفة “الاقتصادية” 6749، 6761، 7029 بتاريخ 2012/4/3 و2012/4/15، و2012/1/8).

لذا فإصلاح النظام الصحي يجب أن يكون وفقا لآلية ممنهجة. فكل الاقتراحات التي تسعى إلى رفع مستوى الخدمات الصحية تمت تجربتها في دول عديدة لكن يبقى السؤال مدى ملاءمتها واقعنا السياسي والاجتماعي والتنظيمي. فلا نحتاج كما يقال إلى اختراع العجلة من جديد لكن نحتاج إلى تكييفها وفقا للمتغيرات الاجتماعية والسياسية والتنظيمية والأهم من هذا كله وفقا لأولوية هذه المرحلة ومتطلباتها.

ماجستير في علم النفس التطوري.