تستوطن في عقول البعض أفكار سلبية تجاه تطبيق الجودة .. 

يتحدثون معك وكأنها ولدت كي تموت وأنها مجرد مفهوم أفلاطوني ينادي به بعض المتفلسفين والمنظّرين في مجتمعنا

 لو عاش جوران بينهم ربما كان سيُقتل بدم بارد بحجة الشعوذة والحديث عن المستقبل والغيبيّات..! –

ولو آمنت اليابان برأيهم لبقيت تندد بقنبلة هيروشيما حتى وقتنا الحاضر ولحولتّ جائزة امبراطورها هيروهيتو من الجودة لمزاين” كلاب الراكون“..

ولو أن ملكية تويوتا تعود لأحدهم حين أزمة افلاسها في بداية الخمسينات ربما كان سيحولها الى مطعم فوّال في أحد شوارع طوكيو بدل من محاولة انتشالها من الافلاس عن طريق تطبيق مفهوم تحسين الجودة .

بدل أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون ، أصبحنا للأسف الشديد نناقش مدى صحة ما أثبتوه بالتجربة والبرهان والدليل القاطع.

 لاشك أن فقر مخرجات الجودة في مؤسساتنا حتى الآن له مايبرره ، فالثقافة ضحلة والمعتقدات عقيمة والمقاومة شرسة.

لا يمكن توقع ٨ ساعات عمل مجوّدة من أحدهم ، وهو يمارس الهدر وعدم الالتزام خلال ساعات يومه المتبقية ، يمارس خلالها مالا يمكن حصره من التجاوزات..  

يرمي المخلفات من نافذة سيارته..يقف بها حيث أراد ..يضجر من كل الطوابير حتى وإن كان في مخبز التميس..يقضي جل يومه في تقييم عمل الاخرين والإنتقاص من كل عمل أو شخص أو فكرة..  

لذلك أقول : الجودة عقيدة يجب اعتناقها قبل ممارسة طقوسها..  

نعتقد أن التغيير يبدأ من المنظمات بينما نجهل أن التغيير يبدأ من ذواتنا..  ربما فرد حرّك جماعة وربما جماعة حرّكت جماعات وربما جماعات حرّكت مجتمع وربما مجتمع حرّك أمة..

 تئن مستشفياتنا ويتألم مرضانا ولازلنا نناقش من السبب في تردي جودة خدماتنا الصحية !!..  الكل يتهم الآخر منزهاً ذاته وكأنه قد أُعطي صك البراءة من الشوائب ..

يصرّ البعض على رمي كل سهام النقد باتجاه الوزارة والمديريات حيث يتهمها بعدم الاضطلاع بدورها في توفير متطلبات المستشفيات التي تصاحب الشروع بعملية الوفاء بالمعايير ..  بينما يذهب البعض الاخر الى انتقاد عملية دعم الادارة العليا لتطبيق الجودة وتدني مستوى إلتزامهم بتطبيقها في مستشفياتهم..

 نتفق جميعاً على أهمية قيام الوزارة والمديريات بدورها المفترض في دعم المستشفيات ببعض المتطلبات الباهظة الثمن، حيث لا تستطيع المستشفيات توفيرها في ظل محدودية الموارد وبيروقراطية اجراءات الحصول على الاعتمادات المالية، كما نتفق ايضاً على ضرورة دعم الادارة العليا في مستشفياتنا لعملية تطبيق الجودة كركن مهم إن لم يكن الأهم لضمان نجاحها .

اختلافي هنا مع من يتبنى مثل هذه الافكار يكمن في عدم ادراج ذواتهم ووضعها تحت مجهرهم الناقد ومفرداتهم الحادة عند الحديث عن المتسبب في تحويل جودة مستشفياتنا الى “حبرٍ على ورق“.. ” الجودة حبرٌ على ورق” يتشدق بهذه الجملة بعض الموظفين في مستشفياتنا وكأن المعّني بتحويلها الى واقع ملموس هي مهمة مخلوق لم ير النور بعد..!!  

كمسلمين لاننتظر دعم والدينا حتى نقوم بفريضة الصلاة رغم ايماننا بأهمية دورهم فمحركنا هنا هو “حق تجاه خالقنا ، كموظفين ايضاً يجب ألا ننتظر دعم الوزارة والإدارة العليا لنقدم خدمة ذات معايير عالية رغم قناعتنا بتأثير دعمهم ومحركنا هنا هو “حق تجاه مريضنا“..

اذا قلنا تجاوزاً أن المعايير التي تتطلب دعماً من الوزارة تمثّل ٢٠٪ من المعايير الكلية والمعايير التي تتطلب دعماً من الادارة العليا تمثّل ١٠٪

ماذا عملنا تجاه ٧٠٪ من المعايير والتي تقع في منطقة نحن المتحكم والآمر الناهي فيها.. ؟ نعلم يقيناً أن الجودة لدينا لاتزال في أغلبها حبر على ورق، لكن مانجهله حقاً هو أننا جزء لا يتجزء من أسباب كونها كذلك !!!

أ. ياسر الشلاحي

ماجستير إدارة صحية – مدير الجودة في AGH