[tabs type=”horizontal”][tabs_head][tab_title]مقتطفة[/tab_title][/tabs_head][tab][author image=”http://www.al-jazirah.com/2015/20150222/1964.jpg” ]د. محمد عبد الله الخازم[/author]

صحيفة الرياض اليوميه الصادره من مؤسسة اليمامه الصحفيه

الجودة الصحية-اعداد : دينا المحضار[/tab][/tabs]

 

من المفارقات الموجودة في واقعنا الصحي المحلي النقص الشديد في اعداد الأطباء المتخصصين والمؤهلين تأهيلاً عالياً، ومعلوم بأن تأهيل الطبيب ليصل لمرحلة استشاري لايقل عن عشر سنوات من التأهيل والتدريب الطبي المكثف والمكلف اقتصادياً واجتماعياً،

يتكرر النقاش في بعض الأوساط الطبية والإدارية حول من له الاولوية في استلام المنصب الإداري الصحي، هل هو الطبيب ام الإداري المتخصص في الإدارة أو إدارة المستشفيات؟.. ولأنني لست طبيباً ولست كذلك إدارياً، لم يعنيني هذا الموضوع كثيراً من الناحية المهنية ولكن الجدل الدائر حول الموضوع وتكرر الملاحظات والتعقيبات من أكثر من قارئ ومتابع حول هذا الموضوع، وبالذات تلك الملاحظات التي أعقبت مقالي المنشور بعنوان “النظام الإداري الصحي هل تجاوز الستينات؟” وبتاريخ 2001/5/11م، قاد البعض إلى ربط موضوع تطور النظام الإداري الصحي ببلادنا بهذه الثنائية، الطبيب الإداري والإداري غير الطبيب ومن منهما جنى على التطور الصحي الإداري ببلادنا..!

لن أطرح حكماً قاطعاً في هذا الشأن، ولكن أبدأ بتعريف المقصود بالإداري، ثم انتقل إلى طرح نموذج متقدم في المجال الصحي، وأسئلة آمل ان تسهم في شرح بعض مصادر الاختلاف في الرأي حول هذه القضية في العمل الصحي المحلي. أبدأ بأن الإدارة يمكن تصنيفها، بشكل مجمل، إلى الإدارة القيادية والإدارة التنفيذية، ولكل منهما مواصفات ومهام يجب توفرها في شاغلها، فالقيادة تمتاز بصفات يصعب تحديدها بدقة أو تعليقها بشكل كامل وانما يتم صقلها عن طريق التعليم والتدريب والتثقيف الإداري، كونها تعتمد على مثل وقيم شخصية وثقافية ومهنية تطبع صفات القائد الإداري حتى يقال بأنها تلد معه، أو كما يقال عن بعض القياديين بأنهم ولدوا قادة، كونهم ورثوا صفات القيادة أو اكتسبوها منذ الصغر التي تؤهلهم لقيادة الآخرين، ويشبه القائد الإداري المدرب الرياضي، فليس بالضرورة ان ينجح المدرب الذي لعب مباريات أكثر، أو من سجل أهدافاً أكثر، أو من حصل على شهادات أعلى في التدريب، ولكن ينجح صاحب الشخصية القيادية القادر على تفعيل طاقات الفريق وصهرها في بوتقة عمل جماعي متناسق يخدم الهدف النهائي للفريق.

والمجال الصحي تنقسم الإدارة فيه إلى إدارة قيادية وإدارة تنفيذية، وفي القيادية ليس مهما ان كان القيادي طبيباً أم غير طبيب، بل المهم هو الحس القيادي للإداري وقدرته على فهم آليات العمل الصحي ضمن المنظومة الإدارية المحيطة وقدرته على تكوين وقيادة الفريق، وبالتالي مسألة أيهما أفضل في العمل القيادي الصحي، الطبيب أم غير الطبيب، تصبح قضية ثانوية بعد السمات الشخصية والثقافية والقيم للشخص القائد، واصرار البعض على انه لا يصلح لإدارة الشؤون الصحية أو وزارة الصحة سوى الطبيب ليس له مبرر علمي، وكذا اصرار البعض على عدم صلاحية الطبيب للقيادة الصحية لا يعتمد على براهين علمية مقنعة، لأن القضية كما أوردنا ليست علمية بقدر ما هي قيادية..

بالنسبة للإدارة التنفيذية الصحية، فمهام الإداري فيها ومن المسمى تتركز في القدرة على تطبيق النظم واللوائح مع التميز بمهارات الاتصال مع الرؤساء والمرؤوسين ومع العملاء الذين يصبح المدير التنفيذي مسؤولا عن مواجهتهم بما يتطلبه ذلك من مهارة سلوكية يصاحبها مهارات أساسية في الجوانب المالية والتوظيفية والقانونية.. الخ.. وهنا يأتي السؤال أيهما اكثر تأهيلا في هذه الجوانب من الناحية العلمية؟ بعد استبعاد الجوانب المتعلقة بالسمات الشخصية التي تميز كل فرد عن الآخر في جانب القدرات القيادية، يمكن القول بأن تخصصات إدارة المستشفيات والإدارة بصفة عامة تحوي تدريباً ومهارات ومناهج متعلقة بالجوانب الإدارية تفوق ما هو موجود في تخصصات الطب، وعليه فالكفة تميل لصالح غير الاطباء في حالة الاكتفاء بالتعليم الأساسي كمنطلق للمقارنة في هذا الجانب ومسألة كون الطبيب الإداري أفضل من الإداري المتخصص بحجة فهمه للقضايا المهنية، يمكن تجاوزها بتعاون الإداري مع الإدارة الطبية بالمنشأة الصحية. هذا لا ينفي وجود أطباء ناجحين في مجال الإدارة الصحية لأنهم تجاوزوا الاكتفاء بالتعليم الطبي الأساسي والتحقوا بدورات وبرامج تدريبية وتعليمية زودتهم بالمعارف والمهارات الإدارية اللازمة..

ليس لدي تحليل علمي أو احصائية محلية في قضية الطبيب الإداري والإداري غير الطبيب، ولا يمكن الحكم أيهما أفضل دون اعطاء مبدأ تساوي الفرص في هذا المجال، فمن الطبيعي ان يبرز الطبيب أمامنا كإداري ناجح طالما تم احتكار الإدارة الطبية من قبل الأطباء ولم تعط الفرصة للآخرين. كما أنه من الطبيعي أن تبرز نماذج معينة يساعدها تميز شخصيات أصحابها وسماتهم الفردية وتساعدها بعض الظروف المحيطة مثل وفرة المصادر المالية التي تخفي العيوب الإدارية في أي مجال. أو تبعده عن عيون النقد الموضوعي الحقيقي.. يضاف إلى ذلك التصنيف أو النظرة الاجتماعية وأحياناً التوظيفية للتخصصات والشهادات حيث يصنف الطبيب وحامل الشهادة العليا في درجة متقدمة اجتماعياً ووظيفياً، حتى في مجالات ليست من صلب التخصص والكفاءة العلمية المهنية.

لفهم ما يحدث في بعض الدول أطرح النموذج الكندي على اعتبار تميزه الصحي وتقدير مجتمعنا للتجربة الكندية الصحية، بدليل توجيه غالبية البعثات الطبية إلى كندا، حيث أشارت دراسة حديثة صدرت مؤخراً(1)، إلى تغير أدوار الإداريين الصحيين بكندا في السنوات الأخيرة، وفيها تم استفتاء 108إداريين وقياديين (أكثر من مائة إداري) عمل في المجال الصحي، عن كثير من الأمور المتعلقة بالتوجهات الإدارية بكندا، وفي موضوع المقال كانت النتيجة ان 43% من المشاركين في الاستفتاء يحملون شهادة الماجستير في الإدارة الصحية، و,278% يحملون دبلوماً في الإدارة و6% يحملون الماجستير في تخصصات صحية (غير أطباء) و,741% يحملون الماجستير في الإدارة، و,093% أطباء يحملون شهادات ماجستير في الإدارة العامة أو إدارة المستشفيات و,278% يحملون شهادة دكتوراه، ويمثل الأطباء الإداريون ,37% فقط بمعنى آخر أقل من 6% من مديري المستشفيات أو الإداريين بالمستشفيات الكندية هم من الأطباء ونصف هؤلاء الأطباء لديه تخصص إداري اضافي..

طبعاً التقرير الكندي حوى معلومات كثيرة حول التوجهات الإدارية الصحية الحديثة ولكن احدى النقاط التي تلفت الانتباه هو انتماء أكثر من 90% من أولئك الإداريين الذين شملتهم العينة إلى جمعيات مهنية متخصصة، مثل الكلية الكندية للمديرين الصحيين أو الجمعية الامريكية للمديرين الصحيين وغيرها وهي جمعيات تسهم في تطوير اداء الإداريين عبر مجلاتها ونشراتها وعبر برامج الاعتراف والشهادات التي توفرها لمنسوبيها والتي لا تكتسب سوى عن طريق التدريب واجتياز امتحانات معينة تسمح للعضو بالحصول على شهادتها، وبالتالي الاعتراف بقدرته على العمل في مجال الإدارة الصحية..

من المفارقات الموجودة في واقعنا الصحي المحلي النقص الشديد في اعداد الأطباء المتخصصين والمؤهلين تأهيلاً عالياً، ومعلوم بأن تأهيل الطبيب ليصل لمرحلة استشاري لايقل عن عشر سنوات من التأهيل والتدريب الطبي المكثف والمكلف اقتصادياً واجتماعياً، ثم بعد ذلك يتم وضع ذلك الطبيب في موقع إداري بناءً على فلسفة اجتماعية وتوظيفية لم تتمكن من تجاوز المفاهيم التقليدية في التراتبية الوظيفية والاجتماعية! كما يتضح من النموذج الكندي يوجد أطباء إداريون وليس المجال هنا الاعتراض ولكن الواضح ان هذا المفهوم للإداري الصحي يتقلص بدليل النسبة المتواضعة للأطباء الإداريين، كما أن مثل هذا التوجه لا يأتي جزافاً دون تأهيل الطبيب للعمل الإداري، سواء بإلحاقه ببرنامج دراسات عليا متخصص أو بالحاقه ضمن برامج تدريبية وتأهيلية تسمح له باجتياز شروط وامتحانات الجمعيات والهيئات المهنية المتخصصة في مجال الإدارة الصحية.. وهو ما يقودنا إلى اختتام هذا المقال بالسؤال عن امكانية تبني الهيئة السعودية للتخصصات الصحية أو جمعية الإدارة أو جمعية تنشأ تحت مسمى جمعية الإدارة الصحية، بالقيام بمهمة التقييم والتسجيل والاعتراف بكفاءات العاملين في المجال الإداري الصحي، على غرار الجمعية الامريكية أو الكندية للمديرين الصحيين، فمن لديه الرغبة للترقي لمنصب إداري (رغم ان ذلك لا يعتبر ترقية بالنسبة للطبيب) فعليه اثبات وجود الحد الادنى من المؤهلات اللازمة لذلك، فقد حان الاوان لتجاوز الاجتهادات الشخصية المبنية على الفطرة أكثر منها على التدريب والدراية والتأهيل العلمي، بل لعلني أطالب وزارة الصحة كخطوة انتقالية بأن تتولى التنسيق مع معهد الإدارة أو احدى الجامعات لايجاد برنامج تدريبي عال في إدارة المستشفيات (دبلوم أو ماجستير) لتأهيل الأطباء والمتخصصين في المجالات الصحية الاخرى العاملين أو الذين سيعملون في المجال الإداري الصحي، وليكن اجتياز ذلك البرنامج شرطاً أساسياً للترقية إلى وظيفة إدارية صحية، لنصل بحول الله إلى مستوى مقبول في مجال الإدارة الصحية والذي بدوره سينعكس على مستوى التقدم التنظيمي والإداري الصحي بل وعلى مستوى الأداء الصحي بصفة عامة..

أسئلة:

مدير المستشفى غير الطبيب لا يحصل على بدل تفرغ بل وربما لا يضم إلى الكادر الصحي ولا يستحق سكناً مجانياً، بينما الأطباء الإداريين كمديري الشؤون الصحية ومديري المستشفيات يحصلون على سكن مجاني، أحياناً بطرق تتجاوز النظام، ويحصلون على بدل تفرغ يصل إلى 80% من الراتب الأساسي، والسؤال هو: لماذا لا يلغى بدل التفرغ عن الطبيب الإداري، طالما أصبح إدارياً ولس طبيباً؟ أو لماذا لا يستحق الإداري غير الطبيب مميزات مماثلة للطبيب الإداري طالما هم يؤدون نفس العمل؟ هل وظيفة إدارة الشؤون الصحية توفر لشاغلها الوقت الكافي لممارسة العمل السريري؟ هل أصبحت مجالات ترقية الأطباء محصورة في استلام مناصب إدارية؟ كم عدد الساعات العملية السريرية التي يشترط أداؤها من قبل الطبيب للحفاظ على تسجيله المهني كطبيب متخصص؟ كم هي الساعات العملية السريرية المطلوب أداؤها ليحصل الطبيب على بدل التفرغ المضاف إلى راتبه الأساسي؟