استبشر السعوديون خيرًا بالأمر السامي الكريم الصادر بتاريخ 12 شعبان 1438 للهجرة، والذي ألزم بتبني توصيات منظمة الصحة العالمية، وذلك بدمج خدمات الصحة النفسية بالسعودية داخل المسشتفيات العامة في كل القطاعات الصحية بما فيها القطاع الخاص، من خلال الالتزام بفتح جناح طب نفسي للتنويم في كل مستشفى عام سعته السريرية تتجاوز 100 سرير، وإلزام كل مستشفى عام سعته أقل من 100 سرير بوجود عيادة نفسية متكاملة التخصصات؛ وقد ذُكر في ديباجة هذا الأمر السامي الكريم باعتماد توصيات اللجنة الوطنية للصحة النفسية وعلاج الإدمان بالمجلس الصحي السعودي، والتي تم تكليفها بإيجاد حلول لملاحظات الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد حول مستشفيات الصحة النفسية بالسعودية.

ولفهم هذا القرار السامي الكريم، اسمحوا لي أن أشرح -في هذه المقالة الموجزة-  بعض نماذج أجنحة التنويم ذات العلاقة بالطب النفسي وهي:

١) جناح مغلق لحالات الطب النفسي الحادة:

وهذا الجناح مخصص لتشخيص وعلاج الاضطرابات النفسية الحادة التي تشكل خطراً على النفس أو الآخرين، مثل: محاولات الانتحار، اضطرابات المزاج والذهان الحادة.. الخ. ويقضي فيه المريض عادة بضعة أيام أو أسابيع.

ويماثل الأجنحة الطبية المعتادة في معظم المواصفات، مع الحفاظ على مستوى أمان عال ( فبابه الخارجي مغلق، ويخلو الجناح من الأدوات الحادة التي قد يساء استعمالها من المرضى )،  وكذلك يحتوي على غرفة عزل واحدة أو أكثر ( مبطنة بمادة لينة بالكامل من الداخل)، تستعمل لاحتواء بعض المرضى المتهيجين عند الضرورة، لبضع ساعات أو أكثر. ويمكن أن يكون هذا الجناح جزءاً من المستشفيات العامة كما هو الحال في معظم دول العالم،  بالإضافة إلى كونه جزءاً من مجمعات الطب النفسي. 

٢) جناح مغلق لحالات الطب النفسي الجنائية:

وهذا الجناح ذو درجة أمان عالية جداً ، وينوم فيه مرتكبو الجرائم، ممن لديهم اضطرابات نفسية شديدة الوطأة؛ لأجل التشخيص والعلاج ، وأحياناً للتنويم لمدة طويلة وربما مدى الحياة بحسب قرار اللجنة الطبية الشرعية. وعادة، يقام هذا الجناح في مجمعات الطب النفسي الكبرى فقط. 

٣) جناح مغلق لحالات الطب النفسي المزمنة:

وينوم فيه عادة بعض المرضى الذين لديهم حالات نفسية مستعصية ومزمنة؛ ويحتاجون للتنويم بأجنحة نفسية لمدة طويلة وربما مدى الحياة. 

٤) جناح مفتوح لحالات الطب النفسي المتوسطة الشدة:

ويكون ذو مواصفات أمان متوسطة، وينوم فيه المرضى عادة اختياريًا، ولبضعة أيام أو أسابيع.

٥) وحدات الرعاية اللاحقة وبيوت منتصف الطريق لمرضى الإدمان:

وهي توفر لمرضى الإدمان “المتعافين” بيئة مناسبة يقيمون فيها لفترة معينة، كمرحلة انتقالية ما بين المستشفى والبيئة الخارجية، لأجل تهيئتهم لمواجهة ضغوطات الحياة، والحد من الانتكاسة مستقبلاً.

٦) أجنحة باطنة أو جراحة أو نساء وولادة أو أطفال أو عناية مركزة:

وكما هو معلوم فإن قرابة نصف المرضى المنومين بتلك الأجنحة قد يوجد لديهم اضطرابات نفسية مصاحبة،  إما خاملة أو نشطة، وإما ذات درجة بسيطة أو شديدة الوطأة. ولذلك، قد يطلب الطبيب الأساسي المعالج في تلك الأجنحة استشارة من فريق الطب النفسي الجسدي بذلك المستشفى العام، لأجل تقييم وعلاج أي اضطراب نفسي نشط، مصاحب للمرض الجسدي الأساسي  – الذي نوم المريض بسببه- وذلك بالتعاون مع الفريق الطبي الأساسي.

وهذا المريض بهذا التوصيف ، لا يعد منوماً بسرير ( نفسي) مطلقاً، وإنما منوم بسرير ( باطنة ، جراحة… الخ بحسب الحالة)؛ قياساً على حالة مريض منوم لأجل إجراء عملية جراحية لاستئصال المرارة، ثم تم تحويله لطبيب قلب لتقييم وعلاج قلبه قبل وبعد العملية، فهذا المريض لا يعد بهذا التوصيف منوماً بسرير (جناح القلب) بمواصفاته الخاصة، وإنما يعد منوماً بسرير (قسم الجراحة).

ومما يذكر فيشكر، مبادرة عدد لا بأس به من المستشفيات العامة لتطبيق الأمر السامي الكريم الآنف الذكر، ولكن للأسف استطاع عدد قليل من هذه المستشفيات تنفيذ الأمر السامي الكريم بحسب المقصود الحقيقي منه، وهو فتح جناح مغلق لحالات الطب النفسي الحادة (النموذج رقم ١ أعلاه)؛ بالرغم من أن ذلك لا يحتاج سوى لموارد محدودة، ويمكن تطبيقه في جميع المستشفيات العامة، وبشكل مبسط وتدريجي (وذلك بالبدء بجناح صغير مغلق، ذو أسرة قليلة بحسب الموارد المتاحة). وإذا وُجد جناح تنويم نفسي بمواصفات جيدة، فذلك مدعاة غالباً لإنشاء قسم طب نفسي متطور، يقدم خدمات تكاملية وتخصصية وتعليمية وتدريبية وبحثية، تخدم أقسام المستشفى العام الأخرى، والمجتمع ككل.

والأكثر ألماً، أن بعض المستشفيات العامة، نفذت الأمر السامي الكريم بشكل غير دقيق، فأعتبرت المذكور في (نموذج رقم ٦) المبسوط آنفاً، وهم المرضى المنومون أساسًا  لأسباب باطنية أو جراحية .. الخ، ثم تم طلب استشارة نفسية لهم كما هو معتاد في جميع المستشفيات العامة في العالم ؛ تم اعتبار هؤلاء منومون بأسرة (نفسية)، وتم حسابهم في عداد الأسرة النفسية في ذلك المستشفى العام؛ وهذا غير متوافق مع المعايير العالمية بهذا الشان.

ومن ناحية أخرى، مازال هناك عدد كبير من القطاعات الصحية الحكومية أو الخاصة متأخرة في تنفيذ الأمر السامي الكريم؛ ولذلك، أكرر ما بسطته في مقالات سابقة موجودة لمن أراد العودة إليها في كتاب ( مفاهيم ومقالات حول الصحة النفسية في السعوديةأحد إصدارات المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية عام 1442 للهجرة، ومتوفر مجاناً في موقع المركز الإلكتروني؛ وهو أن الحصول على سرير تنويم نفسي (مناسب) مازال شاقاً، وربما أندر من الكبريت الأحمر.

وختاماً، أتمنى أن تتضافر جهود جميع المهتمين بالصحة النفسية في السعودية، من أجل تطبيق جميع أوامر المقام السامي الكريم ذات العلاقة بالصحة النفسية على الوجه الأمثل، واستغلال الدعم اللا محدود الذي توليه قيادتنا الرشيدة لدعم القطاع الصحي في السعودية وعلى رأسه قطاع الصحة النفسية.  

والله من وراء القصد. 

   أخوكم/ فهد بن دخيل العصيمي