يُعد قطاع الرعاية الصحية من القطاعات الجاذبة للاستثمار دولياً، ولربما محلياً بشكل أكبر. إذ أن مكررات الربحية لأسهم القطاع المتداولة في السوق السعودي تتراوح ما بين العشرين، والخمس والأربعين مرة، بمتوسط حالي يبلغ 31مرة. وهذا يتجاوز متوسط المكررات لأسهم القطاعات الأخرى. فقطاع البنوك يتداول عادةً عند متوسط العشرين مرة على سبيل المثال.  في هذه المقالة، نتعرض لبعض الجوانب المتعلقة بنشاط القطاع الطبي والتي قد تبرر تلك الزيادة في معدل المكررات.

تشكل الحاجة المستمرة لتلقي خدمات الرعاية الصحية مصدراً لزيادة الطلب على مزوديها. والذي يؤدي – تبعاً لذلك – للنمو في حجم القطاع ككل، من الناحية الاستيعابية وكذلك المالية. ويتم قياس ومتابعة ذلك النمو من خلال بعض المؤشرات ومنها نسبة الانفاق الحكومي على الرعاية الصحية من اجمالي الانفاق الحكومي.

فاستجابةً من حكومتنا الغالية لتلك الحاجة، زادت مخصصات الميزانية الحكومية لوزارة الصحة بشكل مطرد منذ العام  218م (من ثلاثة وستين مليار إلى قرابة الثمانين مليار ريال). وكان ذلك مصحوباً بالزيادة في نسبة الانفاق الحكومي المحلي على ذلك القطاع من اجمالي الانفاق الحكومي. فوفقاً لتقرير منظمة الصحة العالمية، نمت هذه النسبة في المملكة إلى قرابة 11%، ويُعد ذلك ضمن المتوسط العالمي للدول عالية الدخل (من 10 الى 14% خلال الخمس سنوات الماضية). وتُعد هذه النسبة أيضاً هي الأعلى إنفاقاً من الحكومات على مستوى دول الخليج العربي.  كما أن نصيب الفرد من الإنفاق الصحي في السعودية لا يزال معقول التكلفة. إذ يبلغ نصيب الفرد 1147 دولار أمريكي، وذلك مقارب لمتوسط دول الخليج (1185 دولار)، واقل كثيراً من نصيب الفرد في دولة قطر (١٨٢٧ دولار)، ومن المتوسط الأوروبي 1990دولار (التقرير الإحصائي لصحة العالم، 2019).

وبالإضافة لازدياد مؤشرات الحاجة والطلب، تعمل الحكومات على تطوير أنظمتها الصحية بشكل مستمر لتوفير خدمات حصول ووصول مواطنيها للرعاية الصحية الشاملة. ومثال ذلك ما نشهده حالياً من مخرجات برنامج تحول القطاع الصحي ونظام التأمين الصحي الوطني. الأمر الذي لا يخلو من الاستراتيجيات الداعمة للقطاع الخاص كإحالة تشغيل بعض الأقسام الطبية التابعة لشركة الصحة القابضة للشركات الخاصة. وخلق سوق إضافي للتعامل مع مزودي الخدمة للخدمات التي تتخطى استيعاب التجمعات الطبية.

وعليه، ليس من المستغرب أن تشكل تلك المعطيات عناصر جذب للاستثمار في ذلك القطاع. فوفقاً لبلومبرغ، شكّلت صناديق الرعاية الصحية الوجهة الأكبر عالمياً للتدفقات النقدية متجاوزةً صناديق القطاعات الأخرى. كما اظهر مؤشر أسهم قطاع الرعاية الصحية نمواً أكبر من نمو مؤشر السوق الرئيسي السعودي خلال العامين الماضيين.

إن هذا الأمر إذا ما تم ربطه مع معطيات التعداد السكاني في المملكة والنمو المرتقب لساكنيها وفقاً لمستهدفات رؤية المملكة 2030، فإنه سيُكون رافداً آخر لزيادة الاحتياج. فمن المتوقع ان يستمر النمو السكاني في المملكة الى العام 2060م وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة ليصل إلى قرابة الخمسين مليون نسمة. وسيصحب تلك الفترة تغيراً في تكوين الهرم العمري نتيجةً لزيادة عمر فئة الشباب السائدة الحالية ودخولها في الفئة متقدمة عمرياً والتي لديها احتمالية أكبر للاعتلال والتطبيب. وإذا ما علمنا بأن عدد الأسرة محلياً يبلغ 202 سرير لكل ألف من السكان (البنك الدولي, 2017م)، مقارنة بالمتوسط الأوروبي 408 سرير (منظمة الصحة العالمية، 2014)، فإن ذلك يدعم الانطباع عن وجود حاجة فعلية للزيادة.

إن جميع هذه العوامل مجتمعةً انعكست بطبيعة الحال على شركات الرعاية الصحية المدرجة. فاغلب الشركات افصحت عن خطط للتوسع في خدماتها، وسعة استيعابها. حيث تفاوتت تلك المشاريع في كبرى الشركات من 200 سرير الى ما يتجاوز الأف سرير موزعةً ما بين مناطق المملكة.

ولعل هذا التوجه يبرر استجابة السوق المبكرة لتلك الاحداث من خلال مكررات الربحية المرتفعة الآنفة الذكر. ويتوافق ذلك مع سلوك المستهلكين وتفضيلاتهم، إذ احتل القطاع الصحي المركز الخامس كأكثر قطاع أنفق السعوديين عليه خلال النصف الأول من العام الجاري من خلال نقاط البيع. وذلك بما يتجاوز الخمسة مليارات دولار وفقاُ للبنك المركزي السعودي.

وعلى الرغم من تلك الجاذبية، إلا ان القطاع لا يخلو من تحديات جديرة بالذكر. فكون القطاع يعتمد على شركات التأمين فإنه عرضه للارتباط بذمم مدينة قد تكون كبيرة نسبياً. الأمر الذي قد يؤثر على سلاسة التدفقات النقدية ويحيل إلى الاستعانة بحلول التمويل على حساب تأثر هامش الربحية. وكسائر القطاعات، لدى النشاط انكشاف على التضخم في أسعار المواد الطبية والمستهلكات مما يزيد على تكلفة التأسيس والتشغيل والنفقات الرأسمالية.

وهذا ما يجعل شركات الرعاية الصحية الكبرى، متعددة النشاط، وذات الإدارة التنفيذية الواعية في موقع أفضل من سواها. فهي أقدر على التعامل مع متغيرات السوق. ولديها أدوات أكثر تعدداً لزيادة الكفاءة التشغيلية، وحلولاً أيسر للتغطية المالية.

 

 

أ.د/نايف بن عبدالله بن دايل.

المصدر.https://maaal.com/2022/08/%D9%85%D9%83%D8%B1%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%D8%AD%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D8%A3%D8%B3%D9%87%D9%85-%D9%82%D8%B7%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B9%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5/