إعداد أ. غادة عبدالله الشهوان

لا يزال مرض روماتيزم القلب (RHD) يمثل مشكلة صحية عالمية عامة، على الرغم من كونه مرضًا يمكن الوقاية منه والقضاء عليه. ووفقًا لدراسة صدرت في عام 2015 عنوانها “العبء العالمي للمرض”، يرتبط مرض روماتيزم القلب بالانتشار المرتفع لحالات الوفاة وانتشار المرض بين الأطفال والبالغين، خاصة في البلدان (النامية) ذات الدخل المتدني.

سيوفر هذا المقال بيانات أساسية عن المرض، بما في ذلك أسباب المرض، والمظاهر السريرية له، والعبء الوبائي للمرض، ومضاعفات مرض روماتيزم القلب. بالإضافة إلى ذلك، سوف يسلط المقال الضوء على ممارسات الصحة العامة المؤيدة بالبيّنات والتي تهدف لتعزيز الصحة والقضاء على المرض. وأخيرًا، سيتناول المقال تدخلات الصحة العامة المُعدة خصيصًا للتعامل مع كيفية الوقاية من المرض في المملكة العربية السعودية.

تعتبر الحمى الروماتيزمية الحادة (ARF) مرض التهابي يصيب القلب، والمفاصل، والجهاز العصبي المركزي، والأنسجة تحت الجلد وبحدث كل هذا بسبب إحدى المجموعات العقدية الانحلالية بيتا (Streptococcus pyogenes).

 وتثير العدوى عديد من التفاعلات المناعية التي تؤدي إلى الإصابة بمرض روماتيزم القلب، ومع ذلك، لا تزال الأسباب الدقيقة للمرض غير معروفة.

 ومع ذلك، فقد ثبت أن الكائنات الحية تلتصق بالخلايا الظهارية في الجهاز التنفسي العلوي، وتخلق مجموعة من الإنزيمات التي تتسبب في إيذاء الأنسجة البشرية واختراقها. وتتسبب الكائنات الحية في حدوث استجابة التهابية فورية مصحوبة بالتهاب في الحلق، وحمى، وتوعك، وصداع طوال 3 إلى 5 أيام، وزيادة في عدد كرات الدم البيضاء بعد 2 إلى 4 أيام من فترة حضانة فيروس العدوى. ويمكن أن تتطور الحمى الروماتيزمية بعد عدة أسابيع من شفاء التهاب الحلق في نسب قليلة من الحالات المصابة.

 وقد ثبت أن عدوى البلعوم فقط هي التي تسبب أو تعيد تنشيط الحمى الروماتيزمية.

 وتنتقل العدوى عن طريق الاتصال المباشر بالإفرازات الفموية أو التنفسية، ويمكن أن تسهل ظروف المعيشة المزدحمة وسوء التهوية في انتشار العدوى. ويمكن أن يُصاب المرضى بالعدوى لأسابيع بعد استقرار أعراض التهاب البلعوم لديهم، وقد يصبح هؤلاء الأشخاص بمثابة مصدر لإصابة الآخرين.

ينتج داء روماتيزم القلب نتيجة تلف صمام القلب الذي لا يمكن علاجه والناتج عن الاصابة بالحمى الروماتيزمية الحادة التي يتبعها التهاب روماتيزم القلب. ويشمل التهاب غلاف القلب، والتهاب عضلة القلب، والتهاب الصمامات.

وقد تظهر علامات وأعراض مرض روماتيزم القلب المزمن في شكل ضيق الصمام التاجي بدرجات مختلفة، والاتساع الأذيني، وعدم انتظام ضربات القلب، والخلل الوظيفي البطيني.

 علاوة على ذلك، يشمل التهاب الصمام التاجي معظم حالات أمراض روماتيزم القلب، ومع ذلك، يمكن أيضًا إشراك الصمام الأبهري والصمام الثلاثي في هذا الأمر.

ونظراً لأن الحمى الروماتيزمية الحادة مرض يحدث بانتظام، قد يكون لدى المرضى مجموعة واسعة من الأعراض. وقد نشرت منظمة الصحة العالمية (WHO) مرجعًا شاملاً عن تشخيص وعلاج الحمى الروماتيزمية ومرض روماتيزم القلب. ولتشخيص الحمى الروماتيزمية، يلزم وجود عدوى إيجابية بالتهاب البلعوم العقدي لتأكيد التشخيص.

 بعد ذلك، يتم استخدام معايير جونز المعدلة لإجراء تشخيص للحمى الروماتيزمية. وتشمل المعايير ضرورة وجود معيارين رئيسيين أو معيار واحد رئيسي واثنين أو ثلاثة معايير ثانوية لحدوث الحمى الروماتيزمية. وتتكون المعايير الرئيسية من التهاب القلب، والتهاب المفاصل، والاضطراب العصبي، والعقيدات تحت الجلد، واحمرار الجلد السطحي. علاوة على ذلك، تشمل المعايير الثانوية الحمى، وآلام المفاصل، وارتفاع معدل ترسيب كرات الدم الحمراء (ESR)، أو بروتين C التفاعلي، وهي معايير تشخيص ثانوية (CRP) (كما هو موضح في الجدول رقم 1). ويؤدي العلاج بعقار البنسلين إلى تقصير المسار السريري لالتهاب البلعوم العقدي، والأهم من ذلك أنه يمنع تطوره إلى الحمى الروماتيزمية، وبالتالي الإصابة بمرض روماتيزم القلب.

الجدول 1: معايير جونز الرئيسية والصغرى لتشخيص الحمى الروماتيزمية الحادة

 

رئيسي مصغر
التهاب المفاصل المهاجر ارثر الجيا
التهاب القلب الحمي
الحمامي الهامشية حصر للقلب من الدرجة الاولي
مرض سيدنهام كوريا علامات الالتهاب المزمنة (ESR, CRP
العقد تحت الجلد  

  

إن انتشار مرض روماتيزم القلب انخفض بشكل كبير في البلدان (المتقدمة) ذات الدخل المرتفع بسبب تقدم وضعها الاجتماعي والاقتصادي وتحسن ظروف المعيشة. ومع ذلك، لا يزال هذا المرض يمثل قضية صحية عالمية نشطة في البلدان (النامية) ذات الدخل المتدني، والمجتمعات المهمشة، على الرغم من جهود منظمة الصحة العالمية للتغلب على أنشطة المرض (نقلاً عن كومار وآخرين، 2020). ويجادل العديد من العلماء بأن الوباء المتوطن في البلدان ذات الدخل المتدني يرجع إلى ضعف الوصول إلى الرعاية الصحية الأولية، وعدم كفاية التهوية، وسوء الظروف المعيشية، واكتظاظ المساكن بالبشر، والتفاوتات العالمية أو الخلل في النظم الصحية، وأخيراً، الفقر الشديد المستمر (نقلاً عن كومار وآخرين، 2020؛ وواتكينز وآخرين، 2017؛ وزوالكZühlke  وآخرين، 2015؛ وواتكينز وآخرين، 2016).

 وأشارت دراسة “عبء المرض العالمي” لعام 2015 إلى أنه تم تسجيل 38 مليون إلى 40.8 مليون حالة من حالات الإصابة بمرض روماتيزم القلب في عام 2017 على مستوى العالم. وسجلت مناطق أوقيانوسيا، وجنوب آسيا، وأفريقيا جنوب الصحراء، أعلى معدل انتشار، ووفيات، وإعاقة ذات علاقة بمرض روماتيزم القلب.

بالإضافة إلى ذلك، قدرت الدراسات أن معدل الوفيات المرتبط بمرض روماتيزم القلب وصل في عام 2017 إلى ما بين 266200 إلى 303300 حالة وفاة. ويسلط البحث أيضًا الضوء على أنه في البلدان المرتفعة الدخل يرتبط معدل وفيات مرض روماتيزم القلب بالحالة الاجتماعية والاقتصادية السيئة، والمجتمعات المهمشة، والريفية. علاوة على ذلك، فإن المرض على المدى الطويل يُخلّف تأثيرا كبيرا على الصحة، ونوعية الحياة، ويشكل عبئا وتكلفة كبيرة على نظام الرعاية الصحية. ومن المتوقع أن يستمر الاستشفاء المتكرر، والتدخلات والجراحات القلبية المتعددة من 5 سنوات بعد الإصابة وحتى 20 عامًا لاحقًا في الحياة.

وفقًا للجمعية السعودية لأمراض الأطفال المعدية (SPIDS)، لا يزال مرض الحمى الروماتيزمية مستوطنًا في المملكة العربية السعودية. وأبرزت الجمعية السعودية لأمراض الأطفال المعدية أيضًا أن البيانات الدقيقة حول انتشار المرض في المملكة العربية السعودية غير متوفرة، ومع ذلك، فهي أعلى من المعدل العالمي.

 وقد تم الإبلاغ سابقًا عن وجود الحمى الروماتيزمية الحادة في عدة أجزاء من المملكة. وكشفت أحدث البيانات المنشورة عام 1991 أن معدل انتشار الحمى الروماتيزمية كان (0.3 لكل 1000) وبلغت أمراض القلب الروماتيزمية المزمنة (2.8 لكل 1000)، بمعدل إجمالي 3.1 لكل 1000 من أطفال المدارس الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و15 سنة. علاوة على ذلك، تشير التقديرات إلى أن 52٪ من حالات الإصابة بمرض روماتيزم القلب تعاني من قصور حاد في القلب بشكل مهدد للحياة، وحوالي 12٪ من الحالات يؤثر قصور القلب المزمن على نوعية حياتهم، وتكلفة الرعاية الصحية.

نشر الاتحاد العالمي للقلب (WHF) بيانًا يهدف إلى تحسين التحكم في مرض روماتيزم القلب، ووضع تدابير وقائية بناءً على الأدلة السريرية المتاحة. ويطمح الاتحاد العالمي للقلب لتقليل نسبة الوفيات المبكرة من الحمى الروماتيزمية الحادة ومرض روماتيزم القلب بنسبة 25٪ بين الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 25 عامًا أو أقل بحلول عام 2025. كما أكد الاتحاد العالمي للقلب أيضًا على أهمية تطوير برنامج وطني شامل يتكامل مع الجهود المبذولة مسبقًا لوزارات الصحة على مستوى العالم لتحقيق النتيجة المرجوة.

ويتمثل مفتاح الوقاية من مرض روماتيزم القلب في التشخيص المبكر للمجموعة الأولى من العدوى وهي البكتيريا العقدية والحمى الروماتيزمية الحادة. حيث سيساعد ذلك في تحديد الحالات وتنفيذ الوقاية الأولية والثانوية وما بعد الثانوية للحد من نشاط المرض. وتتشكل الوقاية الأولية بدءًا من منع حدوث المرض من خلال اتخاذ تدابير للحد من عوامل الخطورة للمرض المقصود. ففي حالة مرض روماتيزم القلب، تتمثل الوقاية الأولية في تعزيز الوضع الاجتماعي والاقتصادي للسكان، أي تحسين المحددات والظروف الاجتماعية للصحة.

 وسيؤدي هذا بدوره إلى تحسين ظروف معيشتهم وتهويتهم، بالإضافة إلى الحد من اكتظاظ المساكن، وتحسين الوصول إلى دور الرعاية الصحية الأولية. وأخيراً، تحسين الممارسات الصحية العامة للمجتمع، وتحسين وزيادة الوعي العام.

من ناحية أخرى، تُعرّف الوقاية الثانوية على أنها التعرف المبكر على المرض واكتشافه، مما يسمح بالعلاج المبكر، وبالتالي تقليل حدوث المضاعفات، والتحكم في نسبة انتشار المرض والوفيات المرتبطة به.

 وللوقاية الثانوية من داء روماتيزم القلب، هناك إجماع بين جمعيات أمراض القلب والأمراض المعدية على مستوى العالم أن الفحص المبكر وإجراء تخطيط القلب (فحص بالموجات الصوتية لحجرات القلب وصماماته) هو العامل الرئيسي الذي يساعد على التعرف المبكر للحالات مما يسمح باتخاذ الإجراءات العلاجية اللازمة في الوقت المناسب.

 وفي الحالات المزمنة لمرض روماتيزم القلب، تهدف الوقاية ما بعد الثانوية، والتي تعد المرحلة الثالثة من الخطة العلاجية، إلى علاج مضاعفات مرض روماتيزم القلب كقصور القلب، وأمراض القلب الصمامية أو المتعلقة بالصمامات.

وتتوافق هذه التدابير الوقائية الأولية والثانوية بشكل تام مع ما يعرف بـ “ميثاق أوتاوا” لتعزيز الصحة. حيث يظهر هذا من خلال العمل على زيادة وعي السكان وتعليمهم كيفية السيطرة على صحتهم والحفاظ عليها. كما أنها تؤدي إلى تحسين وتطوير المهارات الشخصية وتقوية العمل المجتمعي من خلال حملات التوعية المجتمعية.

 بالإضافة إلى ذلك، فإنه يخلق بيئة داعمة من خلال التكامل والتناغم بين النشاطات المجتمعية والتدخلات القائمة على الرعاية الصحية، مثل البرامج التعليمية وبرامج الفحص. ومن شأن هذا التحالف والتناغم أن يعيد توجيه الخدمات الصحية للتركيز على الوقاية من الاصابة بمرض روماتيزم القلب من خلال التمكين والتدخل والدعوة نحو الوقاية الأولية والثانوية.

ختامًا، على الرغم من الثورة الاجتماعية والاقتصادية العالمية التي حدثت في حقبة ما بعد ازدهار الصناعة والتحسن الذي جرى في النظم الصحية العالمية؛ لا يزال مرض روماتيزم القلب سببًا رئيسيًا لزيادة نسبة المرضى، والوفيات، خاصة بين فئات الأطفال العمرية، حيث تم إثبات الصلة بين الظروف الاجتماعية السيئة للصحة وانتشار مرض روماتيزم القلب بشكل جلي. لذا، فإن إجراء الوقاية الأولية بين المجتمعات ذات الدخل المتدني والمجتمعات المهمشة أمر بالغ الأهمية لتحسين النتائج الصحية وتقليل حدوث الحمى الروماتيزمية الحادة ومرض روماتيزم القلب. كما تعد التدخلات التعزيزية للصحة، وفقا لميثاق أوتاوا لتعزيز الصحة، هي الحل الجوهري لتحسين صحة السكان وضمان الحفاظ على ما تم التوصل له من نتائج في هذا الشأن.