بقلم/ د. حسن الخضيري

الصادرة من صحيفة سبق

مجلة الجودة الصحية – دينا المحضار

في عام 1976 صاغ طالب الطب توم فيرجسون لأول مرة مصطلح “المريض الإلكتروني”، ويقصد به المستهلك الصحي الذي يستخدم الإنترنت لجمع معلومات حول الحالة الطبية لنفسه أو نيابة عن العائلة والأصدقاء، ويستخدم أدوات الاتصال الإلكترونية للتعامل مع الحالات الطبية؛ واصفًا المرضى الإلكترونيين بأنهم “مستهلكون طبيون متمكنون”.

في زمن العزلة أصبحت التكنولوجيا عكازًا للاتصال البشري، وأصبحت المعلومات المغلوطة عبر النت تغذي انتشار الأمراض، وأصبح الإعلام أكثر فعالية في نشر الأمراض، كما أدت المعلومات الصحية المضللة إلى آثار كارثية متزايدة على الصحة.

تُعرَف المعلومات الخاطئة الصحية على أنها ادعاء متعلق بالصحة يستند إلى أدلة غير مؤكدة أو خاطئة أو مضللة بسبب نقص المعرفة العلمية الموجودة.

على مدى العقدين الماضيين، وتم الاستعانة بوسائل التواصل الاجتماعي بشكل متزايد للبحث عن المعلومات الصحية ومشاركتها؛ مما أكسب هذه المنصات مشاركة أوسع بين مستهلكي المعلومات الصحية من جميع الفئات الاجتماعية بغض النظر عن الجنس أو العمر.

هذه الوسائل ساقها القدر لتكون فرصة غير مسبوقة لزيادة التثقيف الصحي والكفاءة الذاتية والالتزام بالعلاج بين البشر، واستغلها المهنيون والمنظمات الصحية أيضًا لنشر المعرفة المتعلقة بالصحة حول العادات الصحية والمعلومات الطبية للوقاية من الأمراض.

وعلى الرغم من أن هذه المنصات أثبتت فائدتها في تعزيز الصحة؛ إلا أنها فتحت الباب أمام مخاطر اجتماعية وصحية غير مسبوقة، وربما يعود السبب لسرعة وسهولة انتشار المعلومات الصحية الخاطئة أو المضللة؛ مما أثر على اتخاذ القرار والسلوكيات الصحية.

تم تحديد ما مجموعه 69 دراسة غطت مجموعة واسعة من الموضوعات الصحية عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي؛ مثل: (اللقاحات، الأدوية، التدخين، الأمراض غير السارية، الأوبئة، اضطرابات الأكل، العلاجات الطبية) كان التضليل الصحي فيها أكثر انتشارًا، ووصلت المشاركات التي تحتوي على معلومات مضللة إلى 87٪ في بعض الدراسات.

المعلومات المضللة أحيانًا تكون بجهد منسق أو متعمد لنشر المعلومات الخاطئة عن قصد؛ من أجل كسب المال أو السلطة أو السمعة.. ولأن الصحة العامة مجال يوجد فيه رابحون وخاسرون؛ إذًا فهو مكان تزدهر فيه المعلومات المضللة وبالتالي العواقب الوخيمة؛ خاصة ما يتعلق بنوعية حياة الناس وحتى خطر الوفاة.

وقد انتشر الحصول على المعلومات الصحية من النت بشكل واسع، وأضفى طابعًا ديمقراطيًّا على الطب، وزاد من المنصات والوظائف المختلفة التي ربما تنقلنا لمسارات مختلفة للمعلومات المضللة.

ووفقًا لدراسةٍ بحثت في انتشار القصص الإخبارية على تويتر من 2006 إلى 2017؛ فقد اعتُبرت الأخبار المزيفة أكثر رواية من الأخبار الحقيقية.

تم تتبع 126 ألف شائعة انتشرت من قِبَل أكثر من 3 ملايين شخص على تويتر، ووُجد أن المعلومات الخاطئة انتشرت بشكل أكبر وأسرع وأعمق وأوسع من المعلومات الحقيقية.. فعندما تتم مشاركة مقال إخباري مزيف حول موضوع متعلق بالصحة مع الجماهير، يبدأ الناس في تصديقه بغض النظر عن الحقائق التي تدحض المنشور.. ولعل انتشار خبر أن التطعيمات يمكن أن تؤدي إلى التوحد وتأخر النمو لدى الأطفال على الرغم من ثبوت عدم وجود صلة بينهما؛ هو أكبر مثال على ذلك؛ حيث لا يزال العديد من الآباء في جميع أنحاء العالم يصرون على عدم تلقيح أطفالهم بسبب ذلك المنشور.

نحن بحاجة إلى مراجعة كيفية التعامل مع المعلومات المضللة عبر النت، وما إذا كان الوصول للمعلومات يساعد أو يضر بالصحة، وكيف تغيرت مصداقية المؤسسات التي تتواصل مع الصحة بمرور الوقت، وإنشاء استراتيجيات بناءة لتحسين النظام البيئي للمعلومات.

يحتاج المجتمع الطبي إلى توعية المرضى بشكل استباقي بشأن الاستخدام المناسب لوسائل التواصل الاجتماعي للحصول على المعلومات الصحية، ومحو الأمية الصحية الإلكترونية، ومحو الأمية الصحية عبر وسائل الإعلام.

نحتاج لتنمية قدرة المرضى الإلكترونيين على البحث عن المعلومات الصحية وتقييمها وفهمها ونقلها من المصادر الإلكترونية، وتشجيعهم على تحليل المعلومات بشكل نقدي، واستخدام المصادر الموثوقة، والتعرف على التحذيرات، والروابط غير الموثوقة.

من المهم أيضًا حث المرضى على تغيير السلوكيات أو الممارسات الصحية بناءً على موارد وسائل التواصل الاجتماعي غير المؤكدة، ومناقشة التأثير المحتمل للمعلومات الطبية الخاطئة.

عزيزي المريض والصحيح..

عندما ترى معلومات طبية مشكوكًا فيها عبر النت، تحدث مع مقدم الرعاية الصحية، يمكنه مساعدتك وإرشادك حول المعلومات الصحية الصحيحة.