كيف أصبح الطب التقليدي محركا للاقتصاد الصحي بالصين؟
بقلم/ سعد باسلوم
مجلة الجودة الصحية – دينا المحضار
الصين تاريخ قديم وحضارة ضاربة الجذور ولها نمط حياة وعيش مختلف ولغة خاصة جعلت منها ثقافة تتميز بالكثير من الخصوصية، ويشمل ذلك العادات الغذائية والعلاجية، فكان لهم نظام وأسس علاجية مختلفة نشأت منذ القدم من تاريخ البشرية، عرفت بالطب الصيني القديم أو التقليدي الذي يعود تاريخه لأكثر من 5000 عام قبل الميلاد، تناقلته الأجيال جيل بعد جيل، ويسود فيه اختلافات كثيرة وفقا للمتغيرات السياسية، حيث كان الاعتقاد مثلا في قديم الزمان أن البشر ما هم إلا صورة مصغرة من الكون المحيط ويرتبطون ارتباطا وثيقا بالطبيعة ويخضعون تماما لقواها فتتغير حالاتهم الصحية والنفسية والبدنية والسلوكية وفقا للطبيعة المحيطة بهم.
كان الطب الصيني قديما ينمو ويتطور عبر الأسر الحاكمة منذ القدم مثل سلالة هان في القرن الأول قبل الميلاد وسلالة هوان دي نيانغ بعدها إلى سلالة لياو وانسو في القرن الحادي عشر قبل الميلاد وصولا إلى سلالة شانغ في القرن الرابع عشر، فلهم كثير من الكتب والأثريات التي تثبت طرق متعددة للعلاج الصيني التقليدي في تلك الحقب الزمنية، فكل حقبة سياسية كانت تحتفظ بالموروث الطبي الذي سبقها، حيث تقوم بتطويره والاحتفاظ به بعيدا عن الناس لكي لا ينتشر أو يلقى رواجا خارج ذلك المحيط، فأصبحت كل حقبة زمنية تتفاخر على غيرها بتطوير العلم والخروج باكتشافات جديدة.
وفي عام 1950 قام مؤسس الصين الحديثة الرئيس ماو تسي تونغ بدعم وتوحيد الطب الصيني التقليدي وتحديثه واعتماده كنظام رعاية صحية أساسي في دولة الصين خصوصا في الأرياف والمناطق النائية ودمجه مع الطب الحديث وتدريب ممارسيه وإنشاء مراكز أبحاث علمية عالية المستوى وإنشاء مدن طبية تقدم خدمات رعاية صحية اندماجية متكاملة، وتم إطلاق مسمى (الطب الصيني التقليدي) عالميا، ليلقى رواجا عند شعوب العالم بعد ذلك وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
ويشمل الطب الصيني التقليدي أنواعا متعددة من الممارسات التطبيقية من الطب العشبي والوخز الإبري الصيني والعلاج بالحجامة وأبخرة عشبة الشيح والعلاج الحركي البدني (كالتاي تشي والتشي قونغ) كما أن هناك التدليك العلاجي والاسترخائي والتجبير والكي والعلاج الغذائي.
ومن ناحية اقتصادية ففي عام 2019، بلغ الحجم الإجمالي لصادرات سلع الطب الصيني التقليدي 4,019 مليار دولار أمريكي، بزيادة تصل إلى 2.8% على أساس سنوي وبلغ إجمالي الواردات 2,155 مليار دولار أمريكي، بزيادة تصل إلى 15.9% على أساس سنوي متوقع في العشر سنوات القادمة إلى 2030.
ومع تعميق الانفتاح الصيني أصبحت صناعة الطب الصيني التقليدي محركا رئيسا للتنمية المستدامة للاقتصاد الصحي في الصين والدول الآسيوية في الوقت نفسه، مع السمات المزدوجة للعلم والتكنولوجيا ومعيشة الناس، ترتبط صناعة الطب الصيني التقليدي ارتباطا وثيقا بسلامة حياة الناس وصحتهم وأصبحت تدريجيا صناعة ذات تقنية عالية يتم تطويرها بشكل تنافسي في جميع أنحاء العالم.
ففي دراسة بحثية لأنماط التجارة الصينية لمنتجات الطب الصيني التقليدي من 2001 إلى 2020 خلصت إلى أن إن إجمالي حجم التجارة لمنتجات الطب الصيني التقليدي آخذ في الارتفاع بشكل عام بنسبة لا تقل عن 3.3% من إجمالي الناتج المحلي، كما أن إقبال شعوب العالم على الطب الطبيعي الخالي من أي مشتقات كيميائية ساهم بشكل كبير على الانتشار الدولي المتزايد للطب الصيني، ومن جهة أخرى تعتبر الصين والولايات المتحدة بلا منازع أكبر أسواق الطب الصيني التقليدي في العالم وهذا مما يجعل هذه المدرسة الطبية أكثر حظا في التطور والانتشار مستقبلا لكونهما أكبر الأسواق العالمية في المجال الصحي والتقني ومراكز الأبحاث المتقدمة والتي تأتي بالابتكارات والاختراعات العلمية.
مؤخرا ظلت الحكومة الصينية تدعم وتشجع الطب الصيني التقليدي وتقوم بتعزيزه في المجتمع من خلال الأكاديميات المتخصصة وإدراجه ضمن بروتوكول الرعاية الصحية الأولية لما له من عوائد اقتصادية محلية كتخفيف الضغط على المستشفيات وقلة تكلفة الخدمات المقدمة، وعوائد إقليمية فهو ينتشر استخدامه بكثرة في معظم دول شرق آسيا وفي الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا انتشرت الجامعات والكليات التي تمنح الدرجات العلمية في تخصصات الطب الصيني، كما أن الممارسات انتشرت داخل أرقى المستشفيات الجامعية في الولايات المتحدة كجامعة هارفرد العريقة والتي توفر خدمات الوخز الإبري مثلا وكذا مايوكلينيك، ومركز كليفلاند الطبي، وغيرها كثير جدا من المراكز المتخصصة في الطب الصيني من الوخز بالإبر والحجامة والأعشاب الطبية الصينية فهو بذلك يشكل قوة اقتصادية مهمة وكذلك قوة ناعمة كونه يتأصل وينشر الثقافة الصينية حول العالم.
ختاما.. إن المملكة العربية السعودية تقوم بجهود بارزة للوصول إلى أهداف الرؤية الطموحة رؤية 2030، فباتت بنتائج وثمار تلفت إليها الأنظار من شتى الدول بالعالم، فمع نشر اللغة الصينية والعروض الثقافية الصينية لا بد وأن يتم الاستفادة من خدمات الطب الصيني التقليدي، وهو الموروث التي تفتخر وتعتز الصين به على مدى عقود من الزمن، فالاستفادة من هذه الممارسات لدعم الاقتصاد وتقديم خدمات رعاية صحية متنوعة ومتكاملة، حيث يسهم ذلك في تحسين جودة الحياة وزيادة الناتج المحلي عبر جذب المستثمرين للاستثمار في قطاع صناعة الأعشاب ومراكز السياحة العلاجية والتأهيل بأنواعه، مما يسهم في صناعة فرص وظيفية متنوعة وخدمات متعددة، تماشيا مع رؤية المملكة 2030 في استغلال كل الفرص المتاحة للنجاح والوصول للقمة.