بقلم/ د. حسن الخضيري

الصادرة من صحيفة سبق

مجلة الجودة الصحية – دينا المحضار

 

 

 

هاتفني ممتعضًا يشكو ما يلاقيه من غياب كلمة “شكرًا” -حسب تعبيره- من المرضى، قائلًا إنه يفتقدها بعد أن كان يسمعها مرارًا وتكرارًا أيام الدراسة والتدريب في بلاد الفرنجة، فشلت محاولاتي لتهدئته وكتمان ضحكتي التي انطلقت مدوية لتزيد من غيظه، وقبل أن ننهي المكالمة اتفقنا على لقاء في اليوم التالي للفضفضة.

يقول الله عز جلاله: {لئن شكرتم لأزيدنكم}، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله تعالى)، وعندما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن قيامه بين يدي ربه وقد غفر له من تَقدم من ذنبه وما تأخر فقال صلى الله عليه وسلم: (أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا).

عندما تسير في أي مستشفى ترى العديد من صناديق الشكوى، ولافتات أكثر ملونة تسر الناظرين كُتِب عليها “إذا واجهتك مشكلة أو لديك شكوى تَواصل معنا على الرقم..”؛ في حين يندر أن ترى صندوقًا لخطابات الشكر أو الثناء على الجهود التي يقدّمها الفريق الصحي.

لقد أصبحت الشكوى هواية لدى البعض -وهم قليل جدًّا ولله الحمد- بل ومتعة يتلذذ بها وربما يتلذذ بإيذاء الآخرين، أحسب -والله اعلم- أن بعضنا كالكثير من الشعوب التي لا تُبقي منفذًا لإظهار التذمر والشكوى إلا استثمرته أحسن استثمار.

الشكوى حق شرعي متاح ومباح للجميع؛ خاصة إن كان هناك نقص أو تقصير أو خطأ في الخدمات المقدمة؛ مع الأسف لقد أصبح الكثير مصابون بوباء النقد واللوم، وبدلًا من إعطاء طاقتهم للشكر والامتنان أعطوا اهتمامهم وتركيزهم للتذمر والشكوى؛ متناسين أن التقدير يُحسّن التفكير ويفرح القلب ويحفز الدماغ على العمل بشكل أفضل.

لماذا لا نعمل على تعزيز ثقافة الشكر وغرسها بدلًا من نشر ثقافة الشكوى التي تُشعر الفريق الصحي بأن الشكوى قادمة لا محالة؛ حتى لو أوقد أصابعه العشرة شمعًا للمريض والمرافقين، وأن شعار الجميع “الشكوى أولًا”.

يعمل الفريق الصحي طوال الأيام والليالي بتفانٍ ونجاح ودون أخطاء بفضل الله، ولا يجد حتى كلمة “شكرًا” وإن طلبها -وهذا من أبسط حقوقه- قيل له “هذا واجبك وتأخذ عليه راتب”، أما إن أخطأ دون قصد فتُعَلق له المشانق، ويطالب الجميع بمحاسبته ابتداء من إدارته الموقرة حتى المدير الأكبر.

إذا كانت الشكوى حقًّا شرعيًّا مباحًا للجميع في حالة وجود نقص أو خطأ في الخدمات المقدمة، أليس من حق الفريق الصحي كلمة شكر أو دعوى بظهر الغيب إذا أدى واجبه وزيادة.

لدينا إدارات للشكاوى؛ بل وتصنيف لها وسجلات، أرقام ساخنة للرد على الشكاوى، دليل على كيفية تقديم الشكوى، وتوجهات لزيادة عدد صناديقها، وربما أدى كل ذلك لأن ينبذ الكثير عبارة “شكرًا”، ولم تعد على أطراف ألسنتهم كما يجب، ولم يعد الكثير مدركين لقول “شكرًا” مثلما يطلبون إنجاز العمل في الوقت المحدد.

متى نرى مثل هذه العبارات على جدران المستشفيات “أشكرك على اهتمامك”، “طريقتك جعلتني أشعر بالراحة وساعدتني على اكتساب الثقة”، “بعد الله بسببك أنا بخير”، “أنت حقًّا طبيب متميز ومحترف نحترمك ونثق بك”.

إن قول “شكرًا” لأحدهم على مجهوده أو عمله الجاد أو تفانيه أو أدائه الاستثنائي ليس مجرد آداب مكتبية؛ بل شيئًا يجب على جميع المسؤولين القيام به بانتظام لرفع الروح المعنوية وتحفيز العمل الجاد.

إن رسالة تقدير بسيطة للموظف على جهوده ستساعده على الشعور بالتشجيع وتحفيزه على الاستمرار في العمل الشاق وتقديم أفضل ما لديه!

عزيزي الإداري: الفريق الصحي في ذمتك وإحدى المهام الموكلة إليك هي الدفاع عنهم، والوقوف إلى جانبهم دون الإخلال بحق المريض، في زمن كَثُرت فيه صناديق الشكوى وغاب تمامًا الشكر والتقدير.

أحبتي المرضى وذووهم: قولوا “شكرًا” للجميع، انشروا ثقافة الشكر، أرسلوا بطاقات الشكر في كل المناسبات لمن يستحق.