أفكار وجدت لتبقى Made to Stick

إعداد: أ. ياسمين مرزا

 

في عصر مليء بالمعلومات اللامتناهية، حيث تأتي افكار وتذهب اخرى، هناك بعض الأفكار التي تبقى معنا الى الأبد ليتوارثها أجيال عديدة لآلاف السنوات وتنتشر لتثبت وجودها وتغير العالم. تبدأ كبذرة صغيرة وتكبر وتتطور إلى أن تثبت وجودها على أرض الواقع ليكون أثرها ضخم ويمتد ليحدث تغيير جذري في حياة الانسان. هل تتساءَلون كيف يمكننا صناعة هذه الأفكار؟ دعونا نبدأ برحلة شيقة من خلال تلخيص كتاب “أفكار وجدت لتبقى” لكشف الاسرار الكامنة خلف هذه الأفكار.

 

تبدأ رحلتنا بفهم ماذا تعني لعنة المعرفة. لعنة المعرفة هي العدو اللدود لشرح وإيصال الأفكار. عندما نكتسب المعرفة غالبا ما ننسى ما يعنيه عدم معرفة شيء معين. هذا يصعب علينا عملية إيصال الفكرة. فهو مهم للغاية خصوصا في مجال التعلم بكل انواعه. لنأخذ بعض الأمثلة على سبيل المثال. معلم الفيزياء الذي يمتلك عشرة سنوات خبرة يأتي كل يوم ليشرح مفهوم مختلف لطلابه ولكنه يشتكي من تشتت تركيزهم وعدم تمكنهم من فهم ابسط الأساسيات. يغضب معلم اللغة العربية من عدم تمكن طلبة الصف الثاني من إتقان مهارة القراءة والكتابة. يستاء معلم الحاسب من عدم تمكن الطلبة اكتساب مهارة معينة و تطبيقها بالشكل الصحيح. لكن جزء من حل المشكلة يكمن في معرفة المشكلة. المشكلة تكمن من عدم إيصال الفكرة بشكل بسيط ويسهل فهمه على الجميع. يوضح لنا المؤلفان تشيب ودان هيث ستة عوامل ستساعد على إيصال الافكار بسلاسة وهما:

 

أولا، البساطة. من الصعب تذكر الأفكار المعقدة ولكن البساطة تسهل عملية الرسوخ. ما نعنيه بالبساطة وجود فكرة أساسية تتمحور حولها الأفكار الفرعية. وسرد الأفكار بطريقة واضحة و مختصرة بعيدا عن ضجيج المعلومات والتركيز على المهم فقط. فكلما عثرنا على أساس الفكرة والرسالة المراد ايصالها يسهل ترجمتها باستخدام باقي المباديء الخمسة. ولكن هذه الخطوة هي الاهم فعند ابراز أساس الفكرة ومعرفته وفهمه من قبل مرسل المعلومة تسهل باقي الخطوات.

 

ثانيا، الغير متوقع. عقل الإنسان وحواسه مصممة للانتباه لما هو مفاجيء، مبتكر، وغير متوقع. لذا عند سرد فكرة عن طريق البدء بلغز يدفعنا ذلك للتركيز والإبحار في أدق التفاصيل للوصول للحل بدافع الفضول وهنا ترسخ المعلومة بشكل سهل وممتع. لذا عندما نبدأ الشرح بسؤال نجذب الإنتباه بطريقة شيقة ونبتعد كل البعد عن السرد الممل الذي يؤدي الى الإنفصال عن الحضور وتضارب المفاهيم مع بعضها البعض. ومثل أغلب البحوث العلمية تبدأ عند وجود ثغرة علمية وموضوع البحث يكمن في وجود الحل لها لذا بهذه الطريقة تنشر بحوث علمية ذات أهمية لتضيف شيء قيم يفتح الآفاق لحل الكثير من المشاكل.

 

ثالثا، ملموس. جميعنا سمعنا بالمثل الذي يقول “صورة واحدة تستحق الف كلمة”. لجعل الأفكار عالقة في عقول اكبر عدد من الناس يجب علينا ترجمتها باستخدام الصور، الرسوم البيانية، والرسوم المتحركة نجعل متلقي الرسالة يبحر في خياله ويخوض تجربة الفكرة بكل حواسه. بدون هذه الخطوة تبقى الفكرة لا اهمية لها لعدم وجود عامل التنفيذ. لذا كلما كانت الأفكار حية في عقول الناس كلما كانت شيء لا ينسى.

 

رابعا، ذات مصداقية. مهما وصلنا الى أفكار مبتكرة لا جدوى اذا لم تكن ذات مصداقية ومنطقية تامة. عند بناء فكرة معينة يكمن التحدي في بناء الثقة بين عند الجمهور المستهدف. فإن استخدام الأدلة، الإحصاءات أو حتى خبراتنا سوف تساهم بإيصال الفكرة بمصداقية أكبر. عند ثقة الجمهور بخبرات ورؤية صاحب الفكرة يكمن انتشار الفكرة بأسرع وقت ممكن.

 

خامسا، عاطفي وقصصي. بغض النظر عن أهمية الأدلة والإحصائيات حقيقةً ما يضيف لها معنى وقيمة هو وصفهم بطريقة قصة واقعية تيقظ مشاعر المتلقي. عند جعل الفكرة تحاكي عواطف الشخص من السهل الهامهم والتأثير بهم لجعل الفكرة مميزة وراسخة. لذا عند الخوض في أعماق الرسالة وإبراز الجانب العاطفي وسرده عن طريق قصة تكمن النتائج المبهرة لرسوخ هذي الفكرة.

 

وهنا نختم مغامرتنا في كتاب “أفكار وجدت لتبقى”. لذا أود ان أقول إن الأفكار لم توجد لتتلاشى وتختفي ولكن وجدت لتترك أثر عميقا اذا اظهرناها بالشكل المطلوب عن طريق العوامل الستة. مسلحين افكارنا بالبساطة، الغير متوقع، الملموس، المصداقي، العاطفي، والقصصي نستطيع الإبحار بأفكارنا إلى رحلة من الابداع ليكون الوصول الى المرفأ الأخير مليء بالأفكار الراسخة لتاتي بدورها وتلهم لصنع التغيير في العالم.