الجودة الصحية ( صحيفة الجزيرة – حبيب الشمري ) :

كشفت دراسة متخصصة في الإدارة الصحية في السعودية أن طريقة تعيين مديري الشؤون الصحية في المناطق تعاني العشوائية في الاختيار، وهو ما يؤدي إلى تعيين من هم أقل كفاءة في هذا المنصب الحساس، إذ تعتمد الوزارة (غالباً) على الاختيار بالتزكية، ويقابل ذلك أن الشخص الذي تم اختياره للمنصب يقبل به مجاملة ودون رغبة حقيقية.
وقالت الدراسة التي قدمها الدكتور حمود بن فهد الشمري، أستاذ إدارة الخدمات الصحية في جامعة حائل، والتي عرضت أخيراً في مؤتمر واقع القيادات الإدارية، الذي عُقد في معهد الإدارة العامة في الرياض، إن مديري عموم الشؤون الصحية يواجهون العديد من المشاكل والتحديات، من أبرزها محدودية الصلاحيات الممنوحة لهم من قِبل الوزارة، سواء في القرارات المالية أو الإدارية، فضلاً عن الضغوط الاجتماعية، وتدخُّل أعيان المجتمع في محاولات التأثير على القرارات، إضافة إلى ضغوط وسائل الإعلام.
واستطلعت الدراسة آراء ثمانية من مديري الشؤون الصحية السابقين، وأجريت باستخدام المقابلات الشخصية المقننة خلال النصف الثاني من عام 2014، وتوصلت إلى أنه لا توجد آلية واضحة لاختيار وتعيين مديري الشؤون الصحية، وأن الوزارة تعتمد على الاختيار بالتزكية، ويقابل ذلك أن الشخص الذي تم اختياره يقبل بالمنصب مجاملة للوزير، ورضوخاً للضغوط التي تمارَس عليه.
واشتكى مديرو الشؤون الذين استُطلعت آراؤهم من الافتقار إلى الصلاحيات الكافية، سواء من الناحية المالية أو الإدارية، ومن المركزية في الوزارة.
وفي الدراسة أكد أغلب المشاركين أنهم يتمنون عدم تكرار تجربة تسنم منصب المدير العام للشؤون الصحية، في الوقت الذي اتفقوا فيه على ضرورة أن يتمتع الشخص الذي يتم تعيينه في هذا المنصب بالمهارات القيادات، والسمات الشخصية المناسبة لقيادة دفة القطاع الصحي في منطقته بجدارة، من خلال المهارة في حل المشكلات، واتخاذ القرارات، والتأثير الإيجابي في منظومته الإدارية.
وحول دوافع القبول بالمنصب الحساس اتفق أربعة على أن السبب الأول للقبول هو المجاملة والحياء، إذ قال أحد مديري الشؤون الصحية «بسبب مجاملة الوزير عندما طلب مني ذلك»، بينما رأى آخر أنه بسبب «حياء من الذي طلب مني ذلك، لم أقبله رغبة بل إجباراً»، في حين قال ثالث «إلحاح معالي الوزير دفعني للموافقة»، والرابع قال إن « الوزير كلم الوالد مع أنه لا يعرفه، وقال نحن نريد ابنك ولا نتوقع أنك تمانع أن يكون جندياً من جنود الوطن».
بينما كان ثاني أهم سبب للقبول بالمنصب هو الرغبة في تقديم شيء للمنطقة، بحسب ردود عدد من مديري الشؤون الصحية.
وقال بهذا الرأي ثلاثة من الذين تم استطلاع آرائهم. وجاءت الحوافز الأخرى، مثل: التقدم الوظيفي والترقيات وتحقيق الذات، لتكون ثالث الأسباب للقبول بهذا المنصب الحساس، مع الاتفاق على أن الحوافز المالية أو حب البروز (البرستيج) لم يكن سبباً في القبول بالمنصب.
وحدد الأشخاص الذين تم استطلاع آرائهم أربع معوقات تقف في طريق من يجلس على مقعد مدير الشؤون الصحية، أولها ضعف تأهيل الكوادر البشرية، المركزية والبيروقراطية، اتخاذ القرارات بسبب الارتباط الكبير بالوزارة، فضلاً عن مشاكل أخرى، مثل: رضا المجتمع، الضغوط الاجتماعية، الواسطات، تدخلات أفراد المجتمع والأعيان، سوء توزيع الميزانيات والتخطيط لها، التعثر في بعض المشاريع الناتج من إشراف الوزارة على ذلك العمل وضعف شركات الصيانة والنظافة.
وأوصى الباحث بتشكيل لجنة (فريق) في وزارة الصحة، يكون معنياً باختيار عدد من المختصين بشكل دوري من مختلف المناطق، ممن تنطبق عليهم المعايير العامة والخبرة والتخصص، ليتم إلحاقهم بدورات مكثفة لإعداد القيادات العليا لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر.
وشدد الباحث على ضرورة إجراء تقييم واختبارات شاملة للمتدربين، ويتم اختيار عدد معين بناء على النتائج المحققة، ويكون ذلك نواة لقيادات يمكن صقلهم وتجهيزهم للمستقبل.
كما طالب الباحث بضرورة مطالبة من يتم تعيينهم في منصب المدير العام للشؤون الصحية بتقديم خطة عمل متكاملة لاحتياجات المنطقة، بما يتوافق مع الخطط العامة للوزارة، على أن يتم تقييم الخطة ومدى تنفيذها بشكل سنوي، على ألا تقل فترة التعيين عن عامين، وتجدد فترة مماثلة حسب تقرير الأداء والإنجاز السنوي.
وطالب الباحث الشمري أيضاً بالاهتمام بقيادات الصف الثاني في الشؤون الصحية، وإلحاقهم بدورات مكثفة لإعادة تأهيلهم، وترشيح المتميزين منهم للالتحاق بدورات خارجية، ما يساعد على إيجاد خط إداري ثانٍ، يمكن الاستفادة منه في تبني وتنفيذ خطط الوزارة في المناطق.
وركز الباحث على أهمية تخفيف الوزارة من المركزية، من خلال منح صلاحيات لمديري الشؤون الصحية خاصة في موضوع الموارد البشرية، التعيين، التوظيف، النقل، التعاقد، إعادة التأهيل، المحاسبة والتحفيز. وشددت الدراسة على أهمية ربط الأمور المتعلقة بالتشغيل وإدارة المستشفيات بالإدارة العامة للشؤون الصحية، خاصة في ظل التوجه إلى الانتقال التدريجي نحو وظائف التشغيل الذاتي بدلاً من التوظيف على وظائف الخدمة المدنية.