بقلم / سطام المقرن 

الصادره من صحيفة الوطن 

مجلة الجوده الصحية _ دينا المحضار 

 

وزارة الصحة تتحدث عن تخفيض النفقات ومراجعة عقود المشتريات وترشيد الإنفاق عموما، ولكنها في نفس الوقت لا تتحدث عن الإصلاح الإداري للتموين الطبي!

 

تعتزم وزارة الصحة مراجعة عقود تأمين الأدوية واللوازم الطبية والأجهزة وتخفيضها بنسبة 50 %، حيث تم التعميم على كافة مديريات الشؤون الصحية في مختلف مناطق المملكة بإلغاء 30 % من جميع المنافسات المبلغة للشركات، والتي تبلغ قيمة عقودها أقل من 100 مليون، والتعميد بنسبة 50 % من كميات البنود التي لم تبلغ للشركات وتزيد على 100 مليون ريال!
وتخفيض الأدوية بهذه النسب العالية تثير مخاوف المواطنين بشأن زيادة مخاطر نقص الأدوية والمستلزمات الطبية في المستشفيات، أو توفير أدوية سيئة ومتدنية الجودة، كما أن قرار الوزارة بهذا الشكل يثير الكثير من علامات الاستفهام، وكأن الوزارة تعترف بوجود هدر وإسراف في عقود مشتريات الأدوية واللوازم الطبية، والدليل على ذلك ما تضمنه تعميم الوزارة السابق، حيث شدد على أنه في حال وجود نقص تستخدم البدائل المتوفرة، أو عمل مناقلة داخلية أو خارجية حسب الآلية المتبعة في ذلك، وفي حال عدم توفر البدائل، وتعذر القيام بعملية المناقلة يتم الرفع إلى الإدارة العامة للتموين الطبي بالوزارة، لزيادة العقد وبكميات واقعية ومبررة!
والسؤال المطروح هنا: هل كانت عقود مشتريات الأدوية تتضمن بنودا وكميات غير واقعية وغير مبررة حتى تشدد وزارة الصحة على كميات العقود وتقوم بتخفيضها إلى النصف؟ أم أن وزارة الصحة في الحقيقة تعاني من إشكاليات إدارية ورقابية تتعلق بالتموين الطبي عموماً ولكن لم تفصح عنها؟
لدى وزارة الصحة أدلة إجراءات تتعلق بالتموين الطبي، ومنها تحديد الاحتياجات السنوية من الأدوية والمستلزمات الطبية، وجاء فيها أن “تقوم الإدارة العامة للتموين الطبي بالطلب من جميع المناطق الصحية بإرسال احتياجاتها من الأدوية والمعدات والمستلزمات الطبية والمخبرية للسنة القادمة، وعلى ضوئها تقوم كل منطقة صحية بالتعميم على المستشفيات وقطاعات المراكز الصحية بتحديد احتياجاتها الفعلية كماً ونوعاً لعام كامل”.
بعد ذلك تتم دراسة ومراجعة طلبات المنطقة ومقارنة ما تم طلبه وما تم استهلاكه في الأعوام السابقة، ويتم تشكيل لجنة من المختصين لتحديد الاحتياجات الفعلية بدقة لعام كامل على أن تؤخذ في الاعتبار معايير معينة مثل: معدلات الاستهلاك الفعلية خلال السنة، عدد المرضى والزيادة المتوقعة، الأرصدة المتوفرة وتواريخ الصلاحية.. إلخ.
وبالرغم من وجود تلك الأدلة والمعايير الخاصة بتحديد الاحتياجات من الأدوية واللوازم الطبية، إلا أن بعض مديريات الشؤون الصحية والمستشفيات لا تلتزم بها، فتكون هناك مبالغة عشوائية وجزافية في إعداد الموازنات المالية، كما أن النماذج والبيانات الموجودة في المعايير لا تتضمن كميات الأدوية الراكدة أو قليلة الحركة، ولا يتم استخدام المعادلات الرياضية والنسب المقررة في الأدلة والمعايير، وبالتالي يصعب التنبؤ بالاحتياجات الفعلية لكل منطقة.
في الهيكل التنظيمي لإدارات التموين الطبي عموماً، يوجد قسم بمسمى “التخطيط الدوائي”، وهو المعني بتخطيط ودراسة احتياجات المستشفيات والمراكز الصحية من الأدوية واللوازم الطبية، ولكن هذه الأقسام غير مفعلة في العديد من المديريات وحجتهم نقص أعداد الموظفين.
وإذا كان هذا هو حال تقدير احتياجات المناطق من الأدوية واللوازم الطبية، والتي تتم بطريقة عشوائية، فماذا عن الإدارة التنفيذية والمتعلقة بتخزين الأدوية والمستلزمات وطريقة صرفها إلى مستودعات المستشفيات والصيدليات، فالواقع يقول: هناك تأخر في توريد الأدوية من الموردين لمدة تتراوح بين شهرين إلى خمسة أشهر، وضعف أنظمة الرقابة الداخلية على المستودعات الطبية تتمثل في ضعف إدارة مراقبة المخزون وعدم القيام بمهامها بالشكل المطلوب، فلا تلتزم بالجرد المستمر للمستودعات، ولا تقوم بتحديد المستويات الاقتصادية للتخزين، بالإضافة إلى وجود خلل في الدورة المستندية وعدم متابعة الأرصدة القيدية.
بالإضافة إلى ما سبق، توجد مشاكل عديدة في برامج وأنظمة الحاسب الآلي الخاصة بالتموين الطبي، حيث لا يمكن الاعتماد على مخرجات تلك الأنظمة، فأرصدة الأصناف في بعض الأحيان تكون غير صحيحة، وبالتالي لا يمكن ضبط ومراقبة حركة المخزون، وعدم الاستدلال ببيانات الأنظمة والبرامج في تقدير الاحتياجات الفعلية.
وعلى هذا الأساس، تظهر أدوية وأصناف طبية راكدة أو منتهية الصلاحية قد تقدر قيمتها بمئات الملايين من الريالات سواء في مستودعات إدارة التموين الطبي في مديريات الشؤون الصحية أو المستشفيات والمراكز الصحية، وتكون الحجة في ذلك أن الأسباب تعود إلى تغير السياسات العلاجية أو رحيل الأطباء والتغيير في الخطط العلاجية.
وبالتالي، كيف تستطيع وزارة الصحة تطبيق ما ورد في تعميمها الأخير في ظل الخلل الإداري الواضح في إدارة التموين الطبي ككل؟ فالوزارة تتحدث عن تخفيض النفقات ومراجعة عقود المشتريات وترشيد الإنفاق عموماً، ولكنها في نفس الوقت لا تتحدث عن الإصلاح الإداري للتموين الطبي!
تجدر الإشارة هنا إلى أنه تم تأسيس شركة وطنية للشراء الموحد للأدوية والأجهزة والمستلزمات الطبية، بحيث تقوم بتنفيذ عمليات التوريد والتخزين والنقل، وتقنية المعلومات، والتوزيع للجهات الصحية الحكومية، وذلك من خلال إبرام العقود مع الموردين والشركات المتخصصة، وبالتالي فإن ميزانية وزارة الصحة الخاصة بالأدوية والمستلزمات الطبية سوف تخصص للشركة، ويتم دفع مستحقاتها مباشرة من وزارة المالية.
ولهذا فإن الشركة الوطنية للشراء الموحد سوف تسهم بشكل كبير في الحد من الإهدار الدوائي وتتلافى الإشكاليات الإدارية والرقابية الموجودة في وزارة الصحة بهذا الخصوص. ولكن متى يتم تفعيل هذه الشركة ويبدأ نشاطها وأعمالها وتقوم بتأمين وتوفير الدواء الفعال والتجهيزات الطبية الحديثة للجهات الصحية الحكومية بصورة سليمة وبكفاءة عالية وبالجودة المطلوبة؟