عبارة طُبعت على قائمة الطعام في مطعم ما، ورغم غرابة تلك الملاحظة إلا أنها ذات مدلول بمنتهى الأهمية. فكيف يضع صاحب العمل قانون يحذر فيه من زيادة الطلب ليتنازل بذلك عن زيادة الأرباح ؟ أم أن لديه من سعة الأفق ما جعله يستخدم هذا القانون كوسيلة لزيادة الأرباح وذلك لإدراكه بأن الفائض في أطباق رواد المطاعم من المُسلمات؟

رسالة المطعم في الحاله الأولى: إذا عجزت عن معرفة حجم إحتياجاتك الفعلية فسنقدم لك الأداة المناسبة لقياسها.

رسالة المطعم في الحالة الثانية: طالما لا مانع لديك من هدر أموالك فنحن لا مانع لدينا من إستغلالك.   

 

اذا انتقلنا من الرائحة والمذاق الشهي إلى دهاليز العمل فكيف تُوجه مثل تلك الرسالة، أو هل لها موقع هناك؟ أي نوع من الهدر قد يحصل في بيئة الأعمال؟

من خلال منظور الجودة، الهدر الحاصل في الأعمال أخطر وأكثر تشعباً فهو يشمل هدر للوقت والجهد وأيضاً للأموال. وهو ما يسمى في لغة الجودة ” تلكلفة الجودة الرديئة” ! 

 

السكرتير يُعيد طباعة الخطاب ، الموظف يعيد كتابة التقرير ، الممرض يعيد إعطاء الجرعة لإعطاء الدواء الصحيح ، الطبيب يعيد العملية لإستئصال العضو الصحيح ،،،، إجراءات بعضها متكرر و قد لا نعيره إهتمام بل لا نعتقد بإمكانية تلافيه من منطلق أن الإنسان ليس آلة فالخطأ من طبيعية الإنسان، وبعضها مؤلم ويجعلنا نتساءل هل نسميها أخطاء أم جرائم !!

 

الآلة إذا تمت برمجتها فستكرر المهمة وبدقة ، ولكن هل ستخطئ ؟ نعم ، إذا لم ينفذ الإنسان خطوات الصيانة لها  ، وبدقة.

 

من منظور الجودة: الموظف يخطئ بسبب عدم وجود نظام “صيانة” لإجراءات العمل ومن ثم تنفيذ خطوات الصيانة لتقليل نسبة الخطأ أو تلافيها. بمعنى أن أخطاء العمل ليست مسؤولية الموظف فقط بل أن الجزء الأكبر منها (80% حسب خبراء الجودة) ناتج من عدم تصميم وتفعيل نظام متابعة “صيانة” العمل. 

 

تماشيا مع سياسة المطعم المُنتهجة أعلاه : العمل قد يكون مصدر إستغلال لطاقات البشر ومواردهم أو يكون مصدر لتوجيه تلك الطاقات إلى الإنتاج بأقل الموارد …… الفيصل في ذلك هو قرار الإدارة بإختيار أي السياستين سوف تتبنى.

 

“كما تخطئ الآلة في غياب الصيانة، يصيب الإنسان في وجود التنظيم”

 

د.عبير الراشد

استاذ الإدارة الصحية المساعد/ جامعة الملك سعود