الطبيب السعودي مهمّش.. وتسرُّبه من الوزارة مؤلم

 

حوار بدر الغانمي 

الصادره من صحيفة عكاظ 

مجلة الجوده الصحيه _ دينا المحضار 

 

طالب الدكتور رضا خليل مستشار الإدارة الصحية بوزارة الصحة سابقاً وعراب الأنظمة، بتخفيض الميزانية السنوية للوزارة بنسبة 75% لقطع الطريق على الهدر اللامعقول، وفوضى القرارات التي ألحقت الضرر بالخدمة الصحية. واتهم كل الوزراء حتى الذين عمل معهم (الشبكشي والمانع) بتكريس فكرة أن الوزارة (عصية)، لإصرار كل منهم على البدء من نقطة الصفر رغم وجود الأنظمة والإستراتيجيات الجاهزة للتطبيق.
خليل حذر من استمرار الدولة راعيا للخدمة. ودعا لتطبيق مشروع «بلسم»، ومنح القطاع الخاص المزيد من فرص المشاركة. ووصف تنامي الواسطة في التحويل لمستشفيات «التخصصي» و«الحرس الوطني» بالفوضى. وعبر عن حزنه لتهميش الكفاءات السعودية في الوزارة ودفعها للمغادرة والتسرب، واصفا قرار تسليم الكليات والمعاهد الصحية للتعليم بالكارثي.. محاور أخرى تنكأ الجراح وتكشف الأوراق قد يرضى عنها البعض وقد تغضب البعض الآخر في ثنايا الحوار.
• بعد 16 عاما من العمل في الصحة مسؤولا ورجلا ثانيا في فترة الدكتور أسامة شبكشي وخلفه الدكتور حمد المانع، نريد أن نعرف رؤيتك لما يحدث في هذه الوزارة التي أصبحت عصية على 20 وزيرا حتى الآن؟
– من خلال تجربتي فأنا أختلف تماما مع كل من يقول إن وزارة الصحة وزارة عصية، بل أقولها بصوت عال: إنها الوزارة الممتعة والمليئة بالتحديات والملفات الساخنة التي لا تحتمل أي تأخير، لأنها تتعلق بمريض يحتاج إلى يد حانية بدءا من موظف الاستقبال إلى الطبيب الذي يصف له الدواء، وقد استمتعت بعملي فيها رغم الضغوط الكبيرة التي تعرضت لها.
• إذن أين العلة يا دكتور؟
– ربما كانت في السابق علة مالية، لكنها بالتأكيد ليست كذلك الآن والدليل أرقام الميزانية السنوية التي تضاعفت لأكثر من 10 مرات عن الرقم الذي كانت عليه عام 1416 عندما التحقت بالوزارة لأول مرة وهو سبعة مليارات ريال لتصل عام 2014 إلى 59.9 مليار ريال بخلاف الدعم الكبير والشرهات التي تتم خلال العام، وبالتالي بلغ متوسط معدل الزيادة السنوية في ميزانية الوزارة خلال السنوات الـ10 الأخيرة 16%، وهذه طفرة في الإنفاق لم تحدث في أي دولة في العالم.
• حتى مع انخفاض أسعار البترول والتوجه لترشيد النفقات؟
– نعم. وأؤكد بصفتي مسؤولا سابقا عن الشؤون المالية في الوزارة أن المشكلة ليست مالية في ظل هذه الميزانيات الفلكية، وأن مستوى الخدمة لن ينخفض، فالميزانية الموجودة فيها الخير والبركة حتى لو خفضت الميزانية لأن فيها زيادة بنسبة 75% عما كان عليه الحال في السنوات السابقة، وكانت الوزارة تقوم بتقديم الخدمات ذاتها.
• هذا يضعنا أمام مفترق صعب؛ وهو أن يكون هناك فساد وسرقات؟
– دعني أؤكد لك بكل الشفافية أنه في الفترة التي كنت فيها مسؤولا عن الشؤون المالية في الوزارة كانت نسبة الفاسدين محدودة جدا ويمكن حصرها في حالات فردية لا تكاد تذكر، والسواد الأعظم من منسوبي الوزارة أمناء وشرفاء ومن ثم فهذا السبب مستبعد تماما، خصوصا أن هناك رقابة صارمة من قبل وزارة المالية التي يقوم مراقبوها بدور إيجابي في كثير من الأحيان بالإضافة الى الجهات الرقابية الأخرى.
• في هذه الحالة بماذا نفسر وجود زيادة متنامية سنويا في الميزانية، في مقابل زيادة الشكوى والتذمر من ضعف الخدمات الصحية؟
– ببساطة هناك هدر كبير في الإنفاق الصحي في المملكة بالمليارات والدليل أن هذه الزيادة المتنامية في الميزانية قد تكون مقبولة في حالتين؛ الأولى أن يكون معدل التضخم العام زاد بنسبة 16% وهذا لم يحدث لأن معدل الزيادة في التضخم العام بالمملكة لم يتجاوز 6% فهذا السبب غير وارد. أما الحالة الثانية التي قد تكون مقبولة فهي حدوث طفرة في الخدمات الصحية بالزيادة التي تتناسب مع هذا الكم الهائل وغير المسبوق من الإنفاق على الصحة وهذا لم يحدث أيضا.
إذن هناك هدر كبير للموارد بدءا من المستشفيات الـ50 المعطلة التي أنفقت عليها الدولة مليارات الريالات ثم بقيت صامتة دون تشغيل في الوقت الذي يئن المواطن بحثا عن سرير. هناك أيضا هدر كبير جدا في الاستفادة من الكم الهائل من كفاءات وأبناء الوزارة (أطباء وممرضين وفنيين وإداريين) الذين أنفقت الدولة على تعليمهم عشرات المليارات ويتمتعون بخبرات وقدرات على أعلى مستوى.
• هذا يعني أن الخلل إداري؟
– نعم.
• وكم وصلت نسبة الهدر في ميزانية الوزارة؟
– عالميا تصل نسبة الهدر في الإنفاق الصحي إلى 20% والوضع لدينا يرتفع عن هذه النسبة.
• والسبب؟
– عدم الاستفادة من الموارد المالية الجبارة الموجودة، وعدم الاستخدام الأمثل للموارد البشرية خصوصا الأطباء فهناك العشرات منهم لا يجد الواحد منهم سوى فرصة لإجراء عملية واحدة في الأسبوع وبقية الوقت معطل، وفي المقابل توجد مستشفيات معطلة لم تجد من يشغلها، وتعطيل تشغيل المستشفيات الجديدة.
• وهل حدث هذا الهدر بشكل تراكمي مع كل الوزراء؟
– بل حديث عهد بالسنوات الست الماضية فقط.
• كأنك تدفع بالتهمة بعيدا؟
– لا والله، هذه هي الحقيقة فعلا، ولك أن تعرف أنه في الفترة التي كنت فيها بالوزارة كنا نخوض معارك حامية الوطيس في مناقشة ميزانية الصحة مع وزارة المالية، وإذا زاد لنا مبلغ 100 مليون ريال من ميزانية الوزارة ككل نسجد لله شكرا.
• الغريب أنه في الوقت الذي زاد عدد المراجعين للقطاع الخاص بنسبة كبيرة من قبل الأجانب ما خفف الضغوط على المستشفيات الحكومية إلا أن المواطن لم يشعر بتحسن جذري في الخدمة، لماذا؟
– وأنا مثلك أتساءل: لماذا لم تتحسن الخدمة في القطاع الحكومي مع أن أرقام التقرير الإحصائي السنوي الذي يصدر من وزارة الصحة تؤكد أن عدد الخدمات التي تقدمها الوزارة في انخفاض واضح من 88.6% في عام 1987 إلى 56.8% في نهاية عام 2014، فيما ارتفعت حصة القطاع الخاص من المراجعين من 11.4% عام 1987 إلى 43.2% في نهاية عام 2014.
• هل تعتقد أن تقديم الخدمة الصحية من أكثر من قطاع فكرة ناجحة حتى الآن؟
– بل هي ظاهرة غير صحية وجزء من الهدر الذي يعانيه العمل الصحي في المملكة، ولك أن تتخيل أن 14 جهة حكومية تقدم الخدمات الصحية وتمول جميعها من الخزينة العامة للدولة.
• من المؤسف أن تقديم الخدمة الصحية المتميزة أصبح مرتبطا بمستشفيات التخصصي والقطاعات العسكرية عبر واسطة وانتقائية مفرطة.
– هذه فوضى واختراقات غير مقبولة للنظام الصحي ككل.
• وكيف يمكن أن نوقفها والوزارة تتفرج دون حراك؟
– إذا وجد النظام الصحي الذي يضمن التدرج في طلب الخدمة عبر طبيب الأسرة في كل حي والذي يسمونه في الدول المتقدمة طبيا مثل كندا وبريطانيا (حارس الرعاية الصحية)، بحيث يكون لكل أسرة طبيب من خلال رعاية صحية أولية وملف صحي متكامل، ويكون هذا الطبيب قائدا للنظام الصحي، وهو الذي يقرر إلى أي مستشفى يجب أن يذهب المريض، ومتى يجب ألا يذهب.
• وأعتقد أن هذه الخدمة غير مكلفة أيضا كما هو الحال في المستشفيات؟
– هذا صحيح والأرقام تؤكد ذلك، فالمستشفيات تستأثر بـ80% من ميزانية وزارة الصحة ويراجعها 20% من المواطنين، وفي المقابل لا تكلف الرعاية الصحية الأولية أكثر من 20% من الميزانية ويراجعها 80% من المواطنين، وهذا يؤكد لك أن المستشفيات مكلفة للدولة، ويؤكد أيضا أنه ليس كل مريض يحتاج للدخول إلى المستشفى.
• لماذا لم تطبقوا هذا المشروع في فترة الدكتور أسامة شبكشي؟
– بدأنا في وضع لبنة المشروع واستعان الدكتور أسامة بعدد من الأطباء المتخصصين في الرعاية الأولية من خارج وزارة الصحة وعلى رأسهم الدكتور عدنان البار والدكتور توفيق خوجه والدكتور سليمان مرداد وغيرهم كثر، ولكن انتهت فترة الرجل، وللأمانة والإنصاف فقد حافظ الدكتور حمد المانع على هذا الملف وأضاف عليه.
• تبدو وكأنها أحلام اليقظة يا دكتور؟
– صدقني هذا هو الحل النموذجي الذي كان يطالب به مشروع «بلسم» الذي كان مخططا له من عام 1416، وأجهض بعد انتهاء فترة الدكتور حمد المانع.
• وهل يعقل أن تطالب الوزارة الآن بتطبيق نظام فشلتم في تطبيقه على مدى 14 سنة يا دكتور؟
– هذا غير صحيح جملة وتفصيلا، فنحن لم نفشل في تطبيقه وإنما كنا ننتظر أن تنضج تجربة نظام التأمين على غير السعوديين التي بدأ تطبيقها مع انتهاء فترة الدكتور أسامة شبكشي التي في ضوئها شكل مجلس الضمان الصحي التعاوني برئاسة وزير الصحة، ثم جاء الدكتور حمد المانع وأكمل على الطريق نفسه، وطلب مني استكمال الملف الذي تشرفت بالعمل عليه منذ البداية قائدا لفريق العمل، وأعطاني مساحة حرية عالية جدا، وساندني في كل ما طلبته، وأتاح لي الفرصة أن أبدع مع الفريق المكون من عدد من الخبراء من داخل وخارج المملكة، وقدمنا مشروعا رائعا وكبيرا وجاهزا للتطبيق في أي وقت، وآمل أن يرى النور قريبا.
• هناك من يرى تعارضا بين مشروع «بلسم» ومشروع «الحزام الصحي» الذي توقف في فترة الدكتور عبد الله الربيعة؟
– لا تعارض بين المشروعين إطلاقا، فمشروع «الحزام الصحي» كما يسميه البعض هو عبارة عن استكمال لمشروع المستشفيات الحكومية التي تنشئها الدولة بغض النظر عن المسمى ولم يوقف بناءها د. الربيعة، بدليل أن التراكم الذي حصل الآن للمستشفيات المعطلة لم يكن موجودا لا في فترة الشبكشي ولا المانع.
• لكنكم فشلتم في تطبيق فكرة الملف الطبي الذي نام في الأدراج حتى الآن؟
– نحن لم نفشل في تطبيقه، وإنما ظروف الميزانية لم تسمح لنا بذلك آنذاك، فقد كانت ميزانية الحاسب الآلي في تلك الفترة 20 مليون ريال فقط ولا يمكن أن تعمل ربطا إلكترونيا لـ20 مليون مواطن بهذا المبلغ.
• ولم يطبق في فترة المانع والربيعة أيضا رغم ارتفاع بنود الميزانية لأرقام خيالية؟
– ما أعرفه أن الرقم ارتفع في فترة الدكتور المانع إلى 700 مليون ريال ووصل في فترة الدكتور الربيعة إلى مليارات حسب ما سمعت ولم يطبق أيضا.
• ألا تعتبر هذا فشلا؟
– بصراحة.. أجد نفسي عاجزا عن تفسير ما حدث.
• ولهذا لا يوجد وزير آمن على كرسيه في الصحة؟
– هذا غير صحيح بالمرة فالنظام في المملكة يتيح للوزير مساحة حرية عالية جدا ليعمل ويبدع، لكن المشكلة أن كل وزير يأتي ليبدأ من الصفر، وهذا واقع كارثي في وزارة الصحة.
• هذا الواقع حدث حتى من قبل الشبكشي والمانع اللذين عملت معهما؟
– نعم.. والمشكلة أن كل وزير يأتي باقتراحات ومبررات، فالدكتور أسامة شبكشي عندما جاء لم تكن هناك إستراتيجية وعمل ومعه معظم المسؤولين بالوزارة على إستراتيجية، ثم جاء الدكتور حمد المانع وقام بتغييرات ورفع إستراتيجية ثانية، ثم جاء الدكتور عبدالله الربيعة فرفع إستراتيجية ثالثة، والمشكلة أنهم يشخصون مشكلة واحدة موجودة من قبل لكن لكل واحد منهم طريقة علاج مختلفة.
• ما مدى صحة أن الذين يمسكون بمفاصل الوزارة هم الوكلاء؟
– هذا غير صحيح، فالوكلاء موظفون مثل غيرهم في الوزارة، وفي رأيي أن المسؤولية كلها تقع على عاتق الوزير وتعتمد على شخصيته في إدارة الأمور، فإن سمح لهم بأن يكونوا مراكز قوى فهذا خطأ منه حتى لو كانوا وكلاء له، وهو صاحب القرار في استيعابهم ووضعهم في دورهم الحقيقي.
• أضرب لك مثالا بما قاله الكثيرون عن الدكتور منصور الحواسى الذي شكل وجوده وكيلا كما قيل ظاهرة غير إيجابية في فترة عدد من الوزراء؟
– للأمانة أقول إن الدكتور منصور الحواسى رجل جاد ومجتهد وذكي ويعمل بإخلاص، وطيلة الفترة التي عملت فيها معه الى أن تركت الوزارة عام 1429 لم تكن لديه أجندة أو ملفات خاصة، وأعتقد أن تحميله مسؤولية بعض الملفات بعد ذلك -إذا كان ذلك صحيحا- يتحملها المسؤول الأعلى منه وهو الوزير.
• لكن الملاحظ أن هناك موجة استقالات حدثت من قبل وما زالت مستمرة داخل الوزارة إلى الآن، فبماذا تفسرها؟
– لا شك أنها ظاهرة غريبة وغير صحية وهدر للطاقات التي أنفقت عليها الدولة الملايين، وتسربها غير مقبول بالمرة.
• كانت تحدث أيضا في فترة وجودك مع الدكتور الشبكشي؟
– هذا غير صحيح، فقد كان هناك عدد من أطباء الوزارة السعوديين يرغبون في الذهاب إلى القطاع الخاص من أجل تحسين وضعهم المادي، فطلب مني الدكتور أسامة توفير مكافأة مالية لهم لإيقاف تسربهم، وكان يردد لي دائما: هؤلاء الأطباء هم عماد وزارة الصحة، فيما كانت وجهة نظر وزراء آخرين -ولا تسلني عن أسمائهم- أن «من لا يريدنا لا نريده» ولذلك حدث التسرب في الوزارة ومازال، لكن دعني أقول متفائلا: «أينما تمطر فسيأتينا خراجها».
• كيف يا دكتور؟
– أقصد ألا تكون استقالاتهم للمغادرة والعمل خارج المملكة.
• ولماذا لا يغادرون وهم يرون الطبيب الأجنبي يتمتع بميزات لا تعطى للطبيب السعودي، وكمثال: فالسعودي يتقاعد في الـ58 والأجنبي يجدد له العقد حتى الـ70، وأضف لذلك احتكار الأجانب منصب المدير المناوب ونائبه في جميع مستشفياتنا خصوصا الأهلية منها، وقس على ذلك الكثير؟
– أقولها لك بكل أسف فأنا أتفهم موقفهم تماما وأعذرهم لأنهم يشعرون بالتهميش من قبل الوزارة التي يفترض أن تحتضنهم.
قرار خاطئ
• ما دمنا نتحدث عن ظاهرة الهدر في الوزارة، هل ترى أن قرار تسليم الكليات والمعاهد الصحية وكليات الطب للتعليم العالي يصب في الاتجاه نفسه؟
– حقيقة أقولها للتاريخ.. فالمعاهد الصحية ومدارس التمريض التي أنشئت في وزارة الصحة قبل ثلاثة أو أربعة عقود من التحاقي بالوزارة عام 1416 كانت تجربة ناجحة للغاية، حيث ربطت كل مدرسة تمريض بمستشفى كبير، ثم طورت المدرسة لتصبح معهدا ثم كلية يتدرب فيها الطلاب والطالبات ويمارسون عملهم في المستشفيات، وظلت الوزارة تتبنى هذا الاتجاه الناجح ليأتي فجأة أحد الوزراء -واعفني عن ذكر اسمه- ليتخذ قرارا خاطئا جدا -من وجهة نظري- بالاستغناء عن 47 كلية صحية في جميع مناطق المملكة وتسليمها لوزارة التعليم العالي، وكان الأولى أن تعالج الأخطاء إن وجدت، أما أن ترمي الوزارة الجمل بما حمل على وزارة التعليم العالي آنذاك التي كانت مثقلة بهمومها فهذه خسارة كبيرة لوزارة الصحة لا تقدر بثمن.
• ومما زاد الطين بلة قيام الوزارة أخيرا بإغلاق مركز للنقاهة ومستشفى الملك سعود بجدة، ومحاولتهم إغلاق مستشفى الولادة والأطفال بالمساعدية؟
– بصراحة هذه قرارات في غير محلها، وأنا ضد أي إغلاق فنحن في أمس الحاجة إلى أي سرير، وإذا كانت هناك أخطاء أو مشكلات في السلامة فيجب أن تعالج وتصحح لكن لا يمكن أن يكون البديل الإغلاق. وأقولها صادقا عن مستشفى الولادة والأطفال بالمساعدية الذي أعرف دوره جيدا في السابق وما زال يقوم بدور مثالي في مدينة جدة حيث كان يجرى في اليوم الواحد أكثر من 100 ولادة خلال الفترة التي أدارها الدكتور أحمد عاشور ثم الدكتور محمد إدريس ومن جاء بعدهما.
• ما دمت قد ذكرت الدكتور أحمد عاشور مدير مستشفى الملك فهد بجدة سابقا دعني أستوضح أسباب موقفكم الحاد منه في فترة الدكتور شبكشي؟
– لم يكن هناك موقف خاص من الرجل فقد كان الدكتور أسامة يقدر أمانته ونشاطه وحرصه على المصلحة العامة، لكنه كان يختلف معه في فكره ونمطه الإداري وتجاوزه للأنظمة خصوصا عندما كان يقول: إنه يستمتع بمخالفة الأنظمة، وأعتقد أن هذا أمر لا يقبله أي رئيس من مرؤوسه في العمل، وكان هناك عدد من المسؤولين في الوزارة يطالبون الدكتور أسامة بإراحتهم من أحمد عاشور وأنا واحد منهم فكان يسمع منا ويصمت، وحدث أن كنا في جولة بمستشفى الملك فهد في جازان فلم يعجبه الوضع الذي رآه بالمقارنة مع مستوى مستشفى الملك فهد بجدة الذي أنشئ في الفترة نفسها، فناداني وسط كل الحضور وقال لي: شفت الفارق بين المستشفيين يا رضا، هذا هو السبب وراء رفضي لقرار إعفاء الدكتور أحمد عاشور من إدارة المستشفى.
• ورغم هذا تبرأتم من عملية زراعة الرحم التي تبناها الرجل في مستشفى الملك فهد بجدة وأحدثتم وقتها جدلا كبيرا في الإعلام؟
– الوزارة لم تكن ضد عملية زراعة الرحم تحديدا، وإنما كانت متحفظة على عدم اتباع البروتوكولات الطبية التي يجب أن تحترم وتطبق في مثل هذه العمليات غير المسبوقة التي لا تخضع للتجارب.
• لكن تلت ذلك خطوة فسرها البعض بضغوط مباشرة لدفعه إلى الاستقالة بعد قرار الوزير تشكيل مجلس إدارة للمستشفى وتعيينك مع شخصين من الوزارة أعضاء فيه؟
– بداية لم يكن مستشفى الملك فهد الوحيد الذي شكل له مجلس إدارة، فقد سبقه بسنوات مستشفى الملك عبدالعزيز في جدة وكنت أنا رئيس مجلس الإدارة، وعندما بدأ الدكتور أسامة بالاتفاق مع وزارة المالية على برامج التشغيل الذاتي -وليس وظائف على الباب الأول- أسوة بمستشفيات الحرس الوطني والتخصصي وقوى الأمن ونجح في ذلك، فكان لابد أن تكون هناك توأمة وبرامج جديدة ودعم لأي مستشفى مع ديوان الوزارة، ثم مستشفى الملك خالد للعيون ومجمع الرياض الطبي ورأس مجلسي إدارتيهما وزير الصحة، ثم شكل مجلس إدارة مستشفى الملك فهد بجدة وكان يرأسه الدكتور قاسم القصبي وكنت عضوا في المجلس مع الدكتور منصور الحواسى والدكتور أحمد عاشور فلم تكن الفكرة خاصة أو مصممة لأحد أبدا.
• كيف تلقيت خبر إعفائه من قبل الدكتور حمد المانع؟
– بصراحة حزنت لصدور هذا القرار، وكنت أتمنى أن يعطيه فرصة فربما وجد لديه إيجابية لا يعرفها من قبل.
• بالمناسبة.. ما الذي نفهمه من لقب «الأخطبوط» الذي أطلقه عليك الدكتور حمد المانع في كتابه «سيرة وزارية صريحة»؟
– للأسف أن البعض قال لي إن الدكتور المانع يذمك، ويقصد أنك كنت مسيطرا على مفاصل الأمور في الوزارة قبل أن يأتي وزيرا، لكن الحقيقة أن الدكتور المانع أهداني الكتاب وقال لي إنه امتدحني بهذا اللقب وهذا رأيي كذلك. يشرفني أن أكون ملما بتفاصيل الأمور في الوزارة التي ذهبت إليها وأنا لا أفهم شيئا في العمل الصحي بحكم خبرتي السابقة أستاذا بجامعة الملك عبدالعزيز، لكنني تعلمت من زملاء إداريين أفاضل في وزارة الصحة لم يكونوا وزراء ولا وكلاء ولا أطباء فقط وأعتبرهم أساتذة لي، وبطبيعة الحال فقد أسندت إلي ملفات كثيرة جدا في فترة الشبكشي، وعندما بدأ الدكتور المانع حاول أن يقلص ما لدي من ملفات بناء على الانطباع الذى كان سائدا بأنني مسيطر على كثير من مفاصل الأمور فأبعدني عن العديد من المسؤوليات التي كانت لدي مثل الشؤون المالية والإدارية والحج والضمان الصحي ولكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح، فقد أعادها إلي كلها بعد أقل من عام واحد ومعها ملفات أخرى أيضا، وأنا أقدر له ذلك تماما.
الحلول السبعة لعملية الإنقاذ
وضع الدكتور رضا خليل وصفته لحل المشاكل التي تعاني منها الوزارة حاليا في سبع نقاط أساسية تحت عنوان (الداء معروف والدواء موصوف)، وأضاف: حسب رؤيتي المتواضعة فإنه يمكن لهذه الروشتة أن تخفض ميزانية الوزارة بنسبة لا تقل عن 75%، موضحا أن الدراسات والأنظمة موجودة ولا ينقصها سوى العزيمة والإرادة الجادة مبتدئا بما يلي:
أولا: تخليص الوزارة من كاهل إدارة وتشغيل المستشفيات وبأسرع وقت ممكن وتفريغها للرعاية الصحية الأولية والطب الوقائي أكثر من العلاجي والحفاظ على الصحة العامة والتخطيط والتطوير للمنظومة الصحية في المملكة ككل وأؤكد أن البدائل والآليات موجودة ومعروفة ولاتحتاج إلى مزيد من الدراسات لكيلا يهدر المزيد من الوقت.
ثانيا: الإسراع بآليات غير تقليدية (خارج إطار ميزانية الدولة) لتشغيل مستشفيات وزارة الصحة الجديدة التي تم إنشاؤها ولم تشغل بعد ويصل عددها إلى قرابة الخمسين مستشفى.
ثالثا: إيقاف بناء المزيد من المستشفيات.
رابعا: القيام بطفرة نوعية بتخصيص طبيب لكل أسرة كما هو معمول به في كثير من دول العالم المتقدمة.
خامسا: تطبيق التأمين الصحي على المواطنين فورا وتجنب إضاعة الوقت في دراسات جديدة فالمشروع جاهز منذ سنوات عديدة.
سادسا: دعم القطاع الخاص وإفساح المجال له للمشاركة بنسبة أكبر في المنظومة الصحية.
سابعا: الاستفادة القصوى من كنز الكفاءات ذات المستوى العالي من أبناء الوزارة الكثر من الرجال والنساء ممن لديهم الخبرة والدراية الكاملة للنهوض بأعمال الوزارة، وإبعاد المعيقين أيا كانوا من داخل الوزارة أو خارجها وهم كثر أيضا