تقرير الجودة الصحية- إعداد: د. أميرة عبد الرحمن أحمد برهمين / باحثة 

 

I / التطوّر التاريخي لمفهوم الجودة في القطاع الصحي:

 يرجع تاريخ الجودة في القطاع الصحي إلى عام 2000 قبل الميلاد وإلى قانون حمورابي ملك بابل، حيث يحتوي قانونه على أقدم قوائم عرفها الانسان تتعلق بتكاليف ورسوم الخدمات المقدمة والذي جمع بين الجودة وتكلفة الرعاية الصحية.كما تضمن قانون حمورابي بنوداً خاصة بالعقوبات المرتبطة بالأخطاء الجراحية والتقصير والإهمال.
          وفي القرن الخامس قبل الميلاد احتوت كتب “توت” في الحضارة المصرية القديمة على بعض معايير الممارسات الطبية، حيث عدّ أي انحراف عن هذه المعايير جريمة تستوجب العقاب. وفي القرن الرابع قبل الميلاد وضع أرسطو قانوناَ يؤكد أنه لايسمح للأطباء بتغيير طريقتهم الاعتيادية في المعالجة إلا في ظروف قصوى. وفي عصر الاغريق طلب أبو قراط من تلاميذه أن يقسموا على أن يقدموا لمرضاهم أفضل مايمكن تقديمه من رعاية. وقد أدت هذه الخلفية التاريخية إلى تأسيس وترسيخ قيّم وتقاليد مهنية معينة تحكم ممارسة مهنة الطب منذ عصور ماقبل التاريخ وحتى عصرنا الحاضر.
          وفي العصر الحديث أدى إنشاء الكلية الأمريكية للجراحين عام 1913م إلى حدوث تطورات رئيسية في مجال جودة الرعاية الطبية من أهمها تحسين التوثيق للإجراءات الجراحية والالتزام بما يعرف ببروتوكولات العلاج. هذا وقد انضمت الكلية الأمريكية للجراحين وعدد من الهيئات الأخرى لتشكل ما يعرف بالهيئة المشتركة لاعتماد المستشفيات عام 1951م والتي تابعت حركة تحسين الجودة في المستشفيات وذلك بوضعها لضوابط محددة للأداء في المنظمات الصحية.
          هذا وقد تتابعت جهود تحسين الجودة في القطاع الصحي تحركها جهات التمويل والمنظمات الحكومية والخاصة والجمعيات المهنية. وقد يكون أهم أعمال هذه الحركات فكرة معايير الجودة النوعية أو توكيد الجودة في السبعينيات والثمانينيات الميلادية.

          في التسعينات الميلادية انتشرت مفاهيم إدارة الجودة الشاملة (Total Quality Management)    أو الجودة الشاملة للجودة والتي تستند إلى المبادئ التي وضعها خبراء الجودة أمثال ديمينغ, وجوران، وكروسبي والتي بدأ تطبيقها في القطاع الصناعي في اليابان في أعقاب الحرب العالمية الثانية ثم امتدت تدريجياً إلى القطاعات الأخرى بما فيها الخدمات الصحية.

 

II / بدايات تطبيق إدارة الجودة الشاملة في المستشفيات:

تعاني المؤسسات الخدمية العامة من مشاكل متعددة تعد من أبرزها تلك المتعلقة بالتنظيم والتمويل، وكجزء من منظومة المؤسسات الخدمية العامة تحتل المستشفيات الحكومية صدارة تلك المؤسسات في عدد المشاكل ومدى تعقّدها نظراً لما تقدمه من خدمات صحية وطبية ، وطبقاً للشريحة التي تقدم لها تلك الخدمات وهم (المرضى بكافة أعمارهم وحالاتهم الصحية المختلفة).

وللحاق بركب مستشفيات الدول المتقدمة التي تنتهج منهج إدارة الجودة الشاملة، كان من الضروري تبّني المستشفيات الحكومية بالمملكة لذات المنهج حرصاً منها على تقديم خدمات صحية ذات جودة عالية، إلاّ أن المعوقات التمويلية طفت على السطح وذلك بسبب ما يتطلّبه تطبيق منهج الجودة الذي يهدف إلى تحقيق التحسين المستمر في كل العمليات الخاصة بالخدمات الصحية التي تقوم المستشفيات بتقديمها من تكاليف باهظة أدّت إلى إرتفاع تكلفة الخدمات المقدّمة بشكل عام  . وبات التحدي الذي يواجه تلك المستشفيات هو تحقيق معادلة خفض تكاليف الخدمات الصحية مع رفع مستوى جودة تلك الخدمات.  

إن جوهر مفهوم إدارة الجودة الشاملة هو في الأساس الوصول إلى رضا العميل عن الخدمة المقدمة له، وهي بهذا المعنى تصبح مسؤولية وعمل كل فرد في المؤسسة بصرف النظر عن موقعه وطبيعة عمله. وهذا المفهوم قد لا يتحقق في ظل عدم توفر الموارد الماديّة المناسبة والمتمثلّة في المباني والأجهزة والمعدات، والموارد البشرية المتمثلّة في فريق عمل مدرّب ومحترف لتقديم الخدمات المطلوبة.

 

III / فـوائد تطبيق الجودة بالمستشفيات:

          تواجه المستشفيات تحديات كبيرة ومتعددة لعل في مقدمتها التكاليف المتزايدة في انتاج الخدمات الطبية ، وتحديات جودة هذه الخدمات ، لاسيما وأن هذه المستشفيات تتعامل مع صحة الإنسان وعامل الحياة والموت. وإدارة الجودة الشاملة تحقق الاستخدام الأمثل للموارد وتقنين الإنفاق وجودة متكاملة في العمليات والخدمة المقدمة للمرضى والمراجعين للمستشفيات. ويمكن تلخيص أهم فوائد تطبيق إدارة الجودة الشاملة في المنظمات الصحية فيما يلي:

  • جودة الرعاية المقدمة: الهدف من تطبيق إدارة الجودة الشاملة هو تحقيق مستويات عالية من الجودة في الرعاية الطبية التي توفرها المستشفيات والاستخدام الأمثل لمواردها المادية والبشرية وترشيد النفقات والاستخدام وتقويم جودة الإنتاجية المتمثلة في الخدمات الصحية والعمل الدائم والمستمر على تحسين جودة الخدمات الصحية
  • رضا العملاء: تستهدف ادارة الجودة الشاملة تقديم خدمة صحية عالية الجودة وبما يتفق مع تطلعات المستفيدين منها وذلك من خلال عملية تستهدف تحسينا مستمرا للجودة بما يتفق ويتفوق على توقعات العملاء.
  • رفع معنويات العاملين: تعد مشاركة العاملين في صنع القرار من أساسيات إدارة الجودة الشاملة، فهم يعتبرون عملاء داخليين يجب إرضاءهم.

 

إن تطبيق إدارة الجودة الشاملة على المستشفيات الحكومية بالمملكة هو تحدّي ذو شقين: الأول هو مدى توفّر إدارات متميزة تسعى لتحقيق الجودة ، والثاني هو الدعم الذي يمكن أن تحظى به تلك الإدارت في حال توفرّها.  إلا أن المنافع التي تنتج عن تطبيق منهج الجودة وما ستفرزه مستقبلاً على الصحة العامة للمجتمع كفيل بمواجهة أي عقبات محتملة. وما أسعدنا ونحن بالمملكة أن نصل للنجاح الذي وصلت إليه المستشفيات في كل من اليابان وأمريكا بتطبيق أسس الجودة مما إنعكس إيجاباً على تحسين أدائها المالي، وتخفيض تكاليف الرعاية الصحية، وتقليل الأخطاء وتحسين العمليات، وتحسين مستوى رضا العملاء، وتسهيل عمليات إتخاذ القرارات ، إلى جانب الحد من التكلفة المترتبة على تقديم خدمات صحية ذات جودة متدنية.