امتلكنا القدرة على العدَ مُنذ أن شهِدت أناملنا واحد اثنان ثلاث خمس، اااه لقد تعثرنا فنُعِد الكَرة واحد اثنان ثلاث أربع خمس ومرة تلو أخرى نتقن مهارة العد من الواحد للعشرة ، لنتفاجأ في آخر المطاف بأننا نُدرك قيمة العشر أصفار عن يمين الواحد. نتجاوب مع الكثير من الأعداد في حياتنا تُضاف إليها مهارات حسابية نتعلمها في رياضيات الفصول الدراسية ، ولا نلبث إلا أن نستعيض بمفهوم الكم عن الكيف في أمور حياتنا العلمية و العملية ، وبمرور الأزمنة تشغلنا الأرقام زيادة ونقصان فنتجاهل لفظ كيف و نمحيه من منصات السطور فتسقط قيمته ، نُخلِف وراء تجاهُلنا بكيف مساحات فارغة لا تملئها الأعداد كماً .

اشتهر مجال الرعاية الصحية باستخدام النمط التقليدي من المفاهيم الكمية حيث تشغل الارقام حيز كبير من الحديث في هذا المجال. تستخدم صيغة “ كم ”  في عدة اسئلة نمطيه في مجال الرعاية الصحية مثلاً كم عدد الاسرة في مستشفى سين ؟ كم عدد العمليات اليومية لدى مستشفى صاد ؟ كم عدد متلقي الخدمات الصحية والعلاج في مستشفى عين ؟ بالإضافة الى استخدام صيغ اخرى كما هو متوسط عمر الحياة لدى شعب واو ؟ ما هو معدل وفيات الرضع لدى دوله ياء ؟ وغيرها الكثير من الاسئلة. نعم إن للأسئلة السابقة اجابات رقمية قيمة جدا في مجال الرعاية الصحية وخاصة عند حديثنا عن تقيم منشئة صحية او مستوى الصحة بشكل عام في دولة مقارنة بأخريات. لكن من غير المبهر ان نملك مستشفيات بمئات الاسرة و مدن طبية مرفق بها عدة مراكز متخصصة بالأمراض المزمنة المختلفة و لكننا لم نستطع ان نصل لخطة علاج تخدم المريض في منزله بدلا من احضاره لأسرة المستشفى البيضاء , و من غير المجدي اننا لا نعلم ما اذا كان متلقي الرعاية على اتم الرضى عن الخدمات المقدمة من وجهة نظرة , و من المحزن ان نكن غير قادرين على تعزيز وصول الخدمات الصحية لمستحقيها من ذوي الامراض المزمنة.

من المؤسف ان تُجرى عمليات جراحية عدة في مستشفى ما ثم نتفاجأ بظهور عدوى الموضع الجراحي حيث يضطر المريض للتسليم لواقع “على المتضرر اللجوء للعلاج فحسب ” ،  كما لا يدل زيادة اعداد المرضى بالعيادات الخارجية على جودة الخدمات خصوصاً عندما نكن على معرفة تامة بطول مدة الانتظار و يزيد الطين بله تجاهلنا لحل هذه العقبة و بذلك نشكل عائق حقيقي للحصول على الخدمات الطبية من قبل المريض ، و مشين ان نوقع عقود بمليارات الريالات مع شركات دوائية ضخمة و نخطأ في ذات الوقت في آلية صرفها و نهمل في زيادة التثقيف الصحي لدى المريض بكيفية تعاطيها. مفرح جدا ان نحقق زيادة مطردة في متوسط عمر الحياة لدى الافراد ولكن هل توصلنا لطرق مُثلى توفر الرعاية الصحية لكبار السن وهل نحن بصدد لرفع مستوى مؤشرات جودة الحياة حيث نستطيع بها تحقيق الرضا عن الحياة لدى جميع الافراد ، و اخيراً كم هي مبهجة التقارير التي توضح انخفاض معدلات وفيات الرضع ولكن محبط اننا استطعنا انقاذ الطفل ليزيد على معدلاتنا عدداً ولكننا ضحينا بالأم اثناء الولادة لخطأ طبي .

لازالت منهاجيه البحث عن الكيفية قليلة في مجال الرعاية الصحية مقارنة بالكمية ، إلا انها في الفترة الحالية تحصد اهتمام من قبل الباحثين لما لها من أبعاد اجتماعية وثقافية تعزز المعنى الحقيقي للصحة على مستوى الافراد والمجتمعات. الكيفية تجيب على كثير من الأسئلة عن جودة الرعاية الصحية لأنها تساعد في الكشف عن المشاكل التي تحول ما بين المريض ومقدم الخدمات الصحية ، كما تساعدنا على تحدد العقبات المترتبة على ممارسة التغير في المنظمات الصحية و ما هي ردت الفعل السلوكي لدى الممارسين الصحيين والمرضى على وجه السواء ، ومن ثم تمكننا من الوصول الى تحسن مستوى جودة الرعاية الصحية إدارة التغير. اخيراً ، ما المفاهيم الكمية والكيفية إلا متممين لبعضهما البعض ، لذلك نحن بحاجة الى قادة في مجال الرعاية الصحية يدركوا تماماً أهمية الكيفية والكمية معاً ويستفيدوا من الكم ليصلوا الى الكيف والعكس صحيح عند وضعهم للسياسات الصحية والخطط الاستراتيجية لتحسين مستوى الجودة الصحية على الصعيد المحلي و العالمي .