تعامل معها بحرص !!!
سنحت بذاكرتي قصة ذاك المريض الذي رجع لعيادتي بعدما صرفت له أدويته ، وقال لي بنبرة متجهم : لماذا لم تصرف لي يادكتور مضاد حيوي ؟! .وبعدما شرحت له أن حالته فيروسية لا يستدعي لمعالجتها استخدام المضاد . خرج من عندي وباعتقادي أنه لازالت أوهام المضاد الشفائية تتوارى في مخيلته . وفي أحد الأيام اتصل علي قريب يسألني عن دواء صرف له أحد الصيادلة في أحد الصيدليات التجارية ، واتضح لي أنه صرف له مضاد حيوي لعلاج صداع بسيط . هذه الأحداث تتوارى فصولها يومياً على نطاق واسع من المجتمع مما جعل مقاومة المضادات واحدة من أكبر المخاطر الصحية التي تهدد الصحة العالمية وسلامة الأغذية في العصر الراهن .
في عام 1928 م كانت بداية ثورة طبية قاد حملتها العالم “السكندر فلمنج ” حيث اكتشف بوادر صناعة المضادات الحيوية و التي أنقذت الملايين من البشر من حتمية الموت بسبب الإصابة بكثير من الأمراض المعدية القاتلة ولكن لم تهنئ البشرية بكرنفال القرن للمضادات الحيوية اذ أنتج سوء استخدامنا وفرط صرفنا لها إلى نشوء مقاومة للمضادات التي تنبأ بخطر صحي محدق . هذا الخطر يهدد قدرتنا في معالجة الأمراض المعدية – والتي الكثير منها كانت في مرحلة الركود الوبائي – ومن ثم يؤدي الى إطالة المكوث للمرضى في المستشفيات و ارتفاع التكلفة في الرعاية الصحية وازدياد معدل المراضة والوفاة .وفي النظر الى تقرير منظمة الصحة في تحليل وضع استجابة الدول لمقاومة المضادات الحيوية نجد للأسف دول الشرق الأوسط في ذيل الدول و الأشد أسفا كون السعودية لا تكتنف دورا وطنيا في هذه الاستجابة . لن تخلو الصيدليات من لوحة معلقة في ناصية المحل تنص بمنع بيع المضادات الا بوصفة طبية ومع ذلك فان السوق الآستهلاكية للمضادات الحيوية تتربع على عرش مبيعات الصيدليات بطريقة غير شرعية وبتسويق مقذع لجني الربح ضاربة صحة المجتمع بعرض الحائط . ولا زال ثلة من الكوادر الطبية لا تراعي الحيطة في صرفها للمضادات ولا تلتزم بأساسيات مكافحة العدوى مما جعل نشوء مقاومة المضادات تتفشى في جنبات المنشأة الصحية . ووعي المجتمع حول استخدام المضادات الحيوية لازال يعاني من فقر التوعية وعوز المعلومة الصحية الصحيحة . ولذلك وجب على صانعي القرار استصدار سياسات وأنظمة يستوجب على كل القطاعات التي تهتم بصحة الانسان أو الحيوان أو الثروة الزراعية التمشي بموجبها كخطة وطنية لمكافحة مقاومة المضادات .
وأخيرا للدروس المستفادة : تفنى عقول أعمارها في احياء البشرية ويأتي أناس يفنون هذا الحلم بسوء تدبيرهم
د/ سعيد القرني
طبيب متخصص في الطب الوقائي والصحة العامة