شهد مجال التصوير الطبي تطور واسع في طرق التصوير خلال العقود الأخيرة. يتشكل هذا التطور من خلال التقدم السريع في التكنولوجيا الطبية ومتطلبات الرعاية الصحية المتطورة والدفع المستمر لتحسين نتائج المرضى. ومع هذا التطور والتوسع يواجه تقني الأشعة تحديات مستمرة في تحديد المسار الوظيفي. ولا يشكل هذا القرار مسارهم الوظيفي فحسب، بل قد يؤثر أيضًا على جودة رعاية المرضى وكفاءة الرعاية الصحية والتشغيلية لأقسام الأشعة. يمثل الجدل الدائر بين العمل في مجالات تصوير متعددة مقابل العمل والتخصص في مجال تصوير واحد تساؤل دائم لتقني الاشعة وأقسام الأشعة على حد سواء. هل ينبغي عليهم تطوير الخبرة في مجالات تصوير متعددة أو التخصص في مجال تصوير واحد؟ يناقش هذا المقال هذا التساؤل من جوانب مختلفة مبنية على أفكار وأدلة من بعض الدراسات والمقالات المنشورة لتسليط الضوء على ما هو الأنسب لتقني الأشعة وأقسام الأشعة.

 

يمكن لتقني الأشعة العمل في مجالات تصوير متعددة مثل الأشعة السينية العامة والتصوير بالرنين المغناطيسي والتصوير المقطعي والموجات فوق الصوتية والأشعة التداخلية والطب النووي وتصوير الثدي وتصوير كثافة العظام وغيرها. حيث يمكن لتقني الأشعة العمل في مجالين او أكثر. ويكتسب هذا التنوع قيمة متزايدة في بيئات الرعاية الصحية الحديثة والمرافق الصغيرة ذات الموارد المحدودة، حيث أن التكيف للعمل في عدة مجالات تصوير يمكن أن يعزز بشكل كبير الكفاءة التشغيلية للقسم مما يضمن تقديم خدمات على نطاق أوسع وخلال فترات زمنية أقل حيث يمكن لتقني الأشعة المدرب الانتقال بسلاسة بين الأساليب المختلفة بناءً على احتياجات المريض ومتطلبات القسم. إضافة لذلك، فإن القدرة على العمل في مجالات تصوير متعددة يمكن أن يخفف من التحديات التي يفرضها النقص في عدد تقني الأشعة داخل أقسام الأشعة ويشجع النمو المهني والرضا الوظيفي. علاوة على ذلك يحصل تقنيو الأشعة على فرص للمشاركة في نطاق أوسع من عملية تقديم الرعاية الصحية، مما يساهم في تطويرهم المهني وكسر الطابع الروتيني الذي قد يؤدي إلى الرتابة والاحتراق الوظيفي. ومن خلال التعرض لتقنيات التصوير المتعددة يكتسب تقنيو الأشعة فهمًا أعمق لنقاط القوة والقيود لكل طريقة تصوير وهذا يسمح لهم بمساعدة أطباء الأشعة في تحديد طريقة التصوير الأكثر ملاءمة لسيناريو سريري محدد، مما يساهم في تشخيص أكثر دقة وسلامة للمرضى. ويمكن أن يؤدي هذا التنوع إلى زيادة فرص الحصول على عروض وظيفية أكثر تزيد من فرص التقدم والتحسن الوظيفي، حيث أن قطاع الرعاية الصحية أصبح يقدر بشكل متزايد المهنيين متعددي المهارات الذين يمكنهم القيام بمهام متعددة. ومع ذلك، فإن العمل في مجالات تصوير متعددة يمثل أيضًا تحديات. يتطلب تحقيق الكفاءة في طرائق تصوير متعددة تدريبًا مكثفًا وتعليمًا مستمرًا. حيث يتطلب العمل في مجالات تصوير متعددة مستوى تعليم قوي ومستمر حيث تؤكد دراسة أجريت على تقني الأشعة في ستة بلدان أوروبية على أهمية وجود مستوى موحد من التعليم والتدريب بحيث يمكن لهذا المستوى من التدريب أن يشكل أساس قوي للعمل في مجالات تصوير متعددة. يمكن أن يستغرق ذلك وقتًا طويلاً ويستهلك الكثير من الموارد، مما قد يؤثر على كفاءة الأقسام ذات ميزانيات التدريب المحدودة. أيضا قد يؤثر هذا النهج على تقني الأشعة حيث أنه قد يكون من المجهد الاستمرار في التنقل بين هذه المجالات بشكل مستمر. حيث تتقلص قدرة تقني الأشعة في الحفاظ على كفاءته في مجالات التصوير المتعددة بمرور الوقت حيث قد تسبب كثرة المعلومات التشويش والتداخل في تطبيق بعض المهارات التقنية وعدم القدرة على اجراء الفحوصات ذات التعقيد والتي تحتاج الى مهارات وخبرة متقدمة.

 

ومن ناحية أخرى، يسمح التخصص في مجال تصوير واحد لتقني الأشعة بتطوير خبرة عميقة في مجال معين وتعزيز المعرفة والمهارات المتقدمة التي يمكن أن تؤدي إلى تحسين دقة التشخيص ونتائج المرضى في هذا المجال كالموجات فوق الصوتية على سبيل المثال. حيث يطور تقنيو الأشعة معرفة أكبر بالجوانب التقنية والفيزياء والأمراض المحددة المرتبطة بالطريقة التي يختارونها. غالبًا ما يصبح المتخصصون هم الخبراء المعتمدون في الحالات المعقدة غير الاعتيادية، مما يساهم بشكل كبير في عمليات اتخاذ القرار السريري والقيام بالحالات الأكثر تعقيدا والتي تطلب مهارة وخبرة عالية. وللتخصص في مجال واحد دور حاسم في التطبيقات المتقدمة والتي تكون بحاجة لمعرفة عميقة ومتقدمة. وبما أن بعض الطرائق، مثل الأشعة التداخلية، تتطلب درجة عالية من الكفاءة التقنية والمعرفة الإجرائية، فإن التخصص في مجال واحد قد يكون ضروري لضمان سلامة المرضى وتحقيق النتائج المثلى. واضافة لذلك، يمكن أن يؤدي التخصص في مجال واحد إلى أن يصبح تقني الأشعة مرجعًا معترفًا به في المجال المتخصص به مثل الموجات فوق الصوتية في حالات الطوارئ، مما يساهم في تطوير معايير الممارسة في هذا المجال. أيضا يمكن لتقني الأشعة المتخصصين في مجال واحد أن يلعبوا دورًا محوريًا في البحث العلمي وتطوير تقنيات وبروتوكولات جديدة ودفع حدود مجالهم وتحسين رعاية المرضى. ومع ذلك، فإن التخصص له أيضًا قيود. يمكن للتخصص أن يحد من فرص التقدم الوظيفي. في البيئات التي تتطلب المرونة، قد يجد تقنيو الأشعة المتخصصون أنفسهم في وضع محدود لا سيما في المرافق الأصغر حجمًا ذات الوسيلة المحدودة المتاحة.

 

من المحتمل أن يكمن المسار المثالي لتقني الأشعة في التوازن الاستراتيجي بين العمل في مجالات تصوير متعددة والتخصص في مجال تصوير واحد. وإليك كيف يمكن تحقيق ذلك بناءً على ما ورد في بعض الأبحاث:

التدريب الأساسي على مجالات التصوير المتعددة: يجب أن يتلقى جميع تقني الأشعة أساسًا قويًا في مبادئ علم التصوير الشعاعي، بما في ذلك المفاهيم الأساسية لطرائق التصوير المختلفة. وهذا يضمن فهمًا أساسيًا لفيزياء الإشعاع وإنتاج الصور ورعاية المرضى في جميع المجالات.

التخصص في مجال معين: بعد التدريب الأساسي، يمكن لتقني الأشعة متابعة التخصص في طريقة أو طريقتين بناءً على احتياجات الأقسام والاهتمامات الفردية والتطلعات المهنية. وهذا يسمح لهم بتطوير المعرفة والمهارات المتقدمة في المجال الذي يختارونه.

التعليم المستمر: بغض النظر عن المسار المختار، فإن التعليم المستمر أمر بالغ الأهمية. يجب أن يشارك كل من تقني الأشعة متعددي المجالات أو المتخصصين بنشاط في برامج التطوير المهني المستمر لمواكبة التقدم التكنولوجي والحفاظ على الكفاءة في جميع أساليب التصوير.

فرص التدريب المشترك: يجب على أقسام الأشعة استكشاف فرص التدريب المشترك بين طرق التصوير المختلفة. وهذا يسمح لتقني الأشعة المتخصصين بالتعرف على طرائق أخرى، وتعزيز بيئة عمل أكثر تعاونية وتعزيز المعرفة الشاملة للإدارات.

 

فيما يخص أقسام الأشعة وأنظمة الرعاية الصحية، يتوقف الاختيار على تحقيق التوازن بين المرونة التشغيلية والحاجة إلى خدمات متخصصة تعالج تحديات الرعاية الصحية المحددة. قد يكون من الأفضل تحقيق قوة عاملة ديناميكية وواسعة الحيلة، قادرة على التكيف مع مشهد الرعاية الصحية المتغير، من خلال مزيج من كلا المسارين. تؤكد الأدلة المستقاة من الأبحاث التي استعرضها الباحثين أهمية كلا النهجين. سلطت الدراسات الضوء على التأثير الإيجابي لمصوري الأشعة المتقدمين في المملكة المتحدة، حيث أدت مبادرات مزيج المهارات إلى تحسين تقديم الخدمات، ورعاية المرضى، ومعدلات الاحتفاظ بمصوري الأشعة. وفي الوقت نفسه، أثبتت الأدوار المتخصصة في مجالات مثل قياس كثافة العظام والموجات فوق الصوتية في حالات الطوارئ قيمة الخبرة العميقة في تعزيز النتائج السريرية وتوسيع نطاق ممارسة التصوير الشعاعي. يجب أن يتمتع تقنيو الأشعة بقدر أكبر من السيطرة على مسار حياتهم المهنية، مما يسمح لهم بمتابعة مجالات الاهتمام مع الحفاظ على درجة من التنوع. وهذا يمكن أن يؤدي إلى زيادة الرضا الوظيفي وتحسين الروح المعنوية. ومن خلال ملاحظتي وتجربتي في أقسام الأشعة قد يكون الأنسب للعمل في مجالات تصوير متعددة هو الدمج بين الطرق المتقاربة من حيث المبدأ مثل (الرنين المغناطيسي والأشعة المقطعية والطب النووي) وكذلك (الموجات فوق الصوتية وتصوير الثدي والأشعة التداخلية) وكذلك (الأشعة السينية العامة وكثافة العظام والتنظير التألقي (Fluoroscopy)). حيث يمكن الدمج بين كلا المسارين فيقسم التقنيين فيه هذه المجالات الى تقنيين متخصصين وتقنيين يمكنهم التنقل بين هذه المجالات. وبهذه الطريقة يستفيد قسم الأشعة من القوى العاملة بشكل أفضل وكذلك يستفيد تقنيي الأشعة من تعدد الفرص والمهام واتخاذ مسارهم المهني حسب الرغبة.  

 

في الختام، يجب أن يكون المسار نحو العمل في مجالات تصوير متعددة أو التخصص في مجال تصوير معين خيارًا مدروسًا، يعكس الأهداف المهنية الشخصية، واحتياجات الأقسام، والمشهد المتطور لخدمات الرعاية الصحية. تسلط هذه الأدلة والأفكار المستقاة من المقالات التي تمت مناقشتها الضوء على المزايا والتحديات التي يواجهها كلا المسارين، مما يشير إلى أن النهج المختلط الذي يعزز كلاً من المهارات المتعددة والخبرة المتخصصة، قد يوفر الميزة الأكثر استراتيجية لتقني الأشعة وأقسام الأشعة في نموذج الرعاية الصحية الحالي. ومن خلال تعزيز ثقافة التعلم المستمر والقدرة على التكيف، يمكن لمهنة التصوير الشعاعي أن تضمن دورها الحيوي في تقديم رعاية عالية الجودة للمرضى في بيئة رعاية صحية دائمة التغير.

 

جدول يقارن عدة عوامل بين تقني أشعة يعمل بمجالات تصوير متعددة وتقني أشعة متخصص بمجال واحد:

عامل مقارنة تقني يعمل بمجالات تصوير متعددة تقني متخصص بمجال تصوير واحد
المرونة في اقسام الاشعة مرونة عالية في التوظيف والقدرة على تغطية أكثر من مجال تصوير يقتصر على طريقة تصوير محددة، مما قد يؤثر على مرونة التوظيف
التعلم والتدريب يتطلب التعليم والتدريب المستمر في مجالات متعددة، الأمر الذي قد يستغرق وقتًا طويلاً ومكلفًا التعليم والتدريب المركزان بطريقة محددة، مما يسمح بخبرة أعمق
فرص العمل قد يقدم نطاقًا أوسع من فرص العمل قد تكون الفرص أقل ولكنها يمكن أن تؤدي إلى مناصب متقدمة
الرضا الوظيفي يقدم تنوعاً في المهام اليومية، مما يمكن أن يعزز الرضا الوظيفي لدى البعض خطر الروتين الملل ولكنه يوفر الرضا من الخبرة العميقة والاعتراف في مجال متخصص
المحافظة على المهارة يمكن أن يكون الحفاظ على الكفاءة أمرًا صعبًا دون ممارسة منتظمة أسهل للحفاظ على المهارات وتعزيزها
الاعتراف المهني يمكن أن يأتي الاعتراف من التنوع والقدرة على التعامل مع المهام المختلفة اعتراف أعلى بسبب الخبرة المتخصصة
التأثير على رعاية المرضى قد يوثر على الرعاية الصحية للمرضى في حال تداخل المهام وعدم التمكن الكامل من المهارات المطلوبة يمكن للمعرفة العميقة في مجال معين أن تعزز دقة التشخيص ورعاية المرضى
الأمان الوظيفي مخاطر أقل لأن المهارات في مجالات متعددة قد تمنع التغيرات في التكنولوجيا أو الطلب تزداد المخاطر إذا أدت التقنيات الجديدة أو التحولات في الرعاية الصحية إلى تقليل الطلب على طريقة التصوير المتخصصة

 

 

بقلم/  ياسر حسين هادي

ماجستير علوم الأشعة والتصوير الطبي،

أخصائي أول أشعة مقطعية بمدينة الملك عبدالله الطبية بالعاصمة المقدسة