حياة في الإدارة
منذ بداياتي وانا اطالع كتب عن الإدارة والقياده تشمل شرحاً لمفهومها أوهيكلتها أو سماتها او صفاتها. وهي كتب تأخذ وقتاً لانهاء قراءتها ففي معظمها شرحا يشمل معنى ومفهوم الإدارة، الخلاف الدائم هل الإدارة فن أم علم ؟؟، اليات التنظيم، مدارس الإدارة المتعدده، اليات العصف الذهني، اساليب العمل الإداري، …الخ. وقد تدخل في الجانب النفسي فتجد نفسك تقراء في علم النفس لفهم اوسع للادارة مثل هرم الحاجات واشباعها، شخصيات وسمات القاده، الابعاد السيكولوجية المختلفة للقيادة..الخ.
وما أن تفصل قليلاً في الإدارة وتتخصص اكثر في اختيار الكتب حتى تدخل في تفاصيل دقيقة جداً تهم الإداري المهني المتخصص وترفع من ثقافته. وهي كتب مهمة بلا شك ففيها من العلم والفهم الكثير اللذي يكسب قارئها عمق وبعد نظر وفهم ، وكنت اعزز ما قراءات من مفاهيم ببعض الخبرات لشخصيات اجنبية لها نجاحات عميقه في هذا المجال.
إلا أني كنت اشعر بأنه على قدر عظمة هذه الكتب الا انه يصعب على القارئ البسيط او الموظف الناشئ والمجتهد ان يستفيد منها وانه لو حاول وارغم نفسه على قراءتها فسرعان ما سيصيبه الملل ويترك الكتاب او ان يقراءه مكرها لفترة زمنية طويلة قد لا تنتهي، اكرر أنا هنا لا اتحدث عن مجتمع المثقفين عاشقي الكتب والمعرفة، وأنما اتحدث عن القارئ البسيط الذي يرغب في المعرفة دون تعقيد او فلسفه او حشو معلومات. لذا كنت اشعر أن هناك شيئ مفقود فيما يعرض من كتب على قدر اهمية الموجود.
ومنذ عدة سنوات طالعت كتاب “حياه في الإدارة” للراحل الدكتور غازي عبد الرحمن القصيبي، وقد جسد الإدارة في عدة صفحات من خلال سيرة ذاتيه لإداري ناجح، وضح فيها ممارسة وفهم لابعاد الإدارة بهدف الإنجاز لتحقيق أهداف متوافقة مع معطيات.
وكان هو الكتاب المراد او ظالة الباحث، فما كنت ابحث عنه بين الكتب هو كتاب عن الإدارة من خلال تجربة عربية وليس اجنبية تعطي للقارئ البسيط، بمعنى موظف إداري ناشئ، يرغب بالإطلاع والفهم لتحسين ادائه مفاهيم ودروس ادارية من خلال تجربة عمليه في سياق شيق وممتع وسهل. أي ان هدفه شخصي بحت.
هناك العديد من الكتب الاجنبية المترجمة الى العربية عن تجارب الإداري الناجح، ولكن هذه الكتب على قدر اهميتها ايضاً لا تعطي الدلاله للانسان العادي وليس المثقف، فمن خلال القراءه لهذه الكتب تظل فكرة واحدة في البال: “في بلدهم هناك تشجيع، أو المناخ يساعد، او الحرية لها دور، … الخ هذه العبارات المحبطة” أو انه اثناء القراءاه يسبح في عالم (لديهم وليس لدينا)، أو (لو لم اكن عربياً).
إلا أن كتاب “حياه في الإدارة” مختلف ففيه من السحر والسلاسه في الطرح ما يجعل الشخص يعيد النظر في اشياء كثيرة ويحدث نفسه بصيغه تحفيزيه “لقد حقق النجاح الإداري من قبل ايدي وطنية و أنا استطيع أن احقق ذلك ايضاَ”..
كنت دائماً ابحث عن كتاب اصفه لموظفي لقرائته والاستفاده منه وكنت ابحث عن كتاب يترك اثر في النفس ليحفزهم لانجاز المزيد و المضي قدماً في حياه عملية مليئة بالطموح والرغبه في عمل المزيد.. وكان هذا الكتاب هو المطلوب. فرغم أنها سيره ذاتية إلا أنها إدارية بحته شملت معنى الهدف الشخصي المرسوم أو الحلم اللذي سعى صاحبه لتحقيقه، التفاني، الاخلاص، التخطيط، اقتناص الفرص، المحاولة والفشل والاستمرار في المحاولة، التوجيه، الابداع، الانضباط، التفويض، المتابعه والكثير الكثير.
ومن خلال القراءه ستجد عدد من الدروس الأدارية الكبيره، كما سماها د. غازي القصيبي، وسأسردها كما ورد ذكرها في كتابه القيم لتكون قراءه بسيطة ومرجع لكتاب حياه في الإدارة:
1-عليك أن تبدأ بتحفيز الاخرين عن طريق الحب والاحترام، أن تحبهم فتجعلهم يحبونك، وتحترمهم فتجعلهم يحترمونك، وسوف تجد كل رغباتك قد تحققت. عندما يتعذر الوصول غلى الهدف عن هذا الطريق لك أن تلجأ الى الإغراء بالثواب. عندما يفشل هذا المسعى، وعندها فقط، لك أن تلجأ الى أخر العلاج، العقاب أو التلويح به.
2-لا تذهب إلى عمل جديد إلا بعد أن تعرف كل ما يمكن معرفته عن العمل الجديد.
3-اختبر الخدمة التي يقدمها الجهاز، واختبرها بنفسك (الخدمة: تعني المنتج الذي تقدمه المنشئه فإن كانت صحية فادخل كأي مريض الى الطوارئ دون الافصاح عن منصبك، و إن كانت مطعم فإذهب كأي زبون واختبر الخدمة والطعام بنفسك …الخ).
4-لا ينبغي على الرئيس الإداري، مهما كان تعلقه بالمؤسسة التي يرأسها، أن يختلق جدوى لا توجد، و أن يحرص على توسع لا ينفع.
5-لا يجوز مهما كانت عواطفي الانسانية نحو زميل من الزملاء أن أبقيه في موقعه إذا كان بقاؤه يعرض سلامة الأخرين للخطر.
6-على القائد الإداري أن لا يتردد في اتخاذ القرارات الضرورية، حتى ولو كانت مؤلمة.
7-السلطة، مهما كانت واسعة، لا تضمن تحويل القرارات إلى واقع ملموس.
8-هناك ثلاث صفات لا بد من توفرها في الإداري الناجح، الأولى صفة عقليه خالصة، والثانية صفة نفسية خالصة، والثالثة مزيج من العقل والنفس. الصفة العقليه، هي القدرة على معرفة القرار الصحيح. الصفة النفسية، هي القدرة على إتخاذ القرار الصحيح. والصفة الثالثة مزيج من العقل والنفس، هي القدرة على تنفيذ القرار الصحيح.
9-إذا كنت لا تريد أن تسمع سوى “نعم! نعم! نعم!”فمن الأسهل –والارخص- أن تشتري جهاز تسجيل، إما إذا كنت تريد، بالفعل، مشاركة الرجال عقولها فعليك أن تتذرع بصبر لا حدود له. بدون هؤلاء “المتعبين” لم يكن بوسعي تحقيق شيئ، أي شيئ على الإطلاق.
10-إذا كنت لا تستطيع أن تتحمل مسئولية الخطأ الذي يرتكبه أحد العاملين معك فمن الأفضل أن تبقى في دارك. الولاء طريق ذو خطين، و ما أكثر المسئولين الذين يتوقعون ولاء مساعديهم دون أن يكونوا على استعتداد لمقابلة الولاء بالولاء.
11-إذا كنت تريد النجاح فثمنه الوحيد سنوات طويلة من الفكر والعرق والدموع.
12-أن معرفة نواحي الضعف هي الخطوة الأولى نحو بناء القوه.
13-حاول تطبيق الفلسفة التي تحكم عمل الشركات اليابانية “لن نغريك بالدخول ولكن إذا دخلت فسوف نغريك بالبقاء”.
14-لا يمكن لحوار أن يتم في وجود التشنج، أزل التشنج ثم إبدأ الحوار.
15-محاولة تطبيق أفكار جديدة بواسطة رجال يعتنقون أفكاراً قديمة هي مضيعة للجهد والوقت.
16-المال عنصر أساسي في الإدارة ولكنه ليس العنصر الأوحد، وقد لا يكون العنصر الأهم.
17-الإعلام سلاح فعال ولكنه، ككل الأسلحة، سلاح ذو حدين.
18-لا تستعمل سياسة “حافة الهاوية” إلا في الضرورة القصوى، ولا تتردد إذا تطلبت الضرورة القصوى استعمالها، وإياك أن تنزلق من الحافة إلى الهاوية. (سياسة “حافة الهاوية” هي سياسة اتخاذ وتنفيذ قرار مدمر عواقبه وخيمة).
19-“الذين يعتقدون أنهم مهمون يجلسون حيث يعتقدون أنهم يجب أن يجلسوا أما المهمون فعلاً فيجلسون حيث يشأؤون”، و “الكبار لا يهتمون بالصغائر” و أخيراً الجملة الخالدة من تراثنا الاسلامي: “قمت وانا عمر، ورجعت وانا عمر”
20-الدرس الأخير في هذا الكتاب هو درس هام لكل إعلامي وأنا اره درس لكل إداري: “أسلوب الرسالة لا يقل أهمية عن مضمونها، وهذا الاسلوب يختلف من جمهور إلى جمهور ومن بلد إلى أخر”
ما ذكر اعلاه هي 20 درس في صورة مبسطه لكل اداري يرغب و يبحث عن التطوير.