يقول أحد مؤسسي علم إدارة الجودة “إدوارد ديمنغ”: لا يكفي أن تبذل كل جهدك، يجب أن تعرف أولاً ما الذي يجب عليك فعله ومن ثم تبذل في ذلك كل جهدك”
يواجه الممارس الصحي بشكل متكرر مواقف يبذل فيها الكثير من الجهد ولكنه يتفاجأ بأنه قام بعمل غيره أو أنه لم يقم بالعمل الصحيح، فبذل الجهد لا يعني بالضرورة أن يكون ما تم عمله صحيحاً. وفي كثير من الأحيان تكون تعليمات الممارسات الإكلينيكية والسياسات والإجراءات واضحة ومع ذلك يقع بعض الممارسين الصحيين بالخطأ مع أنهم قاموا بالعمل الذي يجب عليهم فعله، ولكن ما رأيكم بمن يضطر لبذل الجهد فيما لا يعرف هل هو إجراء صحيح أو غير صحيح؟ بل قد ينظر في الأنظمة ويقرأ العديد من المقالات العلمية المحكّمة ولكنه يصل إلى نتيجة لا يستطيع فيها أن يعرف ماذا يفعل! وهذا ما يسمى بالمعضلة الأخلاقية.
 المعضلة الأخلاقية هي عندما لا يُعرف ما الخيار المناسب لحل إجراء معين أو حل مشكلة طارئة لوجود “تضارب” بين القيم الأخلاقية (مثل رغبة مريضة أن تكشف عليها امرأة مختصة لا أن يكشف عليها رجل، والمستشفى ليس فيه امرأة مؤهلة لإجراء هذا النوع من الكشف) فهنا حدث تضارب بين القيمة الطبية في الكشف السليم من المختص، والقيمة الشرعية في رغبة المرأة بألا تتكشف عند رجل. ولهذا نجد أن كثير من الممارسين الصحيين يتوقفون ويسألون مشرفيهم ومن هم أكثر خبرة منهم. وتزداد المعضلة الأخلاقية في حدتها وصعوبتها إذا كان المشرف أو صاحب الخبرة لا يعرف لها حلاً. ومن الأمثلة كذلك ما يحتار الممارس الصحي فيه عندما يواجه امرأة عزباء وقد أظهرت النتائج أنها حامل، فلا يسمح له النظام إسقاط الحمل لعدم وجود ضرر يؤدي لوفاة المرأة، فيحتار كثيراً في التعامل مع مثل هذه الحالة لعدم وضوح الأنظمة وصراحتها في ذلك، فيقع بمعضلة أخلاقية لا يدري كيف يحلها ولا توجد أنظمة واضحة تدعمه في حلها.
إن هذه المعضلات تؤثر كثيراً على سير العمل وجودته في القطاع الصحي. وإذا أخذنا بالاعتبار مقولة إدوارد ديمنغ السابقة، سنجد أنه من الصعب جداً معرفة ما الذي يجب فعله في الكثير من المعضلات الأخلاقية. وهنا يتبادر للأذهان سؤال مهم، كيف أستطيع تقعيد الإجراءات لضمان جودتها؟ فنحن في إدارة الجودة نحتاج لإجراء موحّد نستطيع من خلاله تقييم وقياس فعالية الإجراءات ومدى ملاءمتها لصحة وسلامة المرضى. كما أن تكرر حدوث هذه المعضلات الأخلاقية يربك العمل وقد يخطئ الممارس الصحي في اتخاذ الإجراء المناسب مما يؤدي لأخطاء إكلينيكية أو نظامية.
ولهذا، فقد عمدت بعض المستشفيات لإيجاد حلول لمثل هذه المعضلات. فنجد مثلاً أن أحد المستشفيات قد علق لوحة على مدخل عيادات النساء والولادة يوضح فيها أن المستشفى لا يمكنه أن يقدم خدمة الكشف على النساء من قبل النساء فقط، لذلك إذا جاء دور امرأة للكشف وكان دورها عند طبيب وليس طبيبة، فإن المستشفى لا يستطيع التجاوب مع رغبتها في أن يكشف عليها طبيبة. وبهذا، يكون المستشفى اختار قيمة الكشف الطبي السليم على حساب قيمة رغبة بعض النساء بألا تتكشف عند الرجال بغض النظر عن تحقيق رغبة المريض التي قد تربك العمل داخل العيادات.
هذا الحل قد لا يكون صحيحاً، ولكن لا يوجد ما يمنعه حيث أن المستشفى قد برر ذلك بأن قيمة الكشف الطبي السليم من الطبيب المختص يعتبر قيمة أكبر وأهم من تحقيق رغبة بعض المريضات بعدم التكشف عند الرجال. وبالمقابل نجد أن بعض المستشفيات تأخذ برغبة المريضات على حساب الكشف الطبي السليم بمبررات منها أن ذلك من حق المريضة ومن واجب المستشفى تحقيقه.
هذا الاختلاف بين المستشفيات في التعامل مع المعضلات الأخلاقية يدعو للنظر في توحيد الإجراءات بالاعتماد على أفضل الممارسات في ذلك وبما يتوافق مع أنظمة المملكة العربية السعودية والفتاوى المعتمدة فيها والقيم الاجتماعية الراسخة. كما أنه من الضروري حصر هذه المعضلات الأخلاقية وإيجاد حلول وطنية لها بالإضافة لإصدار أنظمة فيها وتعليمات واضحة ليكون الممارس الصحي على معرفة بما يجب فعله في حال واجه مثل هذه المعضلات الأخلاقية، والأهم هو ضمان صحة وسلامة المرضى في وطننا الغالي.

مستشار ومدرب في الجودة والإدارة
زياد بن سلطان الدهام