صناعة الولاء والجودة
أثناء مهمتي الأخيرة وفي خضم رسم الخطة وجدولة الأهداف وقراءة المؤشرات، جاءت إلي صديقتي المبدعة المكلفة معي من إحدى الإدارات وقد كانت منفعلة جدا ومعترضة على موقف حصل معها. حاولت تهدئتها لأفهم ما حصل معها وحكت لي عن مقابلتها لأحد رؤساء الإدارات المجاورة والذي سألها -وبكل جراءة- على حد قولها (تنقلي من إدارتك…؟) كإشارة منه لاستقطاب نشاطها في إدارته أو كتلميح منه بتقدير كبير لمجهودها الفاعل في التحسين وتطوير العمليات الإدارية. استوقفتها: وماذا في ذلك…؟ هو يمنحك فرصة الإنجاز وتحقيق طموحك بالتأكيد. اعترضت بشدة وقالت: هذه إدارتي ومنشأي وخدمت فيها أكثر من سبعة عشر عاماً فيها !! كيف… كيف يجرؤ على هذا التلميح. ؟؟أنا لا أستطيع العمل إلا في إدارتي وتحت غطائها تلك الإدارة التي تعلمت منها وكبرت معها…!!
سرحت في حبها الشديد لمهنتها وافتخارها بما حققته خلال مسيرتها الماضية وتطرقت لمعنى الولاء الوظيفي وأثر تطبيق مبادئ إدارة الجودة الشاملة على الولاء التنظيمي وصناعته مع الاحترام الكبير والخبرة المركزة في مجال ما.
تعتبر إدارة الجودة الشاملة في أي منظمة (إنتاجية أو خدمية) محور الاهتمام الأكبر للقيادة الإدارية التي تعمل دائما من أجل توليد الرغبة لدى العاملين للبقاء والاستمرارية داخل المؤسسة وجعلهم يميلون لبذل المزيد من الجهد لأجل مؤسستهم وتأييد قيمها ودعمها والتفاؤل بها لفترة أطول ونشر السمعة الحسنة لها، وهو ما يصطلح عليه بالولاء التنظيمي.
هنا تداركت سيل أفكاري لكل ما يؤدي إلى تصنيع وتخليق ذاك الولاء في ظل سعي المدراء لترسيخ مبادئهم الخاصة ونيل الفرص لتحقيق مكاسبهم الشخصية ولو على عاتق الموظفين. وبالتالي يختبئ الموظف المميز تحت وهم طموح إدارته وينفي وجود أهدافه الخاصة وطموحاته الذاتية وهذا ما يتنافى مع مبادئ الجودة التنظيمية. فالجودة تنفي المركزية وسلوكيات الاحتكار.
إن الإدارة العليا التي تسعى لتطبيق إدارة الجودة الشاملة تعطي اهتماماً أكبر بالعنصر البشري لأنه يعتبر عنصرا هاما في نجاح أهدافها وذلك بعملها على رفع درجة الولاء التنظيمي لكل موظف في المؤسسة. ولخلق هذا الولاء لدى العاملين يجب قياس مصادر الرضا الوظيفي لديهم وتمكينهم وإعطائهم سلطة أوسع في ممارسة الرقابة وتحمل المسؤولية، وإعطائهم الفرص في استخدام قدراتهم وتشجيعهم على استخدام قراراتهم الشخصية وأحكامهم التقديرية، وحرية التصرف في القضايا التي تواجههم خلال ممارساتهم لمهامهم مع ضرورة تزويدهم بالمعلومات من خلال التدريب والتطوير. وقد أثبتت الدراسات أن الإدارة التي تمنح موظفيها حرية التجريب وتفجير طاقتهم ، يتحول التزامهم مع الوقت إلى تفاني وولاء..
أتحدث هنا أيضا عن جوانب التلاحم الفكري والاندماج الإبداعي وحق المبادرة وتشجيع الحوار للتوصل إلى أفكار جديدة وإسقاط الحواجز المعنوية بين الإدارة والموظف ومنحه الأمن الوظيفي والتعليم المستمر، وإتباع مبدأ التدوير الوظيفي..
أخيراً عدت لصديقتي الغاضبة وقلت. بالفعل…! كيف يجرؤ على هذا التلميح…؟ أتفهم اعتراضك على التكليف في مكان غير إدارتك.
مرحى لك بهذه الإدارة التي استوعبت إن ضعف الجودة يترافق معه عدم الولاء… وقد نجحت إدارتك بمن فيها من أصحاب العقول الإدارية النيرة في صناعة الولاء لها. وآمنت أن من أهم متطلبات إدارة الجودة الشاملة هي صناعة ولاء العاملين فيها. وها أنتِ أولى مخرجاتها.