تردد الحالات غير الطارئة لقسم الطوارئ مشكلة وعي أم مشكلة نظام؟
تزايد عدد الحالات المرضية لقسم الطوارئ أصبحت ظاهرة ملحوظة على المستوى المحلي والعالمي، وهو مؤشرٌ لتساؤل: هل الحالات المرتادة لقسم الطوارئ حرجة أو طارئة؟. مريض يسأل بامتعاض: لماذا طبيب الطوارئ أحالني لمركز الرعاية الأولية؟ وأنا مريض وأشتكي من التواء بمفصل القدم؟. وآخر يشتاط غضباً: لديَّ آلام مزمنة بظهري، وطبيب الطوارئ رفض معالجتي. أليس من أسباب وجود الطبيب معالجة المريض؟ إذن، لماذا يرفض علاجي ويُصر على إحالتي لمركز الرعاية الأولية؟.
أظهر تقرير نشر بواسطة المركز الوطني للإحصائيات الصحية بالولايات المتحدة الأمريكية أن ٤٩٪ من زوار قسم الطوارئ كانت حالاتهم غير طارئة أو حرجة، وأن نسبة استخدام خدمات قسم الطوارئ ارتفعت خلال السنوات الأخيرة. وفي نفس السياق، دراسة أخرى أقامها الباحث وينسلو بالولايات المتحدة الأمريكية توصل من خلالها بأن أكثر من نصف ٩٠ مليون زائر سنوياً لقسم الطوارئ حالاتهم أولية.
استخدام قسم الطوارئ تم تقسيمه إلى قسمين استخدام ملائم وآخر غير ملائم، فالاستخدام الملائم هو ما يعبّر عن الحالات الحرجة أو الطارئة، بينما الاستخدام غير الملائم فهو يرمز للحالات غير الطارئة أو بعبارة أخرى للحالات الأولية. وعرّف مركز جامعة نيويورك للبحوث الصحية والخدمة العامة في بحث نشر في عام ٢٠١٢م الحالات غير الطارئة بأنها حالات لا تحتاج إلى رعاية طبيّة في غضون ١٢ ساعة مثل حالة احتقان في الحلق، بينما الحالات الطارئة هي حالات تحتاج إلى رعاية طبية في غضون ١٢ ساعة مثل حالة الصدمة.
يتساءل أحدهم: ما مدى تأثير تردد الحالات غير الطارئة لقسم الطوارئ؟ في بادئ ذي بدء، أنشئ قسم الطوارئ لهدف تقديم الرعاية الطبيّة الطارئة، فالكادر الطبي مؤهل للتعامل مع الحالات الحرجة أو الطارئة وليس مع الحالات الأولية، لذلك نجد تأثيرها على الحالات الأولية بقسم الطوارئ بأنها لن تتلقى رعاية مستقرة ومتواصلة كما هي متاحة في المراكز الصحية الأولية. دراسة نُشرت في عام ٢٠٠١م تحت عنوان ازدحام قسم الطوارئ، توصل من خلالها الباحث بأن ازدحام قسم الطوارئ كان في عامّتهِ حالات غير طارئة، ونجد في دراسة أخرى بكندا والتي نشرت تحت عنوان ازدحام قسم الطوارئ سببهُ الحالات غير الطارئة، توصلت إلى أن الحالات غير الطارئة أو الحالات الأولية تحُد من موارد قسم الطوارئ والتي خُصصت من أجل الحالات الحرجة أو الطارئة. وفي الجانب المادي، أظهرت نتائج دراسة نشرت في عام ٢٠١٢م بأن تكلفة زائر قسم الطوارئ تبلغ أربعة أضعاف تكلفة زائر مركز الرعاية الأولية.
لنبحث قليلاً عن ماهية الأسباب، وهل هي ذات علاقة سببية بالوعي المجتمعي؟ أم بالنظام؟. في إحدى الدراسات أظهرت نتائجها إلى أن توفر الخدمة بقسم الطوارئ على مدار ٢٤ ساعة يومياً وعلى مدار الأسبوع والحصول عليها في الوقت ذاته كانت إحدى أهم الدوافع لحضور الحالات غير الطارئة أو الحالات الأولية، ونجد مسبّبات هذه الدوافع هي محدودية توفر الخدمة في مراكز الرعاية الأولية. دراسة نُشرت تحت عنوان تكرار استخدام قسم الطوارئ، توصل فيها الباحثان بأن من أسباب تردد الحالات غير الطارئة هي لاعتقادهم بأن حالاتهم طارئة وتستوجب تدخل طبي عاجل. وفي جانب آخر ودراسة أخرى نشرت في عام ٢٠١٢ م أظهرت نتائجها أن من أسباب تردد الحالات الأولية لقسم الطوارئ ضُعف التواصل والتنسيق بين أقسام الطوارئ ومراكز الرعاية الأولية. ونجد دراسة أخرى أشارت نتائجها إلى أن أسباب حضور الحالات الأولية لقسم الطوارئ اعتقادهم بأن الخدمات الطبيّة بقسم الطوارئ أفضل من المراكز الرعاية الأولية.
بعد تفنيد المشكلة والوصول إلى البعض من الأسباب والمسببات يأتي التساؤل عن كيفية تقليل تردد الحالات الأولية أو الحالات غير الطارئة لقسم الطوارئ؟. توصلت دراسة بحثية عن أولى استراتيجيات تقليل عدد الحالات غير الطارئة لقسم الطوارئ هي إستراتيجية تثقيف وتوعية المرضى. نجد أيضاً خيار فرض رسوم رمزية، وهي إحدى الحلول التي تم تطبيقها في الولايات المتحدة الأمريكية وأعطت ثمارها. كذلك خيار تطبيق نظام الفرز وتحويل الحالات غير الطارئة لمراكز الرعاية الأولية هي إحدى الحلول الفعّالة. أخيراً، تعزيز خدمات الرعاية الأولية من خلال توفير خدمات اختصاصية قد تسهم في التقليل من تردد الحالات الأولية إلى قسم الطوارئ.
أسامة عبدالله بن عبدالرحمن
أخصائي إدارة صحّية