Â- الثانية عشرة صباحاً… (أريد النوم…!

كنت متجهة الى مبنى السكن…! بشرى وصديقاتها كوثر وعائشة في أوج نشاطهن. يالصعوبة عملهم…! كنت متعبة جداً. هل سأستطيع النوم، ؟؟ تساءلت…! ومكتب عمليات بشرى هو سريرها الذي يقع بجانبي. هيهات أن أحصل على دقائق بينما تقضي هي وقتها في القلق على تواجد زميلاتها في مواقعهن إما بجانب مصعد سكن النساء أو بجانب مداخل المستشفى وانتهاء فترة الراحة لبعضهن وبداية شفت أخريات. ومابين تقسيم وقتها لتغطيتهن وما بين وقت الاكل والصلاة وتنظيم مهامها مع رئيسها المسؤول يضيع وقت راحتها. ويضيع وقت نومي وانا أراقبها. وفي كل مرة كنت أهددها بتغيير موقع سريرها المزعجة. كانت تغني هي وصديقاتها لأم كلثوم: فــــما أطـــال الـنوم عـــــمراً ولا قصر في الأعمار طول السهر.

ومرت الأيام.

º – الرابعة عصراً… (تداعيات أمنية)

أثناء مروري في قسم الجناح الطبي. أمام غرفة العزل.  كوثر وعائشة.  يقفن بملابس واقية وبكمامات وبالاحتياطات كاملة لتلافي العدوى. ماذا تفعلن. ؟؟ المريضة مصابة بالتهاب رئوي معدي وشديد. أنا: أعلم ذلك ولذلك هي معزولة. أنتن ماذا تفعلن هنا ؟؟إجابة  كوثر: هي ممنوعة من الخروج لاستكمال مناسكها حتى تشفى وذلك لإصابتها المعدية والتي قد تنتقل للحجاج .. ونحن هنا لأنها تحاول الخروج…!

أخذت في شرح بعض الاحتياطات لهن للوقاية من انتقال العدوى وشكرنني… مضيت في طريقي… يالمشقة العمل عليهن وهن لسن من الطاقم الطبي كم أنا فخورة ببشرى وصديقاتها ومحاولتهن الدائمة في حمايتنا .. تتالت على ذاكرتي مواقف عدة احتجت فيها لإحداهن من مسؤولات الأمن أثناء تأديتي لعملي في المختبر وأدركت أهمية دورهن في مساندة العمل الطبي والوقائي في كافة القطاعات الصحية. وعلى الرغم من حاجتنا الماسة لوجود المرأة في مجال الحراسات الأمنية داخل المستشفيات، لكن ما زال توظيفهن ضعيفاً في هذا المجال … وبعد حواري أيقنت انهن يحتجن لعوامل كثيرة لتحسين أوضاعهن كعاملات في المجال الأمني وكذلك الى تطوير للمسار الوظيفي، ويجب ان تكون هناك ترقيات وتأمين طبي واجتماعي وبدلات مجزية. يالهن  من مضحيات ولمهنتهن الكثير من المخاطر.  كوثر وعائشة يعملن طوال العام في مواقعهن بما لا يقل عن تسع ساعات يومياً بلا راحة في ظل أجور وبدلات زهيدة لا تغطي تكاليف المعيشة مع عدم توفر إجازات أسبوعية، فضلاً عن تأخير الصرف، تساءلت هل من المعقول والمنطقي أن نطلب من بناتنا أن يقدمن خدمة مميزة وأن يطورن من أنفسهن في الوقت الذي نقدم لهن رواتب ضعيفة وبلا تأمين طبي، !!؟

º- الرابعة فجراً مرة أخرى… (فجر الالهام)

-الله يرحمك يا ياقوتة…! الله يغفر لك …! الله يسكنك فسيح جناته…!

 اطالت بشرى الدعاء هذه المرة وتلت ابتهالاتها دمعات، تأثرت وقررت أن أسألها. من هي ياقوته. ؟؟

اجابت: انها أمي المتوفية قبل شهر…! 

تركتني وتركت هماً كبيراً بوفاتها وبكت.

تخيلت مشهد رحيل أمٍ روعني واستيقظت جميع حواسي على نحيبها وفي محاولة يائسة لتهدئتها شاركتها الدمع.

وتداركت كم كانت عظيمة تلك البشرى عندما اخلصت في عملها بهذا الشكل رغم وقوف الفقد قريباً على عتبات مشاعرها. لقد حولت طاقة الانكسار بفقدان والدتها الى طاقة عمل كبيرة وانجاز مستمر. فكانت هي الأم القوية الحامية الراعية المسؤولة الحانية. لقد أطلقت عليها اسم بشرى في قصتي هذه فلقصتها بشرة خير لي. اذكر الآن اقتباس يلهمني دائماً “تحرك، فأنت لست الأسوأ في العالم”. لم تستسلم بشرى للدمع وواجهت الألم. كانت مبهرة بتوجيهها  للمشاعر الإيجابية ومحو الشعور بالسلبية والضعف مما نتج عنه قوة وتميز وصمود. ادارت حزنها ببطولة لتظهر الالتزام والانضباط. نعم إن الحياة مليئة بالوديان ولنا اختيار القمم متى أردنا. وكأنها ساومت الصدمة على تحقيق هدفها فنجحت.

طوبى لياقوته وحسن مآب فابنتها بشرى كانت استثنائية بإيجابيتها.

وطوبى لنا حماية ابنة الياقوتة.

وطوبى لنا أولئك المسؤولات. مسؤولات الامن والسلامة في مجتمعاتنا ممن تحملن واجب عظيم ومسؤولية كبيرة للحفاظ علينا وعلى أمننا واستقرارنا.