تتعالى صيحات المهتمين بموضوع الإدمان في ضرورة قيام المجتمع من خلال أفراده وجماعاته ومؤسساته الرسمية وغير الرسمية بتركيز جهود مكافحة المسكرات والمخدرات على ناحيتين هما الوقاية والعلاج.   وعلى الرغم من سلامة هذين المنهجين وأهميتهما القصوى في محاربة المخدرات وفي حماية أبناءنا وبناتنا من شرورها.  إلا أن هناك منهجا، أرى أنه ضروريا ومكملا لهذين المنهجين.  بل إنه لا يحمينا من شر المخدرات فقط بل ومن كثير من المشكلات الاجتماعية.

كما أن هذا المنهج، من شأنه أن يساعد بإذن الله تعالى في بناء مجتمع صحي وفاعل ومنتج. لن أطيل عليك عزيزي القارئ في التعرف على هذا المنهج، فقد طال صبرك.  إن هذا المنهج وهو ليس من اختراعي هو ما يطلق عليه المنهج البنائي أو الإنشائي. وهو منهج معروف في الأدبيات الإنسانية وفي مهنة الخدمة الاجتماعية على وجه الخصوص.

ويتلخص هذا المنهج في أن بناء الإنسان بشكل سليم من شأنه أن يصرفه (بوعي وإدراك ذاتيين) عن كثير من الشرور والمشكلات بما في ذلك مشكلة المخدرات.  كما ان بناء الشخصية بجوانبها المختلفة (النفسية، الاجتماعية، العقلية والجسمية) يساعد بإذن الله تعالى في إيجاد الشخصية القوية والمنتجة والفاعلة.

ويتم تحقق ذلك من خلال عملية مؤداها أن كل فرد منا يمتلك طاقات غير محدودة. وأن تلك الطاقات لابد وأن تجد لها متنفسا تخرج من خلاله.  وقد يكون هذا المتنفس خيرا أو شرا، قال الله تعالى ( إنا هديناه النجدين).  وبقدر توجيه تلك الطاقات وطريقة توجيهها يميل الفرد منا إما إلى الخير أو الشر عبر متصل في نهاية طرفيه إما خير خالص أو شر خالص.  غير أن الخير الخالص أو الشر الخالص هما أمران قليلا الحدوث.

كما أنه إضافة إلى توجيه تلك الطاقة لدى الفرد، فإنه يمكن زيادتها وتنميتها عن طريق التعلم والتدريب والخبرات وإتاحة الفرص.

أما عن آلية بناء الشخصية المنتجة فيمكن تحقيقه من خلال تكاتف جميع المؤسسات الاجتماعية وبأسلوب تكاملي بدأ بالأسرة والمسجد وانتهاء بالأجهزة الرسمية مرورا بالمؤسسات الطوعية والخيرية.  كما أن بناء الشخصية لا يقتصر على توفير الحد الأدنى من الخدمات والبرامج التربوية والتعليمية والتدريبية والعملية، بل يمتد ليشمل تقديم خدمات وبرامج متنوعة بحيث تتناسب وجميع أفراد المجتمع وفئاته على اختلاف ميولهم ورغباتهم.

ولابد لنجاح ذلك البناء أن يتم بطريقة متناسقة ومتلائمة دونما تعارض أو تضارب.  فلا تقوم الجامعات مثلا بقبول وتخريج تلك الأعداد الهائلة من الطلاب والطالبات ثم يجد هؤلاء أنفسهم بلا مؤسسات توظفهم، أو دون إتاحة الفرصة لهم لممارسة تخصصاتهم عن طريق مؤسسات خاصة بهم.

إن بناء الإنسان أيضا لا يقتصر على القيام بتعليم العلوم فقط، بل يتعداه إلى الإعداد والتهيئة العلمية والعملية والمهنية وكذا المهارات الاجتماعية عن طريق التدريب والإكساب.  فمن الصعب أن يزج بالشباب للعمل في أسواق الخضار مثلا دون اعدادهم وتدريبهم على بعض المهارات الأساسية كمهارات البيع والشراء، ومهارات التعامل مع الزبائن.

إننا لكي نساعد في بناء الإنسان، لابد أن نهيئ الفرد منذ الصغر ونرعاه في جميع مراحل نموه بما يتناسب مع كل مرحلة.  فلابد من زرع قيم اجتماعية وبنائية مثل حب العمل، استثمار الوقت، عدم الاتكالية، الاستقلالية، فن أخلاقيات التعامل، الأخلاقيات المهنية، الإقبال على الأعمال الفنية والمهنية وعلى الكسب الحلال.

أيضا لابد من تخطيط ورسم البرامج والخدمات التي ترمي إلى بناء الفرد والقيام على تنفيذها ومن تلك البرامج والخدمات القضاء على البطالة، استثمار أوقات الفراغ، فتح الدورات التدريبية، توجيه الشباب، توفير الوظائف، وتسهيل واتاحة الفرص.

 

د. عبدالعزيز الدخيل

استاذ الخدمة الاجتماعية المساعد