فيتامين (و) وفيتامين (ع) !!
انتشرت ثقافة في المجتمعات وهي أشبه بما يكون اعتمادا للعديد من الأشخاص في قضاء حوائجهم عليها حتى أصبحت تسمى بالفيتامين، ومن المعروف أنّ الفيتامينات (علميا) هي : عبارة عن مواد عضوية توجد في الطعام وتعتبر أساسية للنمو وإعادة بناء الأنسجة.
فالفيتامين الذي شاع وأصبح بدلا من أن يكون عنصرا مهما لنمو الشخص وفكره صار جزءا من الهدم المجتمعي، فيتامين (و) كما جاءت تسميته مجتمعيا هو نفسه (الواسطة) وهي نوعين والنوع المقصود هو النوع السيئ والذي لا يحق للمتوسط أن يتوسط لطالب الواسطة بغير وجه حق أو بظلم لطرف ثالث هو أحق وأكفأ في الأمر المتوسط فيه !!
جاءت الشريعة وأقرت الشفاعة الحسنة وفي نفس الوقت ذمت الشفاعة السيئة (الواسطة/ فيتامين (و)) قال اللَّه تعالى : ( مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا ) النساء/85 .
وقال عليه الصلاة والسلام عندما أتى أسامة بن زيد وهو ابن حبّ النبي عليه الصلاة والسلام ليشفع في رفع الحد عن المرأة المخزومية التي سرقت : ((أَتَشْفَعُ فِي حَدٍ مِن حُدُودِ الله ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ قَالَ يَا أَيُّهَا النَاسُ إِنَّمَا ضَلّ مَنْ قَبْلَكُم أَنّهُم كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّريْف تَرَكُوه وَإِذَا سَرَقَ الضَعِيف فِيهُم أَقَامُوا عَلَيِه الحَد وَأَيَّمُ الله لَو أَنَّ فَاطِمَة بِنتُ مُحَّمد صَلى الله عَليْه وَسَلمَ سَرَقَت لَقَطَعَ مُحمد يَدَها((.
ففيتامين (و) هو من الأمور الخطيرة والهدّامة للمجتمعات حيث يدخل فيها الكذب والظلم للآخرين بل ربما يصل إلى شهادة الزور والرشوة وهما من كبائر الذنوب في الدين.
وأما من الناحية الدنيوية والقانون الأرضي فلقد تم النص في المملكة في نظام مكافحة الرشوة الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/ 36وتاريخ 1412/12/29، فقد نصت المادة الرابعة من النظام على ما يلي: “كل موظف عام أخل بواجبات وظيفته بأن قام بعمل أو امتنع عن عمل من أعمال تلك الوظيفة نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة يعد في حكم المرتشي “.
ولكن الأمر يختلف جزئيا حينما نتحدث عن ما أسميته بفيتامين (ع) وهو ما أعتبره مقابلا للفيتامين الأول وربما يكون بديلا مناسبا وهو (العلاقات) وبناؤها.
الله خلق البشرية بعضها لبعض ولن يستطيع العيشَ شخصٌ دون توطيد العلاقات مع الآخرين إلا في حالات مرضية نفسية – عافانا الله واياكم منها – يقول جل في علاه : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات:13[
بناء العلاقات والتعارف بين الناس هو ركيزة مجتمعية لا غنى عنها ومن استلهمها لن يحتاج الواسطة في حياته، فعندما تخلق العلاقات مع الجميع وتصبح ذو معرفة بكفاءة عملك واتقانه ستبدأ الشفاعات الحسنة بالوصول إليك دون طلبها ولو طلبتها في ظل النظام لأتتك.
فعَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً ، فَقَالَ : يَا أُمَّ فُلاَنٍ ، انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ ، فَخَلاَ مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ ، حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا. أخرجه أحمد ومسلم وداوود
غير أننا يجب أن نكون جميعا في خدمة بعضنا كمجتمع قبل الوصول إلى ذلك الفيتامين الهدّام ! ولو حاول كل موظف جاهدا في حل مشكلات كل مراجع ومحاولة تقديم له كل ما يمكن من الخيارات لما توجه للواسطة لأن ما أراده تم وبالطريقة النظامية !!
وصلتني قصه – الله أعلم عن صحتها- ولكن العبرة بها يقول قائلها :
“تفاجأت في اختبار مادة ” العلاقات العامة” الذي أعده دكتور كندي يحتوي على سؤال واحد فقط ، لكنه سؤال ذكي جداً وعليه درجة عالية !!
فقد كان السؤال:
ما الاسم الأول لعامل النظافة في الجامعه عندنا ?!!!
صعقني السؤال ، لقد دخلت قاعة الإمتحان مملوء بالثقة خاصة بعد أن درست أياماً طويلة وحفظت نظريات في العلاقات العامة ومن كتب مختلفة لأكون جاهزاً للإجابة على عشرة أسئلة وفي أصعب النظريات، ولكن كل ذلك لم يشفع لي أن أجيب على اسم عامل النظافة !!
صرت أنظر لورقة الإجابة البيضاء تماماً كعقلي في تلك اللحظة ومستحضراً ابتسامة عامل النظافة الأسمر الذي كان يمر أمامي عشرات المرات يومياً و دون أن أٌكلف نفسي بالحديث معه أو سؤاله عن اسمه، والنتيجة النهائية أنه لم يجب على السؤال سوى طالب واحدا من أصل ١٦ طالبا !! “
فيتامين (و) هو فساد مجتمعي باهض الثمن واستبداله بفيتامين (ع) هو جزء من الحل الذي ربما يتطلب جهدا كبيرا لدى من تشبع بالواسطة.
أسامة بن سلمان
OSama_BS@