يشهد هذا العصر نموًا مذهلا في مختلف العلوم المعرفية وتطورًا ملحوظًا في الاستفادة من هذه المعرفة للتكيف مع المتغيرات التي تهدد حياة البشر. ولعل أحد أكثر المجالات توسعًا والتي يجب أن يكون المجتمع على معرفة بها هو المجال الصحي، إذ لابد أن تسعى المؤسسات الصحية إلى البحث والتطوير ونشر الوعي بين الناس وخاصةً بعد انتشار الأمراض وازديادها في الآونة الأخيرة.

يعد الوعي والتثقيف الصحي ركيزة أساسية في مراحل تحسين جودة الحياة للمجتمع وضمان بيئة صحية ومستقرة. فكلما زاد وعي الفرد بشكل خاص والمجتمع عامةً قلت المخاطر والأضرار وحفظت الأرواح. وللحصول على درجة الوعي المطلوبة نحن أولا بحاجة إلى دراسة وبحث عميق ومفصل حول ظاهرة معينة من قبل المختصين وثانيا نشر هذه المعرفة لكافة أفراد المجتمع لتطبيقها وتحقيق الهدف بالحد من إنتشار أو زيادة هذه الظاهرة. فالوعي بالشيء هو حالة صحية إيجابية تعكس فهم الإنسان لمحيطه، من صعوبات وتحديات، ومواطن قوة وضعف، وتضعه في الموقع المناسب لتحديد الخطوات والاستراتيجيات اللازمة، بما يحقق الوصول للمراد في أقرب وقت وبأدنى كلفة وأقل خسارة فالوقاية خير من العلاج. فحين يكون المجتمع مدركاً لواقعه وملماً به، فإن المجتمع حينها سيحقق النهوض الحضاري ويوفر بيئة مثالية للتطور والنمو. ويهدف التثقيف الصحي أيضًا إلى تبنّي الأفراد لنمط حياة صحّي وسليم يساعد على تحسين سلوكهم عن طريق التأثير على معتقداتهم واتجاهاتهم، وتطبيق ذلك على مستوى الفرد والمجتمع.

الوعي والتثقيف الصحي يساعد في بناء معرفة تراكمية لدى أفراد المجتمع الحالي والمستقبلي لغرس وترسيخ سلوكيات إيجابية اتجاه صحة العقل والبدن. فالغاية المرجوة من نشر الثقافة الصحية هي تحسين الصحة العامة على مستوى الفرد والمجتمع وزيادة متوسط معدل الأعمار والتقليل من نسبة حدوث الأمراض وتقليل آثارها وتحسين جودة الحياة للمجتمع. ويُستعان على ذلك بوسائل مختلفة، مثل تثقيف الأفراد في العيادات، والقيام بالأيام التوعوية، وكذلك اللقاءات المفتوحة مع الفئات المستهدفة، والمحاضرات والندوات، وتوزيع النشرات الصحية والكتيبات وعبر وسائل الإعلام كالصحف والمجلات ووسائل التواصل الإجتماعي وغيرها.

في السنوات الأخيرة الماضية بدأت الحملات التوعية الصحية بالإنتشار في المجتمع بشكل واسع من قبل المؤسسات الصحية والجامعات والجمعيات الخيرية والتطوعية بهدف زيادة الوعي الصحي سواء بالتقليل من الآثار السلبية أو زيادة الآثار الإيجابية على الصحة العامة للفرد والمجتمع. فخلال كل سنة أشهد تطورًا ملحوظًا في كثافة وجودة المحتوى المطروح خلال هذه المبادرات والتي في كل مرة تغطي شريحة كبيرة ومختلفة من أفراد المجتمع. فتقوم هذه المبادرات الصحية بالتركيز على تحسين المشكلات الطبية من خلال التعليم والتدريب الوقائي، وإرشاد الأشخاص حول كيفية التعايش مع المرض من خلال الأنشطة التعليمية والتثقيفية المصممة من قبل المختصين في المجالات الصحية، ومعرفة السلوكيات الخاطئة التي قد تؤدي إلى العديد من الأمراض. 

هناك العديد من البرامج الصحية التوعوية والتثقيفية التي لاحظت إهتمام المؤسسات الصحية والجامعات بها مثل برامج الكشف المبكر وبرامج التوعية السلوكية. ولعل أحد أقرب الأمثلة والذي دائما ما يقام خلال شهر أكتوبر وهو حملة الكشف المبكر عن سرطان الثدي. الكشف المبكر عن سرطان الثدي يعد أهم العوامل التي تساهم في علاج الأورام السرطانية والتخلص منها نهائياً. فوقت الكشف عنها يحدد مصير نجاح العلاج ونسبة الشفاء منه، حيث يؤكد الأطباء المختصون بالأورام السرطانية أن اكتشاف الأورام السرطانية في مراحله الأولى يمكنه أن يُعجّل من عملية العلاج وبالتالي يرفع نسبة الشفاء منه. وقد تغيب هذه المعلومة عن فئة كبيرة من نساء المجتمع أو قد يشعر بعض النساء بالحياء من السؤال وذلك بسبب التقصير في التثقيف والتوعية الصحية. 

في الختام أود أن أنوه أن هذه الحملات التثقيفية لها دور مهم في بناء مجتمع مثقف وواعي بما يحيط بهم من أخطار يجب الحذر منها لضمان توفر بيئة صحية للعيش خالية من الأمراض. وأيضا أود أن أنوه على القائمين بهذه الحملات التوعوية ضرورة التجديد والإبداع في طرح المحتوى واختيار الطرق التي تناسب الفئة المتلقية لضمان تحقيق الأهداف المرجوة من هذه الحملات.    

 

أ/ياسر هادي

@hadi_yasser