من حقوق الإنسان الأساسية بلا شك هو حصوله على رعاية صحية ذات جودة تضمن له ممارسة حياته بشكل طبيعي وسليم، ومن دلائل تطور المجتمعات في عصرنا الحاضر هو تطور أنظمتها التي تحكم شؤونها المختلفة في ديننا الإسلامي، العدالة والرحمة بين الناس هي من المبادئ التي تقوم عليها النظم الإسلامية الحاكمة لجميع نواحي الحياة، والتي تميزت بشمولها وسمو أهدافها.لم يكن غريبًا على الأطباء المسلمين أن يهتمُّوا بالبعد الإنساني في تعاملهم مع المريض؛ لأن قوانين التشريع الإسلامي تنطق بهذا النهج الأخلاقي الفريد؛ فالإسلام ينظر إلى المريض على أنه إنسان في أزمة، ومن ثم يحتاج إلى من يقف إلى جواره، ويأخذ بيده، ويرفع من معنوياته، ويهدِّئ من روعه، ويخفِّفُ عنه آلامه الجسدية، فضلاً عن المعنوية. هذا البعد الإنساني العميق الذي زرعه فينا الشرع الإسلامي الحنيف جعل الأطباء المسلمين في كل عصور الحضارة الإسلامية يتعاملون مع المريض على أنه إنسان، وليس على أنه شيء لا إحساس له، ولا على أنه مصدر للرزق عن طريق أخذ الأجر منه، بل كان التعامل معه دائمًا على أنه إنسان في أزمة، ويحتاج إلى من يقف إلى جواره؛ فلم تكن المساعدة طبية فقط، وإنما تعدَّت ذلك إلى المساعدة النفسية والاجتماعية والاقتصادية.

يقوم المجتمع المسلم على مجموعة من النظم التي قررتها الشريعة الإسلامية والتي بدورها تساهم في حفظ حقوق جميع أفراد المجتمع. تعد مهنة الطب ورعاية المرضى من المهن العظيمة والتي ترتبط بشكل مباشر بحياة الإنسان وصحته ومشاعره. وقد تميزت مهنة الطب منذ فجر التاريخ عن غيرها من المهن لما تتطلبه من علم غزير وخلق قويم، وتفان في الأداء، وإنكار للذات ورحمة بالناس جميعا دون تميز. ومع مرور السنين، تطورت هذه المهنة ووضعت لها آداب وأخلاق تدرسها كليات الطب لطلبتها، وتفرضها الهيئات الطبية في مختلف دول العالم.وأيضا وضعت كثير من الدول أنظمة وقوانين تحدد الاشتراطات اللازمة لمزاولة المهن الطبية، وتضبط تصرفات الأطباء، وتحدد مسؤولياتهم، وتنظم علاقتهم فيها وعلاقتهم مع مرضاهم.فمن المحزن أن نرى بعض الأطباء والممارسين الصحيين الأكفاء الذين يهملون هذا الجانب فنراهم متميزين فيما يتعلق بالجانب العلمي والمهاري، ولكنهم مقصرين في تواصلهم مع المرضى فتختفي ابتسامتهم وكلامهم الطيب الذي يخفف على المرضى ويقلل من آلامهم. ويصبح تعامل الممارس الصحي مع المرضى هو روتين يومي خال من المشاعر واللطف الأمر الذي يشعر المرضى بالقلق وعدم الارتياح ويفقدهم الثقة بمن يعتني بهم وبالتالي يؤثر هذا سلبا على جودة وكفاءة الرعاية الصحية المقدمة.  

يتمثل الدور الكبير للمهنيين الصحيين في توفير الرعاية الصحية المناسبة في الوقت المناسب وفقًا لأخلاقيات المهنة. دور أخلاقيات المهنة وممارستها مهم لضمان حصول المرضى على حقوقهم، لاسيما في ضمان الرعاية الصحية الكافية. على الممارس الصحي أن يتعلـم أولا كيـف يتعامـل نفسيا مـع المرضى قبـل أن يشـرع في علاجهم. فـلا يكفـى أن يكــون الممارس الصحي حاذقا في أمــور العلاج والتطبيب، ولكن يجب عليه أن يتعلم كيف يحترم مرضاه ويحفظ لهم خصوصيتهم وأسـرارهم حتـى على المقربين منهم.فالمريض أمانة فيعنق الممارس الصحي وهو مطالب شرعاً وقانوناً ومهنياً وأخلاقياً بتقديم كل مساعدة له تساعده على تجاوز حالة المرض إلى حالة الصحة لو كان بإمكانه ذلك.تقوم العلاقة بين الممارس الصحي والمريض على أساس الثقة بين الطرفين، والأمانة، فعلى الممارس الصحي أن يقدم الرعاية الطبية اللازمة لمرضاه والتي تقتضيها احتياجاتهم الطبية بتفان وإتقان ساعيا لتحقيق مصلحة المريض، محترما كرامته، مراعيا حقوقه، وذلك في إطار الأخلاق التي تمليها الشريعة الإسلامية وواجبه المهني.

يتمتع الممارس الصحي في المجتمع بموضع عال من الثقة، ولذا فالمجتمع منح الممارس الصحي مكانة اجتماعية خاصة غير متاحة لغيره من أفراد المجتمع. وبالمقابل يتوقع المجتمع من الممارس الصحي استخدام تلك المكانة لخدمة المريض والالتزام بمعايير الأخلاق العالية في تصرفاته وسلوكه، وعلى الممارس الصحي أن يسهم في خدمة المجتمع من خلال مهنته، وبكل إمكاناته حسب ما تقتضيه المصلحة العامة للمريض بشكل خاص وللمجتمع بشكل عام.

 

 

أ/ياسر هادي 

ماجستير تصوير طبي وعلوم الأشعة.

@hadi_yasser