بقلم/ أ.ناصر السبيعي

 

مع انطلاق برنامج تحول القطاع الصحي والذي سوف يسهم في تطوير المنظومة الصحية عامةً ورفع جودة الرعاية، والخدمات المقدّمة، حيث يأتي برنامج تحول القطاع الصحي، كأحد برامج رؤية المملكة 2030.

ولكن هناك ما  يواجه نظام الرعاية الصحية في المملكة من تحديات ثمانية اساسية والتي تعمل الأهداف الاستراتيجية الأربعة للبعد الصحي على مواجهتها، ومن هذه الأسباب الرئيسية التي أدت إلى هذه التحديات: ضعف في التكامل بين الرعاية الأولية والثانوية والتخصصية وفي التوزيع المتوازن لها على مستوى المملكة، بالإضافة إلى وجود حاجة لتطوير خدمات الرعاية الموسعة مثل إعادة التأهيل والرعاية لمرضى الإقامة المديدة والرعاية المنزلية، كما أن هناك حاجة لتعزيز كفاءة إدارة تشغيل الأسرّة الطبية وفق مستوى الرعاية.

وقد تم إطلاق عدد من المبادرات التي تعد قائمة وركيزة أساسية لنجاح استراتيجيات التحول الصحي، ومن ضمن هذه المبادرات: مبادرة نموذج الرعاية الصحية الحديث حيث تهدف هذه المبادرة إلى رسم خارطة مسارات لتقديم خدمات الرعاية الصحية ابتداءً بالرعاية الوقائية التي تعزز الصحة وتجعل المستفيد شريكاً في مسؤولية الحفاظ على الصحة، امتداداً إلى كافة المسارات التي تعالج مختلف التحديات الصحية، ويتم ذلك من خلال تصميم ستة مسارات لتقديم خدمات الرعاية الصحية من ضمنها: الرعاية المديدة، والرعاية التلطيفية.

وهنا نأتي الى مفهوم الرعاية طويلة الاجل Long Term Care, والتي يطلق عليها احيان بالرعاية المديدة: وهو الذي يغيب عن المجتمع او البعض ممن يعمل في مجال الرعاية الصحية و القطاع الصحي في المملكة او الوطن العربي ان صح القول, و لذلك يرجع لعدة اسباب لربما سنتطرق لذكرها لاحقاً.

قد يطرأ على البعض عند ذكر الرعاية المديدة بأنها رعاية خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة او دور للمسنين ولربما ذهب بهم الاعتقاد بانها فقط رعاية تلطيفية لتخفيف اعراض الالم والامراض الخطيرة. ولكن مفهوم الرعاية المديدة مختلف بعض الشيء, فالرعاية المديدة LTC تتمحور غالباً على تقديم العديد من الخدمات والدعم المتواصل من رعاية طبية ورعاية تمريضية وصحية وكذلك فندقية منزلية, لفترة وجيزة او قد تكون طويلة لتتعدى الخمسة وعشرين يوما واكثر. مع ارتفاع نسب النمو السكاني ومع تقدم العمر، يرتفع خطر الإصابة بالأمراض المزمنة إلى جانب مخاطر الإعاقات المرتبطة بالحوادث المرورية وغيرها وكذلك الأمراض المزمنة مثل أمراض الرئة والسكري وايضا فقدان السمع والبصر وصعوبة الحركة المرتبطة (بالتهاب المفاصل) والأمراض المعرفية مثل الخرف و مرض الزهايمر. ومن هنا يزداد الطلب على الرعاية المديدة, بحيث أن الاشخاص المصابين او المعرضين للإصابة او كبار السن يصعب عليهم او على ذويهم مع تزايد الاعمال والمسؤوليات الاعتناء بهم و تقديم احتياجاتهم بالشكل المطلوب.

فالرعاية المديدة تختلف عن المستشفيات والرعاية الأولية والثانوية والتخصصية والتأهيل والرعاية المنزلية ودور المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة, فالرعاية المديدة يتم تزويد المقيمين فيها بخدمات مما يتناسب مع احتاجتهم من اجنحة خاصة وطعام علاوة على ذلك توفير الرعاية الطبية والتمريضية وغير الطبية على مدار 24 ساعة طوال أيام الأسبوع وتهيئة مكان مناسب للمرافقين وايضا يمكن للموظفين المعنيين الاعتناء بترتيب اسرة المقيمين وتحضير والتأكد من تناولهم الأدوية وتنظيف الغرف وأكثر من ذلك في بيئة مريحة حيث يتم توفير الأنشطة الاجتماعية والترفيهية أيضًا و غيرها من الخدمات.

في المملكة العربية السعودية كانت هناك الرعاية المنزلية وغيرها من دور المسنين هي الرائجة فيما يتعلق من تقديم الرعاية المستمرة من وقت الى اخر, ومع تزايد الطلب على الشواغر من الاسرة في المستشفيات والدور وجدت الحاجة الى منشآت الرعاية المديدة, على الرغم من تواجدها الطفيف في المملكة او بما اطلق عليها مستشفيات خاصة صغيرة مزدوجة والتي تلجأ الى تأجير جزء من اسرتها الى المستشفيات الكبيرة بسبب طول مدة مكوث المرضى المنومين فيها في العناية المركزة وما الى ذلك. و بالتالي تعاني نقص بالأسرة و من تزايد بأعداد المرضى والطلب. حتى بدأت المبادرات هنا وهناك,  فصار عدد المنشآت الخاصة بالرعاية المديدة بتزايد على الرغم من نقص المعلومة والبينات بأعدادها الا هناك نمو ملموس من بداية طور الاستراتيجية للتحول الصحي ومبادرة نموذج الرعاية الصحية الحديث والذي يهدف الى تطوير الخدمات الصحية والتي منها الرعاية طويلة الامد والتوسع بها وإنشاء السياسات و المعاير الخاصة بها محلياً وتثقيف العاملين فيها وتطويرهم مما يتوافق مع معاير الرعاية طويلة المدى.

على غرار المستشفيات العامة ومنشآت الرعاية الاولية  وغيرها من مراكز التأهيل والرعاية المنزلية, فأن الرعاية الممتدة لها سياسات ومعاير واعتمادات مختلفة نوعا ما عن نظيراتها من المستشفيات العامة في المملكة عموماَ, مما يدعو المعنين الى البدء بطرح او انشاء بما يسمى معاير محلية للمنشآت الرعاية المديدة والرعاية التلطيفية و التي في اعتقادي لم ينشئ حتى الان, مما يجعل اعتماد هذه المنشآت الحديثة غالبا على الاعتمادات والمعاير الدولية, وهذه الاعتمادات لربما لديها سياسات وتشريعات قد تختلف من بلد الى بلد مما يدعو الى المقاربة بين الاعتماد المحلي والدولي والذي يتطلب فهم وادراك رحلة المريض منذ دخوله الى ما بعد خروجه واحتياجه ومتطلبات الاستشفاء وما الى ذلك.

ولفهم الحاجة للرعاية طويلة الاجل، نحتاج إلى فهم عملية إدارة رعاية المرضى الكاملة، من الخروج من الرعاية الحرجة والعنايات المركزة إلى إعادة التأهيل، وإلى الحاجة لمرافق الرعاية طويلة المدى وما بعد الحالات الحرجة التي بحاجة لرعاية قصيرة الامد، واستقطاب الاطباء وطاقم تمريض والممارسين الصحيين وكذلك العاملين من المؤهلين من ذوي المهارة و الخبرة, وتثقيفهم بما يخص مجال الرعاية المديدة مما يسهم في فهم وتطوير وتقديم الرعاية والخدمة ذات الجودة العالية.

وهناك الكثير من الفائدة المرجوة والمأمولة بدراسة ووضع خطة للحالات ولتحويل المرضى إلى رعاية ما بعد الحالة الحرجة والخطرة من مرافق العناية المركزة وغيرها بدلاً من الخروج المباشر إلى منازلهم وتكون غالبا استشفائية و تلطيفية.

ومع تزايد الطلب على السياحة العلاجية ورحلات الاستشفاء الى الخارج فيما مضى, ازدادت الحاجة الى الاهتمام بإنشاء مرافق مشابهة نوعا ما لتلك التي في الخارج مما يساعد على الاستشفاء وتخفيف الالم المرضى والمعاناة في آن واحد ولو كانت على المدى البعيد.

وتماشيا مع الاستراتيجية لخطة التحول الصحي في المملكة المندرجة تحت رؤية 2030 ونظام الخصخصة الذي بدوره مشجعا للاستثمار, مما يجعل القطاع الصحي لدينا بيئة خصبة استثمارية للمستثمرين والشركات المهتمة, ويسهم في تطوير النظام والقطاع الصحي بشكل عام, وربما يذهب بنا التفكير جلياً بالاستثمار بالمناطق السياحية في المملكة و خلق مجتمع و بيئة صحية ذات طابع صحي انساني حضاري و انشاء المرافق الطبية ودور الرعاية المديدة من اجل نمط حياة صحي حيث يكون التعافي والاستشفاء في بيئة مريحة طبيعية بدلاً من بيئة مستشفى نموذجية ذات طابع روتيني مما يصعب الاستشفاء والتعافي, فإن التركيز وجعل الصحة وعافية المجتمع اسلوب استثماري داخل المنتجعات الصحية وغيرها، وهذا من شأنه ان يكون تأثير إيجابي على المدى الطويل من خلال تقليل الطلب على كل من مستشفيات الرعاية الاولية والتخصصية وأسرة العناية المركزة وكذلك مرافق الرعاية طويلة الأجل ومرافق إعادة التأهيل داخل المملكة، من المناسب التفكير بالمناطق السياحة كمواقع مثالية لتطوير مرافق الرعاية الصحية والرعاية الصحية الوقائية لخلق مجتمعات ومدن صحية وبها تتحقق المعاني النبيلة لروية 2030 بإذن الله.

أ.ناصر السبيعي

@nasseralsabaie