بقلم/ م. صفوان حسين النخلي

الإدارة والقيادة الصحية

 

 

 

” أداء العمل الصحيح من أول مرة وفي كل مرة “

 

هذا هو التعريف السائد والأشهر للجودة، ورغم بساطة كلماته وبراقة عباراته إلا أنه ينطوي تحته منظومة معقدة لتحقيق مفهوم الجودة، ولكن – في اعتقادي – الجودة الحقيقة لن تتحقق ما لم تتشكل في المنظمة ثقافة الجودة (Culture of Quality)، وذلك بأن تصبح الجودة ممارسة معتادة في كل لحظة ومن كل فرد داخل المنظمة وفي جميع أقسام وأجزاء المنظمة، وهذا ما أدركه أرسطو منذ زمن فقد ذُكر عنه أنه قال ” الجودة عادة “، فلن تتحقق الجودة بفاعلية عندما يقاوم قسم إدارة الموارد البشرية – مثلاً – الجودة ولم تكن ثقافة لدى أفراده مما سيؤثر سلباً على تطبيق معايير الجودة داخل المنظمة بأكملها.

أكرر .. لن تكون جودة فاعلة ما لم تكن ممارسة معتادة لدى جميع منسوبي المنظمة.

جميعنا يعلم؛ أن صناعة العادة لدى الفرد وهو جزء من مجموعة أفراد المنظمة بل أساس بنيتها يتطلب صناعة نموذج فكري (Paradigm) لديه أولاً والتي مع الوقت ستنعكس على سلوكه ومن ثم على ثقافة المنظمة ككل.

إن صناعة النموذج الفكري (Paradigm) سيكون أكثر سهولة عندما يكون من قيم المنظمة عند تأسيسها، ولكن الصعوبة كل الصعوبة عندما تصبح “الجودة” قيمة طارئة على المنظمة وتتطلب صناعة نموذج فكري جديد (Paradigm Shift) لتصبح ثقافة.

بنظرة عامة للأساليب المتبعة لجعل الجودة ثقافة في المنظمات نجد أن السعي لحصول المنظمة على شهادة جودة معتبرة، ولا عيب في ذلك طبعاً، إلا أن المشكلة تكمن في جعل شهادة الجودة غاية نهائية، فالحصول عليها أشبه باستعداد لامتحان في كل فترة اعتماد أو تجديد فتستنفر المنظمة لذلك بجميع مرافقها ولكن سرعان ما تعود لعادتها (ثقافتها) الأولى بمجرد الاجتياز، وهذا ما أعزوه – برأيي – إلى طريقة فرض تلك الشهادة أو الاعتماد من قبل قياديي التأهيل لها في تلك المنظمة، بأن تكون طريقة فرض دون تثقيف أو تحفيز يوازي في قوته الفرض بلا ويتجاوزه.

ولعل ذلك من الأسباب الجوهرية التي جعلت شهادة الجودة في بعض المنظمات مجرد ورقة، فنجد بعض المنظمات الحاصلة على شهادة جودة معتبرة تحدث حوادث تصنف بأنه جسيمة، كان بالإمكان تلافيها لو كانت الجودة ثقافة وليس مجرد تهيئة للحصول على شهادة.

ومن جانبي كمختص وحريص على جودة المنظومة الصحية؛ أدعو لأن تكون الجودة ثقافة في المنظمة الصحية وليس مجرد تسابق في الحصول على شهادات، كما أدعو لأن نركز على شهادة معايرية واحدة لنفس القسم من المنظمة، بدلاً من التشتت في شهادات متعددة قد لا يكون لها الأثر المرجو.

وأخيراً؛ لا أقول بأن صناعة ثقافة الجودة أمر سهل ويسير وبالخصوص عند الرغبة في  صناعة نموذج فكري جديد (Paradigm Shift) ، ولكنه حتماً غير مستحيل وإن كان يحتاج لبرامج متعددة لصناعة ذلك النموذج الفكري الجديد، وعلى رأس تلك البرامج أن تكون الجودة كقيمة ضمن قيم قيادات المنظمة فضلاً عن أصغر منسوبيها وعدم التنازل عن ذلك أبداً‘ فكما يقول عراب الجودة ديمنج (Edwards Deming): “الجودة مسؤولية تقع على عاتق كل فرد من أفراد المنظمة”.

 

الرسالة: معاً لنجعل الجودة ثقافة.