إختبار المارشملو وفن التحكّم في الذات The Marshmallow Test
أطلق اسم “اختبار المارشملو” على تجربة شهيرة يتم فيها إعطاء الطفل قطعة “مارشملو”وتحفيزه على الانتظار مدة من الزمن تصل إلى 15 دقيقة قبل أن يلتهمها. فإذا ما انتظر الطفل وقاوم رغباته وضغوط الحلوى اللذيذة. تتم مكافأته بقطعة أخرى. فالتجربة تعكس صراع الانسان الأزلي بين أن يستمتع الآن برغباته الصغرى، أو يؤجلها – قدر المستطاع- في سبيل تحقيق أهدافه الكبرى. وقد كشفت اختبارات“المارشملو” المتعددة أن مقاومة رغبات الذات ممكنة وسهلة لدى بعض الأطفال، في حين كانت صعبة للغاية لدى بعضهم الآخر. ثم أتضح أن القدرة على مقاومة الإغراءات تعتمد على بعض الظروف، وعلى طريقة تفكير الشخص، ومعنى الشعور بالرضا والسعادة بالنسبة له: حيث يمكن للشخص تخفيف الشعور الشديد بالإغراء أو تأجيل الشعور بالمتع حتى يتحقق التحكمّ في الذات بإتباع عمليات واستراتيجيات ذهنية وعقلية متعددة.
الطاقة التنفيذية
هي جزء من نظام التهدئة الحاسم في عملية التحكّم في الذات، وهي تشمل المهارات الذهنية التي تساعدنا على التحكّم الواعي في الأفكار والدوافع والأفعال والمشاعر. كما تمنحنا هامشاً من الحرية لصدّ وتهدئة الدوافع العفوية، وفي التفكير وإعادة توزيع وتركيز الانتباه بشكل مرن يسمح لنا بالسعي نحو تحقيق أهدافنا.
خصائص الطاقة التنفيذية لدى مؤجلّي المتع
جميع الأطفال الذين استطاعوا الانتظار بنجاح كانت لديهم استراتيجيات خاصّة للتحكّم في الذات، ولكنّهم أيضاً اشتركوا في ثلاث من الخصائص الوظيفية للطاقة التنفيذية:
أولاً: كان عليهم تذّكر هدفهم الذي اختاروه وإمكانية تحقيقه
ثانياً: كان عليهم مراقبة تقدّمهم نحو هدفهم والقيام بتعديلات المسار الضرورية لنقل أو تغيير مجال انتباههم وإدراكهم أنهم يوجهون أفكارهم نحو الهدف لتقليل الشعور بالإغراء
ثالثاً: كان عليهم ضدّ ردود الفعل العفوية التي قد تمنعهم من تحقيق هدفهم
استراتيجيات البالغين لتأجيل المُتع الفورية
التحكّم في الذات هو السمّة الأساسيّة لبناء حياة إيجابية وسعيدة، ولكن هناك سمات أخرى مهمّة يمكن أن تحمينا من التأثيرات السلبية الناتجة عن التعرّض للضغط ووضع حجر الأساس للسلوك القوي الذي يُمكن تهذيبه وتأديبه وهي:
الحذق والاتقان: الايمان بالقدرات عامل مساعد في تحديد التصرفات والسلوكيات الخاصة، وكذلكالقدرة على التغيير وتوسيع التجارب والتعلّم من الخبرات والسيطرة على مجريات الأمور ومواجهة تحديّات جديدة.
التفاؤل: المتفائلون مستعدّون بدرجة أكبر لتأجيل الشعور بالرضا الفوري، وذلك بسبب إرتفاع درجة الطموح لديهم والتطلّع إلى النجاح بشكل عام.
التفكير بالسبب والنتيجة: من خلال شحذ نظام التحفيز واستدعاء ردّ الفعل المرغوب فيه، قد تتكون مع مرور الوقت علاقات أو عادات جديدة.
التفكير بالذات المستقبلية: عندما يتخيّل الانسان نفسه في المستقبل بشكل مستمر، يصبح أكثر استعداداً وتأهباً للتضحية بالكثير من المّتع الحاضرة في سبيل الوصول إلى ما سيكون عليه في المستقبل، كما سيأخذ في الحُسبان كيف ستؤثر أفعاله الحالية على مستقبله.
الحيّل النفسيّة
تلعب الحيّل النفسيّة دوراً مهماً في تنشيط التحكّم في الذات في وجه الإغراءات، كما تلعب دوراً حاسماً في الجهود المبذولة لتنظيم وتخفيف المشاعر المؤلمة. وهذه الحيّل مٌدعمّة بجهاز المناعة النفسية الذي يعمل ببراعة في الحفاظ على احترام الذات وتقيلي الشعور بالضغط، كما يجعل معظم الأشخاص يشعرون بالسعادة معظم الوقت، فهو بساعدنا أن نرى الأشياء الجميلة في الحياة، مما يمنع الشعور بالضعف والانهماك في المتع السريعة.
أمّا إذا توقفنّا عن هذه الرؤية الوردية والايجابية للحياة فقد تزداد مخاطر الاصابة بالاكتئاب. إلاّ أنّ التفكير هكذا طوال الوقت يؤدي إلى المبالغة في الأوهام التفاؤلية وتقبّل المخاطرة. وإذا استخدمنا نظام التهدئة لمراقبة وتصحيح التشوهّات من منظور هذه الرؤية الوردية للحياة، فربما نتمكّن من تجنب العجرفة وبعض مخاطر فرط الثقة.
إن المناعات النفسية التي تحمينا من الشعور بالبؤس قد تساعدنا في تطوير الشعور بالقوة والفاعلية في حياتنا، وهو ما يُنشّط التوّقعات التفاؤلية التي تعمل بدورها على خفض الشعور بالضغط والمحافظة على الصحة النفسية والبدنية.
د. أميرة عبد الرحمن أحمد برهمين
باحثة / إدارة الجودة وسلامة المرضى / مارس 2018م