تجربة / نظرية القرود الخمسة

 

  • أحضر خمسة قرود وضعهم في قفص ، وعلِّق في منتصف القفص حزمة موز، وضع تحتها سلماً. بعد مدة قصيرة ستجد أنَّ قرداً لنسميه القرد أ ما من المجموعة سيسارع كي يرتقي السلم محاولاً الوصول إلى الموز. والآن !، كلما حاول القرد أ أنْ يلمس الموز، ينبغي عليك أن تطلق رشاشاً من الماء البارد على القردة الأربعة الباقين في الأسفل وأرعبهم!! بعد قليل سيحاول قردٌ آخر القرد ب أن يعتلي نفس السلم ليصل إلى الموز، والمطلوب منك أن تكرر نفس العملية، رش القردة الباقين في الأسفل بالماء البارد. كرر العملية أكثر من مرة! بعد فترة ستجد أنه ما أن يحاول أي قرد أن يعتلي السلم للوصول إلى الموز ستمنعه المجموعة خوفاً من ألم الماء البارد.
  • الآن، أبعد الماء البارد، وأخرج قرداً من الخمسة إلى خارج القفص، وضع مكانه قرداً جديداً القرد س 1، هذا القرد لم يعاصر حادثة الماء البارد، ولم يشاهد شيئاً مما جرى داخل القفص. سرعان ما سيذهب القرد س 1 إلى السلم لقطف الموز، حينها ستهب مجموعة القردة المرعوبة ألم من الماء البارد لمنعه وستهاجمه. ستجد أن القرد س 1 مستغرباً من القرود، ولكن بعد أكثر من محاولة سيتعلم القرد س 1 أنه متى حاول قطف الموز فإنه سينال عقاباً قاسياً من مجتمعه لا يعرف سببه ولا يتبينه.
  • الآن أخرج قرداً آخر ممن عاصر حوادث رش الماء البارد غير القرد س 1، وأدخل قرداً جديداً عوضا عنه، ليكن القرد س 2. ستجد أن نفس المشهد السابق يتكرر من جديد. القرد س 2 يذهب إلى الموز بكل برآءة وسذاجة، بينما القردة الباقية تنهال عليه ضرباً لمنعه. بما فيهم القرد س 1 على الرغم من أنه لم يعاصر رش الماء، ولا يدري لماذا يعاقبه أبناء مجتمعه، كل ما هنالك أنه تعلم أن لمس الموز يعني عقاب المجتمع. لذلك ستجده يشارك، ربما بحماس أكثر من غيره بكيل اللكمات والصفعات للقرد الجديد القرد س 2، وربما يعاقبه كي يشفي غليله من عقاب المجتمع له.
  • استمر بتكرار نفس العملية، أخرج قرداً ممن عاصر حوادث رش الماء، وضع قرداً جديداً.
  • النتيجة: سيتكرر الموقف. كرر هذا الأمر إلى أن تستبدل كل المجموعة القديمة الجيل الأول/القديم ممن تعرضوا لرش الماء حتى تستبدلهم بقرود جديدة! الجيل الثاني/الجديد في النهاية ستجد أن القردة ستستمر تنهال ضرباً على كل من يجرؤ على الاقتراب من سُلم الموز. لماذا ؟، لا أحد منهم يدري!!، لا أحد من أبناء المجتمع يدري حقيقة ما يجري، لكن هذا ما وجد المجتمع نفسه عليه منذ أن تَكَوَّن!

 

نظرية ساخرة يتداولها الناس كثيراً هذه الأيام، وهي في الحقيقة مهمة، يطرحها البعض كدرس تذكيري في علم الإدارة، كما يطرحها آخرون كنظرية اجتماعية تحكي واقع معين لمجتمع من المجتماعات البشرية. فلا حياة بدون تغيير، فهو طبيعة كل كائن حي، والإنسان الذي يرفض التغيير يمكن تصنيفه ضمن فئة الجماد، لأن الجماد هو الشئ الوحيد الذي لا يتغير في هذا الكون.. وفي علم الإدارة فان تحدي الوضع الراهن وادخال التغيير هما مفتاح اللأبواب الذي يستطيع الإنسان من خلاله أن يعمل أفضل ما عنده، والتحدي هو البيئة الحافزة على التفوق.. ولعل أخطر ما يواجهه الموظف هو التبلد والجمود في تأدية مهام الوظيفة بشكل روتيني معتاد، فهو بذلك يتحول إلى آلة صماء تتحرك ضمن نطاق محدود، وخط سير معروف لا يمكن تغييره.. وهنا يأتي الفرق بين المبدع والجامد، فالأول يوجد بينه وبين التغيير والتجديد ارتباط وثيق، بينما الثاني يدور حول زاوية ضيقة لايكلف نفسه عناء النظر لأبعد منها.. خبراء الإدارة وضعوا بعض المبادئ لزرع حب التغيير في نفوس الموظفين وهم يرون أنه من الضروري أن يعامل الإنسان كل وظيفة على أساس أنها مغامرة جديدة.. في الوقت نفسه عليه أن يكرر السؤال التالي على نفسه دائماً: إذا كنت سأبدأ العمل الآن، ماذا سأفعل؟ وإذا كان هناك مجال أمام الموظف لعمل الأشياء بصورة مختلفة فليبدأ فورا في تنفيذ هذه الأشياء بالطريقة غير الاعتيادية.. ومن هنا تبدأ قصة مكافحة البيروقراطية والروتين والإجراءات المطبقة بنفس الطريقة ونفس الأسلوب.. في تجربة أشبه بالدعابة قدمت الإدارة الحديثة درساً مهماً لكل الموظفين، هذه  التجربة تعرف بنظرية القرود الخمسة

 

جبل القرود :

 

جبل القرود أو (عدم قبول مهام الآخرين وتنفيذها نيابة عنهم)، في هذا الكتاب يرى الكاتب أن كل شخص له قروده الخاصة به والتي يجب عليه أن يتعامل معها (والقرد هنا: المهمة أو الواجب). ولذا فإن الكتاب يتحدث عن خطورة قبول قرود الآخرين واستضافتها في مكتبك أو منزلك.. لأن ذلك سيعني أنك بعد مدة وجيزة ستشعر بالضيق الشديد من تكاثر القرود لديك وازدحام مكان عملك بها، مع تمتع الآخرين بالفراغ وعدم الانشغال بسبب لجوء القرود الخاصة بهم إلى مكتبك! والحل كما يقول صاحب الكتاب أن تمتنع من إدخال أي قرد إلا مع صاحبه، بحيث يأخذ قرده أثناء ذهابه، وإن استطعت أن ترسل قرودك للآخرين فذلك أمر حسن، حيث سينشغلون هم بأداء مهامك.

يقول العوشن: وقد كنت قبل هذا الكتاب سريع التقبل لمهام الآخرين، حريصا على إرضاء الآخرين، وعلى عدم تحميل الآخرين هموم العمل وتكاليفه، لكنني بعد قراءتي لهذا الكتاب عقدت العزم على التخلص الفوري من كافة القرود، فناديت كل زميل سبق أن أوكل إلي مهمة خاصة به، واتفقت معه على أحد خيارين: إما أن ننجز المهمة سوياً وفوراً بحيث يقوم بأداء جزء من المهمة ثم نقضي على القرد، وإما إن يأخذ عمله (قرده) إلى مكتبه ولا بأس أن أدرّبه على كيفية أداءه وأعلمه كيف يروّضه. فما أن صنعت ذلك حتى أحسست أن كثيراً من الهموم التي كنت أحملها تجاه (المهام غير المنجزة) قد ولت إلى غير رجعة، وصار كل واحد من زملائي يشعر بأن هذه المهام هي مهامه هو ليست مهام الآخرين وأن عليه أن يتحمل المسئولية كاملة تجاهها، ويكون دوري هو – فقط – التأكد من قيام كل واحد منهم بدوره على الوجه الأكمل، ولا بأس من أن أشير عليهم برأيي في كيفية إنجاز المهمة لكنني ظللت أردد لكل من يكثر من استشارتي: (هذا قردك.. تفاهم معه بالطريقة التي تناسبك، ولا تشغلني بقرودك فلدي ما يكفيني). وبعد مدة يسيرة من تطبيق سياسة (تهجير القرود) تنفست الصعداء وقلت: جزى الله صاحب “جبل القرود” خيراً، فقد أحسن إلي بكتابه هذا كثيراً..

 

 

والخلاصة من هذا الكتاب هو معرفة كل شخص لقروده (مهامه) بحيث تكون واضحة من حيث (مسؤلياته، كيفية تعامله معها، وأهم نقطة هي عدم قبول أي قرد من قرود الآخرين)، فلكل شخص قروده الخاصة به وهو الوحيد المكلّف بإنهائها والتخلّص منها أول باول حتى لا تتراكم عليه القرود وتتكاثر في مكتبه ويضطر إلى طلب المساعدة في التخلص منهم.

 

 

إعداد: د. أميرة عبد الرحمن برهمين

باحثة / مستشفى النور التخصصي

سبتمبر 2016