لقد أصبح تحليل السياسات مهمًّا جدًّا في اتخاذ القرار المبني على الأدلة، لا سيما تحليل سياسات الصحة العامة التي تمس حياة الفرد والمجتمع، ومن المهم على المدى البعيد وجود منهج لحوكمة إنشاء السياسات الصحية وتحديثها وتقييمها.

 

ويرى كولينز أنه إذا أردنا أن نبدأ في تحليل السياسة، فيجب تسليط الضوء على الهدف من السياسة ومدى فائدتها في تحقيق النتائج المرجوة وقياس أثرها في الواقع، سواء كانت السياسة تستهدف حل المشكلة استهدافًا مباشرًا أو غير مباشر، وسواء كان أثرها كبيرًا أو غير كبير.

 

وفي هذا المقال نستعرض منهج بارداش في تحليل السياسات الصحية، والذي يرتكز على الأسس التالية:

  • تحديد السياق.
  • استعراض المشكلة.
  • البحث عن الأدلة ومراعاة السياسات المتشابهة.
  • استعراض النتائج.
  • تطبيق معايير التقييم على السياسة المراد تقييمها.
  • اتخاذ القرار.

 

 

يبين هذا المنهج الخطوات المطلوبة للوصول للهدف المنشود، وستكون بداية العمل على هذا المنهج من أعلى الهرم وتطبيقه أولًا على الدولة المراد تحليل سياساتها الصحية.

 

تختلف الدول من حيث قوة وتنظيم نظام الرعاية الصحية، ويجب مراعاة أن لكل دولة معتقدات ومصالح وطنية وقيودًا سياسية واقتصادية واجتماعية؛ مما يؤثر على اتخاذ القرار في السياسات الصحية، وهذا ما تركز عليه المرحلة الأولى في وجوب إنشاء ملف تفصيلي عن البلد، والتركيز فيه على تقديم سياق تاريخي للسياسة الصحية، ثم فهم العوامل الاجتماعية والاقتصادية للمشاكل الصحية، وتُعَد هذه الخطوة أساس تحليل السياسات الصحية.

 

وقبل أن نتطرق للمرحلة الثانية في المنهج (تحديد المشكلة)، لا بد أن نعرف المشكلة الصحية، وهي حالة لها تأثير سلبي فوري أو طويل المدى على صحة المجتمع، ويجب توفر ثلاثة عوامل لتكون المشكلة جديرة بالدراسة، وهي:

1- وجود تفاوت بين الوضع الحالي والنتيجة المخطط لها.

2- عدم وضوح سبب التفاوت.

3- وجود خيارات متعددة لحل المشكلة.

 

 

بعد تحديد المشكلة، تُجمَع الأدلة كالبيانات القيمة التي قد تساعد في تحديد العناصر المهمة والحساسة للمشكلة الصحية المراد تحليلها وكيف يمكن معالجتها أو التخفيف من حدتها، ثم نتجه إلى خيارات السياسة المتشابهة، وهي من الأدوات الداعمة التي يستفيد منها محلل السياسات في استعراض ما سبق عمله والدروس المستفادة منه، كما يمكن الاستفادة منها في إبعاد السياسات التي لم تُجدِ نفعًا واضحًا في السابق، وعند الانتهاء من تحديد المشكلة وخيارات السياسة المتشابهة تُستعرَض نتائجها وتُطبَّق معايير التقييم على السياسات.

 

وتتكون معايير التقييم من أسئلة موضوعية يُجاب عنها للوصول إلى السياسة المرجوة، ومن هذه الأسئلة:

1- هل تساهم السياسة في الاحتياجات الصحية للسكان المستهدفين؟

2- كيف نقيس تقدمنا من ناحية الأهداف المرجوة ومقارنتها بالنتائج الفعلية؟

3- كيف نقيس فعالية هذه السياسة في تحقيق أهدافها؟

4- ما أثر هذه السياسة على الصحة العامة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية؟

 

 

وأخيرًا لا توجد غالبًا قواعد محددة يجب اتباعها في إنشاء أو تحديث السياسات الصحية، بل توجد اختلافات واجتهادات من كل منظمة أو دولة في التعامل مع السياسات الصحية؛ لذلك يؤثر وجود منهج واضح مبني على الأدلة تأثيرًا عاليًا في حوكمة السياسات الصحية، وإذا كان حوكمة السياسات الصحية يؤثر على قوة السياسة الصحية، فقياس أثر السياسة الصحية على الجانب السياسي والاجتماعي والاقتصادي هو نقطة انطلاق لعمل قاعدة صلبة في مسار تحليل السياسات الصحية واستمرارها.

 

 

 

بقلم/ أ. فهد الصالحي

أخصائي صحة عامة