صدرت موافقة المقام السامي الكريم بتأسيس شركة الصحة القابضة وتنظيم مركز التأمين الصحي الوطني إيذانًا ببدء مرحلة مفصلية وهامة من مراحل التحول في نظام الرعاية الصحية بالمملكة، فكيف سينعكس ذلك على رفع جودة الأداء في القطاع الصحي وتعزيز مبدأ الرعاية الصحية المعتمدة على القيمة؟ قبل الشروع في الإجابة على هذا السؤال، لابد لنا من التطرق لمفهوم جودة الرعاية الصحية وتعريف القارئ بمبدأ الرعاية الصحية المعتمدة على القيمة. ومع أنها مفاهيم أساسية سيتبناها النموذج الحديث للرعاية الصحية، إلا أنه لا يوجد إجماع على تعريف موحد لكل منها وهو ما يعتبر تحدٍ بحد ذاته. أحد الأسباب يكمن في اختلاف تفسير هذه المفاهيم من قبل الشركاء الرئيسين في عملية الرعاية الصحية وهم: (1) المريض (2) مقدم خدمات الرعاية الصحية (3) ممول خدمات الرعاية الصحية. السبب الآخر هو تباين ظروف أنظمة القطاع الصحي وإدارته بين الدول مما جعل هذه الأنظمة تتبنى تعريفات لهذه المفاهيم تناسب مع ظروف مواردها ومجتمعاتها، وهو النهج الذي تبنته المملكة. لهذه الأسباب وغيرها، كثيرًا ما يفضل المهتمون باقتصاديات الصحة إلى توصيف أبعاد وركائز هذه المفاهيم بدلًا من الإنكفاء على التعريف اللغوي فقط.

يعتبر تعريف معهد الطب من أكثر التعاريف الشائعة لجودة الرعاية الصحية، وهو يعرفها بأنها “الدرجة التي تزيد بها خدمات الرعاية الصحية المقدمة للأفراد والمجتمع من احتمالية النتائج الصحية المرجوة وتتوافق مع المعرفة المهنية في الوقت الحالي”. وهو نفس التعريف الذي تستخدمه وكالة أبحاث وجودة الرعاية الصحية – وهي إحدى المؤسسات الرائدة في قياس الجودة في الولايات المتحدة. تعريف سابق صاغه دونابيديان في عام 1980م يصف فيه جودة الرعاية الصحية بأنها “أقصى قدر متوقع أن تحققه الرعاية الشاملة المقدمة للمريض، بعد الأخذ بعين الاعتبار الموازنة بين المكتسبات والخسائر المتوقعة التي تتخلل عملية الرعاية في كامل أجزائها”. أما المفوضية الاوروبية ومنظمة الصحة العالمية فقد وصفتا جودة الرعاية الصحية بأنها تلك التي تستجيب لاحتياجات وتفضيلات المريض وتقوم على الطب المبني على البراهين، وتقدم في الوقت المناسب بكفاءة وفعالية تراعي معايير السلامة وتتعامل مع المستفيدين بإنصاف وعدالة. يلاحظ في التعريفات السابقة للجودة، التركيز على أن تكون التدخلات والممارسات الإكلينيكية متوافقة مع الممارسات الطبية المبنية على البراهين، ويغيب عنها بعدًا مهمًا جدًا وهو قياس نتيجة تلك التدخلات والممارسات من وجهة نظر المريض وأثرها عليه.

جاء مفهوم الرعاية القائمة على القيمة – “الرعاية الصحية الحكيمة” بحسب المصطلح الذي اقترحه مركزتعزيزالرعاية الصحية في المملكة – ليكمل الجانب المفقود ويركز على القيمة الحاصلة من التدخلات الطبية من وجهة نظر المستفيد منها (المريض) مقابل تكلفة تقديم تلك الرعاية. بين عامي 2006 و 2013، وفي معهد الإستراتيجية والقدرة التنافسية ومقره كلية هارفارد للأعمال، اقترح مايك بورتر وإليزابيث تيسبرج نظامًا جديدًا للرعاية الصحية  يقوم على أساس القيمة ويُقصد بها “النتائج الصحية التي يتم تحقيقها مقابل كل دولار يتم إنفاقه”. وفقًا لهذا النموذج يتم تمويل والدفع لمقدمي الخدمات، بما في ذلك المستشفيات والأطباء، بناءًا على النتائج الصحية من منظور المستفيد والتي تُقاس على امتداد دورة الرعاية الصحية المحددة للمرض/الحالة الصحية. فلكل حالة صحية/ مرض، هناك دورة رعاية صحية وهي عبارة عن النموذج المثالي للرعاية المقدمة لذلك المرض يشمل جميع الخدمات الصحية المقدمة من ناحية الممارسة والتكاليف، ويمتد من الوقاية والاكتشاف المبكر للأمراض – مرورًا بالتشخيص والعلاج انتهاءًا بالتعافي وإعادة التأهيل للوصول إلى استدامة الصحة على المدى الطويل. تختلف دورة الرعاية الصحية من حالة مرضية إلى أخرى، وقد يتباين تطبيقها ونتائجها من منطقة إلى أخرى لأسباب لا يتسع المجال إلى التطرق إليها. 

إن الضغوطات المتزايدة التي تعاني منها الأنظمة الصحية حول العالم وشح الموارد يجبرها على الإسراع في تبني وتطبيق برامج تحول تهدف إلى إصلاح الخلل القائم، وهو ما يتطلب إشراك ممارسين صحيين ومراكز من مختلف التخصصات تعمل كفرق متكاملة (مثل التجمعات الصحية)، لا تتوقف مسؤولياتهم عند تقديم رعاية متكاملة تستند إلى البراهين وتتمحور حول المستفيد واحتياجاته وتفضيلاته، بل تتجاوزها إلى المساهمة في تحقيق النتائج المرجوة من منظور المستفيد للوقوف على المخرجات (Outputs) والنتائج (Outcomes) والأثر النهائي (Impact) وقياسها على امتداد سلسلة أو دورة الرعاية الصحية المقدمة للمستفيد تراعي مبادئ الرعاية الحكيمة. لذلك استبشر القائمون على القطاع الصحي في المملكة بأن تُحدث القرارت الحديثة آثارًا إيجابية على أداء القطاع الصحي بالمملكة.

 

بقلم/ د. أسامة فلاته 

طبيب غير ممارس و مهتم بالسياحة الطبية وتحسين تجربة المريض 

و دعم المرضى