استشعار مسبق، قراءة حاذقة، تدخل مبكر، إجراء حازم ومن ثم وصول حتمي لبر الأمان، هذا بالضبط ما يجب الحرص عليه عند حلول أي أزمة صحية، فكما تعلم عزيزي القارئ فإن مفهوم علم إدارة الأزمات يتمحور حول العمليات التي تتضمن التنبؤ بالإشكاليات والأزمات المتوقعة وتحديد الإجراءات الممكن أو المفروض إتباعها حال حدوثها بهدف السيطرة والتعامل مع وضع مفاجئ أو طارئ، بل ويتعدى المفهوم حل المشكلة الآنية ليشمل منع حدوثها من الأصل ومعالجة مسبباتها كي لا تحدث من الأساس أو تعاود الحدوث في المستقبل.

إن المطلع على الأزمات على مدار الأزمنة وخاصة الصحية منها، يعي أهمية عملية احتواء الأزمات التي تعتبر فنًّا بحد ذاتها، ورغم تنوع الأساليب والإستراتيجيات إلا أن الأهداف منها تتلخص في التالي: السيطرة على الأزمة عبر تقليل الأضرار، ومن ثم ضمان استقرار الوضع وصولًا إلى مرحلة التعافي منها.

ولنا في التعامل مع جائحة كورونا التي حلت علينا في العام 2020 واستمرت لقرابة السنتين، خير مثال، فنرى أن الدول عالميًا تسابقت للحد من انتشار الإصابات وتقليل الوفيات وعلاج المرضى، فنرى مثلًا في المملكة العربية السعودية أخذت القيادة الرشيدة المتمثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين سمو الأمير محمد بن سلمان شديد الاحترازات والأساليب الوقائية والقرارات الحكيمة، فشُكلَت لأوامرهم اللجنة العليا الخاصة باتخاذ الإجراءات الاحترازية والتدابير اللازمة لمنع انتشار كورونا المستجد بقيادة معالي وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة وعلى أثرها جُهِّزت عيادات الفحص “تطمن”، وتطبيقات الفحص والتفاعل مع الكادر الصحي عن بعد، ومراكز الفحص من المركبات، وخصصت الميزانيات الضخمة لتوفير التطعيم لكل مواطن ومقيم على أرض المملكة، بل وحتى أخذت القيادة الحكيمة خطوات أبعد عبر فرض حظر التجول للحد من المخالطة الاجتماعية غير الضرورية وبالتالي انتشار العدوى والوفيات.

كما اتجهت دول أخرى إلى سياسات صارمة بشكل مختلف، فنرى مملكة البحرين بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة رئيس اللجنة التنسيقية للتصدي لكورونا، قد طبقت استراتيجية مذهلة ساهمت في خفض الإصابات، فكانت تأخذ بتنفيذ الإغلاق والفتح للمحلات والمتاجر -باستثناء الصيدليات والمخابز ومتاجر التموينات والخضروات والفواكه- بحيث يتم إغلاقها لمدة أسبوعين قابلة للتمديد ثم فتحها أسبوعين في حال قلت الإصابات، في محاولة لتوليد رقابة ذاتية لدى كل من يقيم على أرض البحرين، ومن ثم قاموا بتطبيق سياسة الإشارات الضوئية، حيث يرمز كل لون إلى مرحلة أخرى من التعامل مع الجائحة ونوع الإجراءات الاحترازية، بحسب عدد الإصابات والوفيات والمرضى في العناية المركزة.

كل الأمثلة المذكورة أعلاه إنما هي خير دراسة حالة ينبغي إضافتها إلى كتب علم إدارة الأزمات، خاصة وأن الأزمات عادة تقع بصورة فجائية، مما قد يُصعب عملية اتخاذ الإجراءات المناسبة في حينها، وبالرغم من ذلك فإن استراتيجيات التعامل المذكورة لهي أفضل ما تم إثبات نفعه ونتيجته.

بإعتقادي أن أهم ما يجب فعله بعد تجاوزنا جائحة كورونا كوفيد 19 -ولله الحمد-، خاصة وأن أنظار العالم متجهة بخوف نحو الجائحة القادمة، جدري القردة أو غيره، أن يتم وضع استراتيجيات لأزمات مفترضة قد تقع مستقبلا، أي القدرة على “التنبؤ المستقبلي” لأية أحداث بحسب المؤشرات التي ترصد وذلك عبر التدريب على وضع خطط التعامل مع الأزمات ووضع السيناريوهات لأزمات مختلفة، والاستفادة من خبرات الطواقم التي أخذت بيدنا -مشكورة- من بعد الله إلى بر الأمان خلال جائحة كورونا.