الميزانيات الصحية وحاجتها إلى معايير قياس الأداء
فالميزانية الحالية لا تلتفت ولا تمكن صانع القرار من الاستثمار في تطوير مستوى الخدمات الصحية لأن تطويرالخدمات ” الجودة” لا يلقى درجة الاهتمام نفسها بتشييد المباني لأن أرقام التشييد يمكن حسابها في ميزانية line item budget بينما أرقام التطوير ورفع الجودة يصعب قياسها. وقس على ذلك المخرجات الصحية الأخرى.
كما أن هذا النمط من الميزانية يجعلنا نعيش حول أرقام مجردة ومفرغة من محتواها لا تعكس بالضرورة مستوى الخدمات المقدمة. بمعنى أننا أصبحنا ننظر للإنجازات كأرقام تتضاعف سنويا دون أن نشعر بهذه الأرقام على أرض الواقع. فمثلا احتساب عدد المراحعين لمراكز الرعاية الأولية أو أعداد المراجعين لبعض المستشفيات الطرفية لا يعكس حقيقة الأعداد المستفيدة من خدماتها. فلا يعني- مثلا – أن أعداد الزائرين لمراكز الرعاية الأولية أن هذه المراكز قدمت لهم الخدمات الصحية التي يحتاجون إليها. فزيادة أعداد مراجعي مراكز الرعاية الصحية قد يعني زيادة عدد الحالات المحولة للمستشفيات سواء القطاع الخاص أو العام وليس بالضرورة أن تلك المراكز قدمت بالفعل خدمات علاجية أو وقائية لهم.
هذه الأسباب وغيرها دفعت البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية لإعادة النظر إلى مقايس النظام الصحي بحيث أصبح قياس كفاءة الأداء من أهم مخرجات أي نظام صحي. فلم تعد العناية بكفاءة الأداء خيارا بل ضرورة لكل نظام صحي. بل إن نظام الميزانية الحالية line item budget من صور الميزانيات التي لا تؤيدها منظمة الصحة العالمية. فمثلا في اجتماعات منظمة الصحة العالمية لدول منطقة الشرق الأوسط كان تركيز المنظمة على دعم المحفزات لرفع كفاءة أداء النظم الصحية لدول المنطقة. بل إن وجود حوافز تعزز كفاءة الأداء هو ما تشجعه المنظمة خلال الورش العلمية وإللقاءات العلمية التي أقامتها خلال هذا العام.
لذا فإنني أجد أن ترشيد الإنفاق يجب أن يربط بجودة البرامج الصحية. لذا فلابد من تغيير نمط الميزانية من line item budget إلى ميزانية الإنجاز performance budget أو global budget . هذا النمط من الميزانيات يساعد الحكومة على ترشيد الإنفاق من جهة ويدعم البرامج التي تسهم في تحقق مخرجات حقيقية لا مجرد أرقام مجردة لا تعكس واقع الخدمات المقدمة للمستفيدين من الخدمة.