تقرير الجودة الصحية_إعداد: بيداء كفية

 

فرض الله سبحانه وتعالى الصوم على المسلمين في السنة الثانية للهجرة بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183]. والله تعالى لا يكتب شيئاً على عباده إلا إذا كان فيه مصلحة ومنفعة لهم، فالصوم صحة لبني البشر وله فوائد لا يمكن حصرها, وقال رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: (صوموا تصحّوا).

  وقد أثار الصيام انتباه ودهشة الأطباء منذ قديم الزمان، حيث ظل الصوم طريقة علاجية تتناقلها أجيال الأطباء.

  ففي مرجع طب التبت الكبير نشجوديش في القرن السادس قبل الميلاد، خصص فصلا كاملا للصيام تحت عنوان العلاج بالطعام و العلاج بالصوم . وعرف المصريون القدماء الصوم ، وبشهادة هيرودوت (450 ق.م.) تبين أن المصريين القدماء كانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر ، وكذلك الصوم الكبير لأكثر من شهر من كل عام . كما عرف اليونانيون القدماء فائدة الصيام فنادى (أبو قراط) باتباع الصوم لعلاج الكثير من الأمراض الباطنية والخارجية.

وقد عرف أطباء المسلمين الصوم كعبادة وعلاج في آن واحد ، فكان ابن سينا يفضل الصوم على الدواء ويقول : إنه الأرخص ، ويصفه للغني والفقير ، وإبان الحملة الفرنسية في مصر في القرن 18 م ، اتبعت المستشفيات الصيام كعلاج لمرض الزهري، حيث عدوا الصيام قاتلا للجراثيم المسببة للمرض.

 

الصيام وأثره على:

* الكبد:

يتمثل دور الكبد الأساسي خلال فترة الصيام في العمل على حفظ مستويات الجلوكوز (مصدر طاقة الخلايا) في الدم وذلك من خلال عدة مسارات:

 1) زيادة معدل تكسير الجلايكوجين: وهو عبارة عن مادة تخزن بكميات محددة في الكبد، وينتج عن تكسيرها جزيئات جلوكوز، وفي المتوسط يمكن لمخزون الجلايكوجين في الكبد حفظ مستويات الجلوكوز في الدم لفترة في حدود 12 ساعة.

2) صنع جلوكوز جديد: للكبد أيضًا القدرة على تصنيع جزيئات الجلوكوز من بعض المواد الخام التي تتوافر لديه مثل بعض أنواع الأحماض الامينية والمركبات الأولية الأخرى، وتبدأ هذه الخطوة إذا استمرت ساعات الصيام لفترة أطول مما يمكن للجلايكوجين وحدة مسايرتها.

على جانب آخر .. وجدت بعض الدراسات التي استهدفت اكتشاف تأثير الصيام على مرضى الكبد أن نسبة كبيرة من الحالات المستقرة في فترة ما قبل رمضان لا يحدث لها أي آثار سلبية بسبب الصيام في رمضان.

 

 

*الجهاز الهضمي:

في شهر رمضان تقل حركة الأمعاء وتقل إفرازات العصارة الهضمية والمعوية وغيرها، وبذلك تطول فترة راحة الجهاز الهضمي وتتحسن الكثير من الأمراض المرتبطة به والتي من أخطرها السمنة ، والأمراض ذات العلاقة بالضغوط النفسية والعصبية مثل تهيج القولون والانتفاخات والتهابات المعدة المزمنة.

ومن أهم الفوائد التي يجنيها الصائم هي تخفيف الوزن والتخلص من الزائد منه. إذا اشارت العديد من الدراسات العلمية الحديثة إلى أن الصوم في رمضان يؤدي إلى التخفيف من وزن الجسم. وهذا التخفيف بدوره يحمي الإنسان من الكثير من الأمراض المرتبطة بالسمنة والتي من أخطرها ارتفاع ضغط الدم والسكري (النوع الثاني) والنقرس وانسداد الشرايين واحتشاء عضلة القلب.

 

 

*المناعة:

تشير الدراسات المتوافرة في الوقت الحالي إلى أن هناك ارتباط بين صيام رمضان وبين انخفاض بعض العوامل المحفزة للتفاعلات المناعية الالتهابية في الجسم، وهذا قد يكون مؤشرًا جيدًا لمن يعانون من أمراض المناعة الذاتية حيث يكون جزءًا من مشكلتهم هو في زيادة إفراز الجسم لهذه العوامل المحفزة للتفاعلات المناعية بشكل ذاتي مما يترتب عليه ظهور الأعراض.

 

 

 

*الجهاز الدوري (القلب والشرايين):

يعمل الصيام في رمضان على خفض محتوى الدم من الكوليسترول الضار ورفع محتواه من الكوليسترول النافع، الذي يعمل بدوره على إزالة الدهون المترسبة على جدران الأوعية الدموية ، وبالتالي العمل على منع حدوث انسداد الشرايين ومنع حصول احتشاء عضلة القلب. كما ان القلب يرتاح عند الصوم إذ تنخفض ضرباته إلى 60 في الدقيقة . وهذا يعني أنه يوفر مجهود 28800 دقة كل 24 ساعة.

ومن أهم فوائد الصيام ، خاصة بالنسبة للمدخنين ، هي قدرة الصيام على التخفيف من كمية السجائر المستهلكة خلال اليوم ، بما سيفيد القلب والشرايين والرئة ويقلل من تعرضها للمواد السامة والمسرطنة الموجودة في السجائر . كما أن التأثير النفسي والتربوي للصيام يساعد الإنسان المدخن على الإقلاع عن التدخين واتخاذ القرار الحازم بذلك ويوفر له الإرادة القوية للإقلاع عنه.

ومن الآثار الإيجابية للصيام أنه يساعد على التخفيف من ارتفاع ضغط الدم عند المرضى المصابين به، إذ إن التقليل من كمية الطعام المتناول يقلل من تناول ملح الصوديوم، والذي يعد المسبب الرئيس لارتفاع ضغط الدم .

 

 

*الجلد:

يعتبر الجلد من أكثر مكونات الجسم حساسية لشهر رمضان بسبب انعكاس الصيام عليه من طريقين:

1)انخفاض محتوى السوائل في الجسم ينعكس على جفاف الجلد.

2)عدم تنبي نمط تغذية صحي قد يؤدي إلى نقص في الفيتامينات والعناصر التي يحتاجها الجلد لنضارته.

 

لذا فإن كلمة السر في الحفاظ على صحة الجلد في رمضان تتمثل في اتباع الإرشادات التالية:

* تجنب التعرض المباشر للشمس في نهار رمضان.

* الحرص على ارتداء ملابس ذات ألوان فاتحة وغطاء للرأس عند الاضطرار للخروج في نهار رمضان.

*الحرص على شرب كميات كافية و متوازنة من المياه والعصائر الطازجة على مدار ساعات ما بعد الإفطار.

*الحرص على تناول الفواكه والخضروات الطازجة المعروفة بكونها غنية بمحتوى السوائل لحماية الجسم من الجفاف.

 

 

 

*الهرمونات :

هناك العديد من التغيرات الهرمونية المصاحبة للصيام التي يعتمد أغلبها على نظرية تعرض الجسم لضغط نتيجة انخفاض مستويات الجلوكوز والجوع لفترات طويلة، ومن أهم هذه التغيرات الهرمونية:

 1)تغير الدورة اليومية لمعدلات إفراز الكورتيزون الطبيعي في الجسم.

 2) زيادة معدلات إفراز هرمون الجلوكاجون الذي يعطي إشارات للكبد لزيادة نسبة الجلوكوز في الدم من خلال تكسير مخزون الكبد من الجلايكوجين.

 3) زيادة إفراز الهرمون المضاد لإدرار البول من أجل الاحتفاظ بالسوائل فترة أطول في الجسم ومقاومة الجفاف.

 4) انخفاض معدل إفراز هرمون التستوستيرون بنهاية رمضان.

 وجميع هذه التحولات الهرمونية تكون ضمن النطاق الطبيعي ويمكن تفسيرها وفقًا لتعرض الجسم لنوع من الضغط خلال الصيام يتمثل في انخفاض مخزون الطاقة لديه.

 

وأخيراَ.. من التأثيرات النفسية للصيام :

1)النظر للصيام كتجربة روحانية متكاملة وليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب.

2)الحرص على تقليل التوتر في نهار رمضان من خلال النوم لساعات كافية في الليل.

3)استغلال الأجواء الاجتماعية لرمضان لتحسين الروابط الأسرية.

4)استغلال رمضان كفرصة لتحسين علاقة الشخص بربه بما ينعكس على زيادة تقديره لذاته وثقته ورضاه عن نفسه.

 

ختاماً..

اللهم كما بلغتنا أول رمضان بلغنا تمامه وأعنا على صيامه وقيامه..

 

 

المصادر: