سلسلة عمل المرأة “ظاهرة صحية

 

 مما لا شك فيه بأن المساواة بين كافة فئات المجتمع هي مطلب حضاري لتقدم الشعوب، فهل المساواة = العدالة ؟ ماذا عن مساواة المرأة بالرجل في بيئة العمل!

 

تمر المجتمعات بمراحل انتقالية متتالية تتناغم مع متغيرات العصر وعادة تتكررالمراحل ذاتها في المجتمعات على اختلاف ثقافاتها ومعطياتها. في العصرالحديث تصدرت الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية دول العالم في عجلة التطور والتقدم وباتت الممارسات الحضارية (إدارية، اقتصادية، مالية، اجتماعية، صحية ….) تستحدث في المجتمعات المتقدمة ليتم تبنيها لاحقا من قبل باقي الشعوب مما يمثل نقطة قوة لصالح المجتمعات التابعة بحيث تتوفر لديها فرصة معاينة تجربة المجتمعات المتقدمة وبالتالي معالجة نقاط الضعف وتجنب السلبيات……ولكن هل تملك تلك المجتمعات الإمكانيات اللازمة للدراسة والتحليل وبالتالي تبني ممارسات معدلة ومحسنة!

لقد بذلت المرأة الغربية جهد كبير في المطالبة بحق المساواة مع الرجل إجتماعيا ومهنيا وتمكنت من تحقيق الكثير لتصبح المساواة ممارسة حضارية فارقة في المجتمعات المتحضرة. ثم بدأت الساحة العلمية والأكاديمية تعج بالدراسات والبحوث حول واقع المرأة الغربية المعاصرة وإحتياجاتها وحقوقها، فانقسمت الآراء ما بين مؤيد مطالب بمزيد من التمكين للمرأة وبين متحفظ قلق حول تبعيات لم تؤخذ بالحسبان! وإنما تبعيات على من تحديدا…. أهي على المجتمع، ام على الأسرة،  أم …. على المرأة ذاتها؟

  • أجمعت الدراسات الحديثة على أن مقدم الرعاية الرئيسي لأفراد الأسرة في أغلب الأحوال هو المرأة ويشمل وصف مقدم الرعاية كل من أو أحد الحالات التالية: العناية بالطفل المعتمد على الغير في إنجاز الأنشطة اليومية الأساسية بسبب صغر سنه، العناية بالفرد صاحب الحالة الجسدية أو النفسية التي تعيقه من إنجاز الأنشطة اليومية الأساسية بشكل مستقل، وأيضاً العناية بكبير السن الذي يعجز عن إنجاز الأنشطة اليومية الأساسية بشكل مستقل. وبناء على ذلك فإن المجتمع بحاجة لتوفير بديل ينوب عن المرأة في رعاية تلك الفئات في حال مساهمتها في كادر العمل الوظيفي مما أثار قلق بعض الباحثين حول تبعيات عمل المرأة من حيث حجم التكلفة المتوقعة لتوفير البديل أومن حيث مدى إمكانية توفير البديل لتقديم الرعاية للفئات المذكورة أعلاه.
  • وكما جذبت تبعيات عمل المرأة على المجتمع إهتمام الباحثين فإن أثر عمل الأم على الأسرة أثار قلق الباحثين وأيضاً صانعي السياسات والقوانين وذلك إدراكاً لأهمية الوصول إلى بدائل أمومة تعالج أساسيات العناية بالطفل. إن رعاية الطفل أعمق من رعاية الفئات الأخرى المعتمدة على الغير في إنجاز الأنشطة الأساسية فهي تتعدى تقديم الرعاية إلى عملية بناء لذات الطفل وبالتالي فإن توفير بديل للأم العاملة هو تحدي بحد ذاته.
  • لا شك بأن مساهمة المرأة في كادر العمل تحول إيجابي بل إنه ضرورة ملحة في مواقف عدة، إلا أن المرأة العاملة قد تواجه معضلة وجهي العملة الواحدة فخروج المرأة الأم إلى العمل لا يعني خروجها من دورها داخل المنزل وذلك لكونها مقدم الرعاية الرئيسي للطفل وهي بغريزتها تدرك تعذر إحلال بديل لها مع طفلها وبالتالي فهي تمارس دور الأم خلال العمل وربما العكس أيضا لتغطي جوانب التقصير. وبهذا قد تعيش الأم العاملة إزدواجية الدور بالتزامن مما يولد أثار سلبية على شخصها ومن ذلك الإحباط بسبب عدم القدرة على الموازنة بين الدورين، بذل الجهد المضاعف لإثبات الذات، والإرهاق البدني والذهني.

لقد استحدثت المجتمعات المتقدمة تجربة المرأة العاملة فتم تبنيها في المجتمعات العربية ضمن ممارسات المراحل الإنتقالية التطويرية وقد بدأنا نعايش تبعيات شبيهه اوقد تكون مطابقة لتلك المثبته في دراسات وبحوث المجتمعات الغربية. وبالتالي فإن إدراكنا لحقيقة أثر عمل المرأة الغربية على المجتمع من خلال ثأثر دورها كمقدم الرعاية الرئيسي في محيطها، وحقيقة أثر عمل المرأة الغربية على الأسرة وعلى المرأة ذاتها من خلال تأثر دورها كأم، إنما يحتم علينا ضرورة بحث واقع عمل المرأة السعودية وتبعياته على كل من المجتمع والأسرة وعلى المرأة السعودية ذاتها كوسيلة لإيجاد البدائل الكفيلة بالموازنة بين دور المرأة في تقديم الرعاية ودورها في المساهمة الوظيفية مع المحافظة على حقها كفرد في العيش الكريم.

 

 

د.عبير الراشد

استاذ الإدارة الصحية المساعد/ جامعة الملك سعود