لم يعد الحديث العام عن أهمية تقنية المعلومات قضية نقاش في عالم اليوم حيث نجد التسارع الواضح في انتشار وازدياد استخدامات وتطبيقات تقنية المعلومات في المجالات كافة بل أصبح موضوع الحديث والنقاش في كيفية تعميق الاستفادة من هذا العلم بكافة جوانبه وتوجيهه لتحقيق مستوى أعلى من أهداف المؤسسات والشركات بل والافراد. وفي مجال تقديم خدمات الرعاية الصحية وجدت تقنية المعلومات مجالا خصبا للنمو والتطور فضلا عن المساعدة في تحسين الاداء العام للأنظمة والاجراءات  الطبية  حتى تبلور فرع جديد وربما تظهر فروع أخرى  لتخصص تقنية المعلومات تحت مسميات مختلفة منها (تقنية المعلومات الصحية) وكذلك ( المعلوماتية الطبية) وغيرهما. وفي كل الاحوال يتم وضع هدف جديد لكل من أراد التطوير والتحسين يتمثل في تبني وتوظيف تقنية المعلومات لوضع حلول ابداعية للمشاكل التي تواجهها المؤسسات المختلفة ترتكز على استخدام فنون وأدوات وممارسات وأجهزة تقنية المعلومات للوصول الى التميز والتقدم نحو مزيد من تحسين مستوى خدمات الرعاية الصحية.

ومن حيث المبدأ تتنوع المجالات التطبيقية في عالم الطب والصحة التي تتبنى او تظهر فيها ميزات تقنية المعلومات. وينطبق هذا على المجالات سواء تلك التي كانت  سباقة او تلك المرشحة حاليا ومستقبلا لتوظيف تقنية المعلومات كجزء من حياتها وديناميكية انجازاتها. حيث يمكن أن ترى ذلك جليا في انظمة وأجهزة تقديم الخدمات الصحية المختلفة  التي تحولت في معظمها الى أجهزة رقمية ذات وظائف تستطيع تجميع البيانات وتحليلها وحفظها جنبا الى جنب مع استخدامها لاتخاذ القرار الطبي الانسب في الزمان والمكان. وقد أصبحت تلك الاجهزة والادوات التقنية ضرورة لكل ممارس صحي.

وسيقتصر حديثنا هنا  على إضاءات عامة عن دور تقنية المعلومات في  قضيتي جودة الرعاية الصحية وسلامة المرضى. فالجودة في تقديم الخدمات الصحية أصبحت قضية ملحة وذات ضرورة كبرى ليس فقط للحصول على مستوى الخدمات المطلوب بل أصبحت قضية رأي عام ومتطلب للترخيص والاعتماد التخصصي للمؤسسات الصحية حتى تبدأ عملها وتستمر به كما أن استهداف مستوى أعلى من الجودة أصبح متطلبا للبقاء في ساحة يتنافس فيها الجميع على ارضاء المريض. وفي الجانب الاخر فإن قضية سلامة المرضى والاهتمام بها أصبحت مما لا غنى عنه في أي مؤسسة صحية وتعتبر مؤشراً على نوعية ومستوى ادارة خدمات الرعاية الصحية.

من المسلم به أن المعرفة الطبية قد أحرزت تقدما ملحوظا في العقود الاخيرة ويتمثل ذلك بازدياد خيارات وطرق العلاج وأجهزته مما انعكس على ارتفاع العمر الافتراضي للبشر والقدرة على معالجة الكثير من الامراض والحالات المستعصية. ولاشك أن  تقنية المعلومات تلبي حاجة الممارس الصحي الى مصادر بيانات ومعلومات عن المريض والمرض اضافة  لتوفيرها أدوات تسبر غور البيانات المتراكمة وتساعد على إدراك العلاقات بين المتغيرات والعوامل المؤثرة في المرض وتطور حالة المريض اضافة الى تفسير البيانات الصحية المتوفرة وكل ذلك يضمنه وجود فريق طبي منوع المهارات والتأهيل وحرفيّ الاداء.

الجودة والتقنية أين اللقاء؟

 لا يجمع المتخصصون على تعريف جامع مانع لمفهوم الجودة فكل ينظر من زاوية مختلفة ويسلط الضوء على جانب من الصورة الشاملة، فهي تعني للبعض التطابق مع معايير متفق عليها بينما البعض الاخر يعرفها بانها أداء الخدمة بشكل صحيح ويراها فريق ثالث بأنها تطابق ما يقدم من خدمة صحية مع احتياجات المريض بشكل يحقق رضاه ويفوق توقعاته او كما يبسطها آخرون  بانها الخدمة المقدمة بدون عيوب أو نقص. وعليه يمكن ان ننظر لجودة الخدمات الصحية بحيث تتوافق مع المعايير ويقدر مستواها من خلال مراجعة أنداد Peer Review   وكذلك تتسم بتفوق وتميز يلاحظه متلقي الخدمة الصحية أولا.

ويعد تطبيق مفاهيم الجودة أداة فعالة لتحقيق التحسين المستمر لجميع أوجه نظام الرعاية الصحية في أي منشأة وذلك من خلال تحقيق الالتزام بالسياسات والمعايير التي تضمن التحسين المتواصل لإجراءات وعمليات تقديم خدمات الرعاية الصحية مما يعني ايضا ارتباط الجودة بجميع نشاطات المنشأة الصحية حيث تعمل آلياتها على استبعاد غير الصالح منها- او الاقل جودة- سعيا وراء ارضاء متلقي الرعاية الصحية.

ويبرز هنا دور تقنية المعلومات ليضع اطارا عاما لصياغة مفهوم الجودة وتطبيقه سواء في تقديم الخدمة للمريض أو الاجراءات الصحية قبل ومع وبعد تقديم تلك الخدمة. فرسالة تقنية المعلومات في القطاع الصحي بمثابة تشكيل نظام قادر على تقديم الرعاية A System That Cares  Creating فهي قادرة على تغيير شكل المؤسسات الصحية وحوسبة او أتمتة Automation اجراءات/ عمليات تقديم الخدمة الصحية اضافة لإنشاء علاقات مستقرة داخل المؤسسة. مما يعني ان تصبح تقنية المعلومات كعامل تغيير Change Agent وفتح افاق جديدة  لتطوير المهنة وليس لزيادة تشابك الاتجاهات المتضاربة او المتناقضة في عمليات واجراءات الرعاية الصحية . فالبرمجيات بشكل او اخر وبنوعيات متفاوتة تدعم الكثير من الاجهزة والبنية التحتية للحقل الطبي لكنها في المجمل كبرمجيات غير فعالة وغير مجهزة للتطورات المتلاحقة في الطب كما ان أغلبها تعمل بشكل منعزل عن غيرها وفي بعض الاحيان تسبب زيادة في مخاطر وصعوبات تحقيق رعاية صحية ذات جودة. حيث تقوم بعض الحلول البرمجية بتحويل الانظمة الصحية بسلبياتها وإيجابياتها الى خدمات مؤتمتة Automatic بينما المقصود ان تسهم هذه البرمجيات بتقليل سلبيات انظمة المعالجة غير المؤتمتة. كما ان المقاربة الشاملة تعني حوسبة أو أتمتة النظام ككل وليس اجزاء منعزلة او منفصلة عن بعضها البعض، وللحديث بقية.