يعاني  واحد من كل عشرة من الرجال والنساء في العالم من العقم . وتُظهر الدراسات أن الرجال والنساء يشتركون بشكل متساو في  المسئولية عن تأخر الإنجاب، رغم أن المجتمع يميل للأسف للوم النساء أكثر عن تأخر الإنجاب. كما أظهرت مراجعات علمية استخدمت تحليل ميتا لأربعين دراسة، أن التدخلات النفسية الاجتماعية للأزواج المتأخرين في الإنجاب لا تقلل الكدر النفسي عليهم فحسب، بل تحسن فرص الإنجاب لديهم.

 ولأسباب كثيرة، فإن معاناة المصابين بالعقم تكون أشد وأنكى في المجتمعات الجماعية السلطوية كمجتمعنا مقارنة بالمجتمعات الفردية. وقد قالت لي إحدى المريضات: “عشت في مجتمع الغربة مع زوجي عيشة هنيئة رغم أننا نفتقد للذرية، ولكن حالما رجعنا للوطن بدأت معاناتي من تطفل الآخرين في حياتي، بل إنني أصبحت أتحسس حتى من الدعاء لي بالذرية الصالحة، وذلك عندما يُجهر بالدعاء في محفل نسائي؛ وكأن لسان حال الداعية لي يقول :الله يرزقك بالذرية الصالحة أيتها المرأة الناقصة، ويحمي أطفالنا من عيونك الحارة!!”.

 

وقد أجريت دراسة حديثة بمشاركة عدد من الباحثين والباحثات، على عينة من المراجعين لمراكز علاج العقم بالرياض مقدارها  406، ونشرنا منها ورقتين بحثيتين في مجلات علمية محكمة. 

وكان من أهم نتائج دراستنا ما يلي:

  1. كان 5% من الرجال و 10% من النساء فقط مشخصين بأمراض نفسية قبل الدراسة، لكن عند استخدام مقاييس تشخيصية مقننة، ظهر أن 30% من الرجال و 37% من النساء مصابون بأمراض نفسية، وأكثرها شيوعاً الاكتئاب ثم القلق وبالذات لدى النساء؛ بينما تفوق الرجال على النساء في معدلات الإصابة باضطراب ثنائي القطب واستعمال المواد المحظورة. وكان من أهم عوامل الخطورة للإصابة بالأمراض النفسية ضعف الدخل.
  2. معظم المصابين بأمراض نفسية في هذه الدراسة لم يتم تشخيصهم مسبقاً، ولم يتلقوا علاجاً نفسياً قط.
  3. تتضاعف معدلات التعدد قرابة عشرة أضعاف لدى الرجال المصابين بالعقم مقارنة بعامة الرجال، وأكثره يرتبط بضغط المجتمع المحيط  بالرجل؛ ولذا ازدادت معدلات الاكتئاب لدى المعددين منهم. بينما كان التعدد لدى النساء (أعني زواج زوجها من امرأة أخرى) أحد أهم عوامل الخطورة لإصابتهن بالأمراض النفسية بوجه عام.
  4. اشتكى 40% من الرجال من الضغوط النفسية الاجتماعية الناتجة عن العقم، وأشدها وقعاً عليهم الأسئلة المتطفلة من الآخرين حول العقم والإنجاب، وكذلك الضغط عليهم بسرعة الإنجاب، والمبادرة للتعدد أو الطلاق.
  5. بينما اشتكى 47% من النساء من الضغوط النفسية الاجتماعية الناتجة عن العقم، وكان أكثرها وقعاً عليهن الإنهاك النفسي والعاطفي بسب هذا الأمر، والخلافات الزوجية، والتعامل السيئ من أم الزوج والمجتمع، والضغط المستمر عليها من الزوج بأن تنجب.
  6. اعتقد قرابة ثلثي المشاركين بالدراسة أن سبب تأخر الإنجاب هو الضغط النفسي؛ بينما اعتقد الثلث الآخر أن السبب هو عين أو سحر أو مس ولذلك لجؤوا للرقاة .
  7. لجأ نصف المشاركين في الدراسة للانترنت بحثاً عن علاج للعقم، واستعمل ثلث الرجال ونصف النساء علاجات بديلة (شعبية) لعلاج العقم. 
  8. للتكيف مع مشكلة العقم، مال النساء أكثر للجوء لله والتعبد طلباً للذرية، كما أنهن يجدن سلوة في الحديث عن مشاكلهن مع الآخرين. 

وانطلاقاً من هذه الدراسة المحلية، وغيرها من الدرسات العالمية أقترح ما يلي:

  • أهمية دمج الرعاية النفسية الاجتماعية ضمن مراكز علاج العقم، وهذا ما طالب به معظم المشاركين في الدراسة وخصوصاً من النساء. وسيساعد ذلك في تحسين جودة الحياة وتحسين فرص الإنجاب.
  • توفير محتوى آمن ومفيد باللغة العربية في الإنترنت عن العقم وعلاجاته.
  • مراقبة ممارسات المعالجين الشعبيين والرقاة الذين يستغلون لهفة هؤلاء للذرية بلا حسيب ولا رقيب.  وألا يسمح لأحد بأن يُطبب الناس إلا في منشآت علاجية مصرحة، تحت المراقبة الصارمة المستمرة من الجهات الصحية المختصة. كما أدعو الباحثين لإخضاع تقنيات الطب الشعبي لتجارب الطب المبني على البراهين.
  • ينبغي على المجتمع تقديم الدعم المتكامل الإيجابي للمتأخرين في الإنجاب، ومن ذلك الكف عن التطفل على حياة المصابين بتأخر الإنجاب، وأن يعاملونهم كأناس طبيعيين . فقد شاء الله سبحانه أن يبتليهم بتأخر الإنجاب، فلم نلومهم على قدر الله! ( ويجعل من يشاء عقيماً).

والله من وراء القصد