الإدارة الصحية بين الرازي و ابن سينا و المقتدر بالله
تقرير الجودة الصحية – اعداد محمد منصور
في ماضينا صور كثيرة تتجلى فيها كل معاني العظمة و التطور، فهناك في الأندلس جمال العمارة الإسلامية، و في العواصم الإسلامية تطورت العلوم حنى خرج لنا علماء مثل الخوارزمي في الرياضيات و والإدريسي و المسعودي و ابن بطوطة في الجغرافيا و ابن الهيثم في الهندسة.
و قد لاقى علم الطب اهتماما واسعا من الخلفاء و الحكماء و السلاطين على مر العصور الإسلامية فتطور تطورا واسعا عظيما ثبت دعائمه على فتره طويله من الزمن، فهذا كتاب القانون في الطب لابن سينا و قد استمر تدريسه لفترات طويله كمرجع أساسي لعلم الطب.
يقول الدكتور. جميل عبدالمجيد عطية في كتابه ” تنظيم صنعة الطب”:
(أول مرة يتم إلقاء محاضرة طبية بين الأسرة في أحد المستشفيات الأوروبية ألقاها طبيب إيطالي فيروني وهو شارح لابن سينا، حدث ذلك في أواسط القرن السادس عشر الميلادي أي بعد عدة قرون من بدء ذلك في الحضارة الإسلامية وكان حدثا عظيما لديهم).
أما عن تخصص و عمل الإدارة الصحية فهو لا يقل اهميه عن والده الطب بل كانا دائما متصاحبين يتطوران معا لخدمة الحضارة و الإنسانية، لنستعرض البداية الفعلية لتخصص الإدارة الصحية من نفس الكتاب السابق:
يقول الكاتب: (في سنة ثلاثمئة و تسع عشرة هجرية وصل إلى مسامع الخليفة المقتدر أن مواطنا من العامة قد توفي نتيجة لخطأ ما من بعض المتطببين، فقام الخليفة بتعيين أحد أبرز أطباء ذلك العصر “سنان بن ثابت بن قرة” رئيسا للأطباء و طلب من محتسبه “إبراهيم بن محمد بن بطحا” بتوقيف جميع أطباء بغداد و كان عددهم ثمانمائة رجل و نيفا و ستين رجلا من التصرف، على أن يقوم رئيس الأطباء بامتحانهم جميعا، و من يجتاز هذا الامتحان، يسمح له المحتسب بممارسة المهنة في نطاق ما أطلق له رئيس الأطباء ما يصلح أن يتصرف فيه) .
من هنا بدأ استخدام الإدارة الصحية كعلم ينظم كل مراحل الطب من بداية التعلم الى نهاية الممارسة.
ففي مرحلة التعليم فقد تم تنظيمه على مرحلتين و هي: العلوم الطبية الأساسية، و العلم الطبي التطبيقي (الاكلينيكي) ، و الحق في الكثير من البيمارستانات قاعات محاضرات للتعليم الطبي , و بعد أن ينهي الطالب تعليمه و يرى استاذه أنه مؤهل لممارسة الطب يخبره بان يذهب لرئيس الأطباء ( ما يمثل وزير الصحة في الوقت الحالي ) لإجراء اختبار ممارسة المهنة و اذا نجح في الاختبار يحصل على تصريح مزاولة المهنة .
و في مرحلة التطبيب و انشاء البيمارستانات ( المستشفيات ) كان العالم الكبير الرازي يقطع اللحم الى اربع قطع و يوزعها على اربع أماكن مختلفة ، و اخر قطعه تعفن تعني انها ابعد عن الميكروبات و الملوثات فيختار هذا المكان لبناء البيمارستان ، و هذه عمليه إدارية صحية تهتم بسلامة و صحة المرضى .
كما يستعرض الكتاب بعض القوانين التي كانت تستخدم لتنظيم مهنة الطب في ذاك الزمن ، لا يتسع المقام لذكرها كامله و لكن سأذكر بعضها :
1. عدم مزاولة المهنة بدون ترخيص .
2. بذل الطبيب قصارى جهده للحفاظ على صحة الفرد والمجتمع.
3. يجب على الطبيب ألا يصف شيئا من السموم والأدوية القاتلة.
4. يجب على الطبيب استشارة زملائه في الغريب من الامراض.
5. يجب على الطبيب المحافظة على اسرار المريض.
و غيرها كثير ، كما كان الطب يخضع لكثير من النظريات و القوانين كقانون العرض و الطلب و الموجود الان بمسمى اقتصاديات الصحة و أيضا كان الطب يخضع للجودة و كانوا يسمون الطبيب صاحب الجودة في عمله بـ (إن عمله ذا لباقة ) ، كما استعرض الكتاب نظام المرور اليومي على المرضى و كيفية تصنيف المرضى كمريض داخلي او خارجي و هو نظام لا يختلف ابدا عن الموجود في زماننا هذا .
اما عن تمويل البيمارستانات، فقد حرص الحكام الأوائل ان يقدموا الخدمات بالجودة المطلوبة فكان التمويل اما من بيت المال ، أو من الخلفاء و السلاطين أنفسهم ، أو من الأثرياء .
أما عن تنظيم البيمارستانات فكان له اكثر من مرحله :
المرحلة الأولى : اختيار المكان :
و قد تحدثنا عن الرازي كيف كان يختار مكان البيمارستان كما ان الأطباء المسلمين اعتادوا بنائها بقرب الماء لسهولة توصيل المياه بها .
المرحلة الثانية : تنظيم و تخطيط البيمارستان :
نظم الأطباء المسلمون مستشفياتهم بناءا على الثقافة السائدة و تعاليم الدين الراسخة النيرة فبنوا اقسام خاصه بالرجال و أخرى خاصة بالنساء و بنوا عنابر للمرضى كل على حسب تخصصه و مرضه و عيادات خارجية و قاعات محاضرات و صيدلية و مصلى و حدائق .
المرحلة الثالثة : التأثيث :
عند نهاية العمارة و تنظيم الأقسام يقوم ناظر البيمارستان بتأثيثه بما ينفع المرضى في علاجهم و العناية بهم و منها اعتمدوا على توفير سرير لكل مريض .
المرحلة الرابعة : التوظيف :
و كان ناظر البيمارستان هو من يوظف او من يقوم مقامه .
كانوا امة منظمه نسقوا و نظموا كل أعمال الطب و نحن استوردناه على ظن انه من غيرنا و الحقيقة ان اجدادنا هم مصدره ، كانت مهنة الإدارة الصحية ترافق الطبيب أينما ذهب و لا ينفع طب بدون ادارته بشكل سليم بحيث يقدم الخدمة بأعلى درجات الجودة الممكنه فرحمهم الله رحمة واسعه و صل الله و سلم على من نزلت عليه كلمة أقرأ ، خاتم المرسلين و سيد البشر اجمعين نبينا محمد و على اله و صحبه اجمعين .