خصص الإسلام ضرورات خمس جعلها عماد الحياة الكريمة و غاية العيش الرغيد.

و تجتهد المجتمعات بشكل عام بغض النظر عن خلفيتها الدينية إلى تحديد الضرورات الهامة للحفاظ على مستوى متقدم من جودة الحياة.

أحد الكتّاب أشار إلى ضرورة أجدها حقيقة بالنشر و جديرة بتوعية الأفراد و المجتمعات عنها.
فكما أنّ الحاجة إلى المأكل و المشرب و المأوى بمعناه الحسيّ و المعنوي و الحفاظ على الصحة و التمتع بنفسية مطمئنة جميعها ضرورات لا يتصور العيش بسعادة دونها.

إلّا أنّ الحاجة التي يجب ألّا يغفل عنها القائد مع فريقه ، و المعلّم مع تلاميذه ، ،والأب مع اسرته ، و الصديق مع صديقه  ،هي “الحاجة إلى إشباع الرغبة بالشعور بالأهميّة” و هذه من وجهة نظري هي الضرورة المهمّشة في كثير من التعاملات.

لا يمكن أن تستمر العلاقات أو تنجح المشاريع دون إشباع هذه الرغبة و مراجعتها و العمل على تعزيزها.

إنّ الطريقة الوحيدة لجعل الآخر منسجمًا مع إرادتك هي أن تشعره بقيمته في تحقيقها و أن تجعل منها رغبةً له كما هي رغبةٌ لك و لمشروعك.

الأطفال بحاجة كذلك إلى هذا الشعور فهو ليس حكرًا على الكبار.

إحدى حالات الألم التي استعصت على فريق الألم الذي عملت معه كانت لطفلة في التاسعة من عمرها لم تفلح معها المسكنات و لا المهدئات و لا حتى العلاجات النفسية بقدر ما أفلح معها الاحتواء و التقدير و إشباع الرغبة بالشعور بالأهميّة.

في المقابل يعزو بعض المحللين النفسيين و الأطباء كذلك بعض الجرائم التي يرتكبها المجرمون إلى الحاجة بإشباع الشعور بالأهميّة.

نحن لا نرتدي الملابس الباهضة الثمن و لا نقتني الممتلكات النفيسة و لا نركب المركبات الفارهة رغبةً في الحصول عليها فحسب بل إشباعًا لحاجتنا إلى الشعور بالأهميّة.

من المنظور المهني، أتعجّب من المؤسسات التي تضع خططها الاستراتيجية و لا تُشعِر منسوبيها بأهمية دورهم في تحقيقها.

الكثير من مؤسساتنا الحكومية تفتقد هذا الحسّ الحيوي و تفتقر إليه، و هي بالتالي تقتل الحماس و تعجز عن استثمار طاقات المبدعين من منسوبيها.
القيادة الحقّة هي المقدرة على إشباع رغبة الأهميّة في نفوس المنسوبين و التعبير عنها و استثمارها الاستثمار الأمثل.

دائمًا ما نسلّط أقلامنا ناقدين متحفظين و لكننا نادرًا ما نسخّرها شاكرين و مقدّرين  و لو بأقلّ القليل.

كانت تنتهج وزارة الصحة في مرحلة سابقة منهجًا يقول “المعاملة الحسنة لا تحتاج إلى إمكانيّات” و هذا منهجٌ جميل لو تمّ الالتفات إليه من قبل المؤسسات في التعبير عن الشكر و التقدير لكلّ عملٍ إيجابي و لو بمجرّد كلمة شكر أو خطاب تقدير أو يوم للتقدير.

كثير من المحبَطين الذين حطّمت عزائمهم آلة التهميش لم يصلوا مرحلة اللامبالاة إلا عندما شعروا بعدم التقدير.

نعم كمسلمين نحتسب النيّة الحسنة فضلاً عن العمل الصحيح و لكنّنا نظل بحاجةٍ إلى التقدير، و هذه طبيعة النفس البشريّة.

بعض الرسائل لا يتوقف تنبيهها على مجرّد تفعيل خاصيّة التنبيه بجهاز مستقبِلها، بل تتغلغل في كهروفيسيولوجيّة القلب و كهربة الدماغ لتصنع قوسًا من التأثير الإيجابي الجميل و الجميل جدًّا.

الشعور بالأهميّة لا يتطلّب خطابًا رنّانًا، أحد القادة الذين التقيتهم في إحدى ورش العمل، كان يتعمّد استخدام مصعد الموظفين فقط ليشعرهم بأنّه جزء منهم و يقتنص الفرص لأحاديث سريعة و تعليقات إيجابية تترك في نفوسهم الأثر، كان الجميع يستمع بإعجاب و كنت أردّد في داخلي ” أفشوا السلام بينكم”.

“ألا أدلكم على شيءٍ إذا فعلمتوه (تحاببتم)؟! أفشوا السلام بينكم”
القيادة بالحب قيادة تعدّت مراحل الضرورة المهمّشة بمراحل و قد سبقنا إليها نبيّنا الكريم الذي قال عنه ربّه ( و إنّك لعلى خُلُقٍ عظيم).

 

د.خالد بن جمعان الغامدي
أستاذ طب الأطفال المساعد
استشاري طب الأطفال
استشاري رعاية الحالات المزمنة و المعقدة و الرعاية التلطيفية لدى الأطفال