تخطو وزارة الصحة السعودية خطوات جبّارة باتجاه تفعيل الجودة و ذلك من خلال التخطيط المستمر و استحداث المعايير و تعميمها على المديريات و ما يتبعها في كافة المدن.

غير أنّ التخطيط الاستراتيجي على مستوى المنظومة بشكلٍ عام حينما يصل حيّز التنفيذ قد لا يؤتي أُكله المنشودة بالضرورة و هذا ما يحدث للأسف حاليًّا في معظم الأحيان.

مفهومان من مفاهيم الجودة لازالت الحاجة إلى فهمها فهمًا دقيقًا من قبل المطالبين بالتخطيط و التنفيذ في نظامنا الصحيّ.

الأول على مستوى التخطيط: أنّ الخدمة المتمركزة حول المريض لا تعني بالضرورة إجهاد الفريق الطبي.

و الثاني على مستوى التنفيذ: أنّ الجودة ليست امتيازًا تبرّر غاية الوصول إليه الوسيلة إلى ذلك.

ما يحدث الآن جراء عدم الفهم الدقيق لهذين المفهومين هو مايلي:

تضع الوزارة معاييرًا عامة تحفل بها المديريات في مختلف المناطق، ثم تعمد إلى تحقيقها و لكن عن طريق إحدى هذه الخيارات:

الأول: قد لا يقوم به أحد خشية أن يكون لذلك تبعات قد تشمل النقل أو الدمج أو إلغاء الخدمة و هو خيار تعبئة الإحصائيات واقعيًّا و بكل مصداقية، نظرًا لتركيز المعايير على الكم فضلاً عن الكيف.

الثاني: و هو الواقع و المتمثل في “تزوير” الإحصائيات و ملئها بأرقام غير واقعيّة إما خوفًا من التبعات آنفة الذكر أو رغبةً في الحصول على “امتياز” الجودة الذي سبقت الإشارة إليه.

أمّا الثالث فهو استهلاك الموظفين و إنهاك المرضى بتكرار تقديم الخدمة لأكثر من مرة لذات المريض بغرض احتساب المريض لأكثر من مرة ليتم تقييده في الإحصائيات مما يؤدي بالضرورة إلى الاحتراق الوظيفي و هذه عقبة كبرى تقع فيها الأنظمة الصحيّة التي تضع المريض على رأس قائمة الأولويات دون النظر بواقعيّة إلى آلية التطبيق و قد تتفاقم في ظل تنمّر الرؤساء على من هم تحت إدارتهم سعياً لتحقيق المعايير قسرًا دون الالتفات إلى الواقع.

و هذا يعكس مدى عمق الفجوة بين الواقع و التخطيط من قبل من ليسوا في الخط الأول لتقديم الخدمة و بين واقع الخدمة الحقيقي.

الأسوأ من هذا و ذاك هو الاعتمادات الغير مستحقة و التي تحصل عليها المستشفيات بأساليب تتحايل على النظام و تحصل عليها دون استحقاق و هذا وبال يتطلب إعادة النظر في آليات التقييم الخاصة بالاعتماد و التي لا تضمن المصداقية و لا الاستمرارية في حال صدقت المنظمة فيما تقدمه خلال فترة التقييم المنسق لها مسبقًا.
في هذا الصدد، تسعى الهيئة السعودية للتخصصات الصحية لاستحداث آلية لتصنيف مؤهلات الجودة، و قد نما إلى علمي أنّ الطبيب الحاصل على مؤهل في الجودة إضافة إلى مؤهله العالي الطبي سيتم تخييره بين أحد الاتجاهين إما الجودة المحضة أو التخصص الطبيّ و هذا إشكال آخر و لا أجد حرجًا في الجمع بين المؤهلين بل بالعكس نرجو أن يهتم جميع الأطباء بالجودة و أن يكون هنالك حد أدنى للإلمام بمبادئها من قبل الأطباء و هو ما سينعكس بالضرورة إيجابًا على الخدمات الصحية و لا يمنع أن تتم الاستفادة من الزملاء المؤهلين في الجودة من الفنيين و الإداريين

لبلورة مشاريع الجودة و العمل على إنجاحها في ضوء معطيات الواقع الصحي للمنشأة بمختلف أقسامها و هذا ما يحدث في المراكز المتقدمة خارجيًا حيث تتحول اجتماعات مناقشة الوفيات و “المراضة” إلى مشاريع جودة حقيقية في وجود المعنيين من الممارسين الصحيين و كذلك المؤهلين من حملة شهادات الجودة من غير الممارسين و الذين يسهمون في تحليل المشكلات الجذري و رسم خطة التحسين و متابعتها في وجود ضابط/ضباط سلامة المرضى و الذين يصنعون كفريق تغييرات ملموسة ترتقي بمستوى الخدمات الصحية.

أرجو أن يتم الالتفات إلى هذه الفجوات بجدية و أن تعمل وزارة الصحة على الاستفادة من خبرات القطاعات الأخرى و كذلك من الزملاء المؤهلين من غير الممارسين و خلق فرص وظيفية لهم بالمنشآت الصحية و هذا لا يتنافى أو يعفي أن يتم تأهيل الأطباء في الجودة و لو من خلال الاشتراكات في المواقع العالمية المعنيّة بالجودة و الدورات التدريبية “المجانية” و توجيه بدلات التميز إلى المشاريع النوعية في الجودة و التي تضيف للخدمات الصحية و تزيد من خبرات المنفذين لها و العاملين عليها بشكل عام.

و على الهيئة السعودية مراجعة آليات التقييم للأطباء المتدربين و استحداث معايير الجودة و سلامة المرضى ضمن مهارات التدريب، و نأمل ألاّ يتم الفصل بين المؤهلات للأطباء الحاصلين على مؤهلات الجودة، كما نتطلع إلى استحداث برامج دراسات عليا في الجودة للأطباء في القريب العاجل.

 

 

د.خالد بن جمعان الغامدي

أستاذ طب الأطفال المساعد

استشاري طب الأطفال

استشاري رعاية الحالات المزمنة و المعقدة

و الرعاية التلطيفية لدى الأطفال

@Drkhaledjalgham