تعد وزارة الصحة السعودية هي المسؤولة أولاً عن تقديم و تنظيم الخدمات الصحية ، و لوزيرها حق اصدار اللائحة التنفيذية لنظام مزاولة المهن الصحية بحسب المادة الثالثة والأربعون من النظام ذاته ، إلا أن الواقع لا يبدو كذلك ، في ظل وجود (أخوات) لوزارة الصحة يشاركونها تقديم الخدمات الصحية عبر مستشفياتهم و مراكزهم التخصصية بشكل مستقل تماماً عن (الأخت الكبرى ) وزارة الصحة ، كوزارة التعليم مثلا من خلال المستشفيات الجامعية أو وزارة الدفاع و وزارة الداخلية من خلال المستشفيات العسكرية ومستشفيات قوى الأمن بالاضافة للهيئات و الشركات التي تملك وتشغل مستشفياتها كمستشفيات الهيئات الملكية و أرامكو وغيرها ،

كل ذلك باستقلالية تامة عن وزارة الصحة،

والذي يجعل من مهمتها في تنظيم القطاع الصحي في تلك القطاعات ذات صلاحية محددة في كثير من الجوانب ان لم تكن معظمها ، كما يجعل من تلك الأنظمة مقتصرة على وزارة الصحة وما يتبعها من مستشفيات ومراكز .

فإذا ما نظرنا (لتنظيم) وتنسيق تقديم الخدمات الصحية بين تلك القطاعات فحدث ولا حرج ! ابتداءاً من السياسات والإجراءات التنظيمية  بين القطاعات الصحية مروراً بازدواجية العمل و آلية التحويل بينها و وصولاً لأنظمة إلكترونية و ملفات طبية ومنصات وتطبيقات وكأن كل قطاع يعمل في بقعة مختلفة لا في وطن واحد يجمعهم أو هدف أسمى هو صحة الفرد والمجتمع !

هذا التحفظ الكبير بين القطاعات الصحية في عدم التعاون والتنسيق ومشاركة الموارد زاد الأمر تعقيداً ، خصوصاً ونحن في مرحلة تحول وطني تحتاج لتقارب أكثر وتعاون مشترك و تنسيق أكثر احترافية ، للإستفادة القصوى من الموارد المتاحة وبالتالي خدمة أفضل وارتقاء بمستوى الرعاية الصحية في كافة أرجاء الوطن الغالي  ..

و بتعمق أكبر نجد الكثير من المجالات التي يبرز فيها الاختلاف و تفتقد فيها الرؤية، أهمها آلية تحويل المرضى بين تلك القطاعات وما يصاحبها من ممارسات مختلفة وسياسات متباعدة ففي ظل وجود قطاعات تستقبل المرضى المحولين من قطاعات مختلفة ترفض أخرى الدخول في هذه الحلقة وتعتذر عن استقبال أي تحويل لمرضى من خارج منظومتها الطبية مما أسهم في جعل هذه الآلية شبه غامضه تقودها المناشدات و الواسطات بين الحين والآخر  .

و بالرغم من كل الجهود المبذولة مؤخراً والتي لازالت تبذل في سبيل الوصول لسجل صحي الكتروني (EHR ) يجمع التاريخ المرضي للمريض و يتيح لجميع مقدمي الخدمة مشاركة المعلومات الصحية إلا أن تحفظ القطاعات الصحية والتباعد بينها في مستوى الخدمة والجودة يجعل سير ذلك بطيئاً و أكثر صعوبة .

وفيما يخص الشكاوى أو الأخطاء الطبية فالطريق أمام المرضى أو ذويهم كثير المتاهات ، نظراً لإستقلالية كل قطاع عن الآخر واختلاف السياسات والإجراءات ففي حين أن وزارة الصحة هي المرجع الطبي والصحي في السعودية و تملك رقماً مخصصاً للشكاوى والاستشارات 937  فلا يعني ذلك استخدامه لشكوى على مستشفى جامعي أو عسكري أو مستشفى يتبع لهئية ملكية لاستقلاليتها تماماً عن وزارة الصحة  !!

و بالنظر لحال العاملين في القطاعات الصحية

(وزارة الصحة وأخواتها ) فالأمر ليس بالأفضل ، فما يجمعهم هو سلم الكادر الصحي و تصنيف الهيئة السعودية للتخصصات الصحية  في حين تفرقهم الكثير من السياسات المختلفة لقطاعاتهم كالابتعاث والتدريب أو امتيازات كل قطاع عن الآخر  فلا تنسيق يذكر أو تعاون محترف يستفيد منه الجميع في مجالات التدريب والابتعاث وغير ذلك مما يخص العاملين الصحيين ،  والخاسر الأكبر العامل الأقل حظا ً في تلك القطاعات .

فحين تبدأ وزارة الصحة مشروعاً لتطوير و تدريب منسوبيها أو استقطاباً لكفاءات للعمل في مواسم الحج والعمرة مثلاً يجد الآخرون ممن يعملون خارج وزارة الصحة أنفسهم خارج هذا النطاق  ..!

مؤخراً بدأ تعاون محدود بين الهيئة السعودية للتخصصات الصحية و وزارة الصحة فيما يتعلق بالتدريب واتفاقيات أخرى تخدم العاملين بوزارة الصحة والتي لم تشمل البقية في القطاعات الصحية الأخرى التي قد تتأخر قطاعاتهم باللحاق بوزارة الصحة لأسباب كثيرة مختلفة ، كثيرة هي الفروقات وازدواجيات العمل ولا مجال هنا لحصرها وهناك عدة أسباب جعلت هذا التباعد يستشري بين تلك القطاعات الصحية لعل أبرزها ميزانياتها المستقلة التي تحد من مشاركة الموارد وتبادل المنافع بين كل قطاع وآخر اضافة للتنظيم الاداري المعقد و المرجعيات المختلفة لكل قطاع .

يطمح العاملون الصحيون لمنصة تعليمية طبية لمختلف القطاعات الصحية العامة والخاصة لتنظيم عملية التعليم الطبي المستمر والارتقاء بالتدريب عبر المراكز الخاصة واعتماد برامجها لدى القطاعات الصحية المختلفة و اتاحة الفرص أمامهم للتدريب و الابتعاث و المشاركة  في مواسم الحج و العمرة دون اقتصار ذلك على قطاع دون الآخر .كل هذه الآمال ليست بعيدة و لا مستحيلة اذا ما جعلنا نصب أعيننا الصالح العام وخدمة المرضى والعاملين بتلك القطاعات المختلفة.

يلاحظ المتابع الجيد للقطاع الصحي بشكل عام كل هذا التباعد والذي قد يراه البعض ميزة تنافسية الا أنه يخلق الفوارق الكبيرة خصوصاً بين مقدمي الخدمات الصحية الحكومية و  يجعل من مهمة تحقيق الرؤية السعودية 2030  أمراً شاقاً ، لكنه ليس بالمستحيل  .

وكما أن هناك تجارب واتفاقيات تعاون بين القطاعات الصحية  (لا سبيل هنا لحصرها) ، الا أنها لا زالت محدودة وفي نطاق ضيق وبحاجة لتوسع أكبر والنظر للقطاع الصحي والعاملين به بشكل عام  كقطاع واحد يسعى لهدف مشترك هو الوصول لمجتمع صحي وما يعزز ذلك من مبادرات يشترك بها الجميع للوصول للأهداف السامية المشتركة  .

 

 

 

ودمتم كل عام وأنتم بخير.