المقدمة:

تنقسم المهددات بالنسبة للمنظمات في وقت الأزمات الى خارجية وداخلية، حيث يكون الأثر هو الأقسى عند اجتماعهما في منظمة معينة وفي وقت متقارب.  وعندما يكون الخطر الخارجي جائحة من أي نوع بصفة عامة أو صحية بصفة خاصة مثل جائحة فايروس كورونا المستجد (كوفيد-19) الحالية، فإن أي جزء من الأجزاء الداخلية للمنظمة الصحية يمكن أن يكون أحد المهددات الداخلية الإضافية التي تؤثر على استدامة الخدمات وتماسك المنظمة، مما يستدعي اتخاذ الاستعدادات والتدابير اللازمة لاتخاذ القرارات العاجلة وفق منهجيات وأدوات متعارف عليها من قبل قيادات القطاع الصحي بجميع مستوياته.

ان أكثر الصناعات والقطاعات استعداداً لإدارة المخاطر والتنبؤ لها والتعامل معها هو قطاع الطيران (Aviation Industry) حيث تُرْسَمُ الخطوات وتُحَضًّر الأدوات بطريقة احترافية واستباقية من خلال الاستعداد المبكر والتدريب والتأهيل اللازم للقدرات والمواهب البشرية العاملة في ذلك المجال. 

وقد اهتم الخبراء والمختصون أيضاً في صناعة تقديم الرعاية الصحية (Healthcare Industry) باستخدام عدد من تلك المنهجيات لدرء المخاطر المحتملة حفاظا على صحة وحياة المرضى وذوييهم والعاملين والمتعاملين مع تلك المنظمات الصحية.  ولذلك تقوم إدارات الجودة وسلامة المرضى بوضع الأنظمة والإجراءات والتدريب على الأدوات اللازمة لتوقع المخاطر وكيفية التعامل معها، والتي غالبا ما تتفاوت من منظمة صحية الى أخرى تبعا للنمط القيادي والاشرافي المتواجد في تلك المنظمات والذي يؤدي ممارسته لتلك الأدوات والمنهجيات والالتزام بها من أسباب تجاوز تلك المنظمات للمخاطر المحتملة والمخطط لها مع التقليل من آثارها السلبية. 

وبالرغم من عدم الاستعداد المبكر والتخطيط المسبق لمثل هذه الجائحة تحديدا، إلا أن المنظمات الصحية الكبيرة وأقصد المستشفيات الكبرى لديها استعدادات من خلال التجارب المتعددة كخطط التعامل مع الازمات (Major disasters Plans).

وفي ظل الظروف العاجلة فان الحاجة ليست فقط الى استخدام إجراءات (Processes) ولكن إلى وجود قدرات ومواهب بشرية (People) بأنماط قيادية قادرة على سرعة اتخاذ القرار، وتعتمد بعد توفيق الله على أدوات وأطر منهجية.

وفي هذا المقال سنتطرق الى واحدة من أدوات اتخاذ القرارات التي يمكن العمل من خلالها متى ما اتقنتها قيادات تلك المنظمات الصحية.

النمط القيادي عند الأزمات وأدواته:

في ظل الانشغال مع المهدد الخارجي (External Threat) لمنظماتنا الصحية وكيفية التعامل معه، فان هناك أخطار داخلية (Internal Threats) متعددة تُحتِّم على قيادات المنظمة الصحية التعامل معها خلال إدارتها لهذه الازمة. ويأتي التساؤل عن كيفية تعامُل القيادات الصحية في منظماتهم مع النقص المفاجئ الذي يمكن ان يحصل في الامدادات الطبية للمرضى او في الأدوات المستخدمة عند الممارسين او النقص غير المخطط له في الأطباء العاملين او الممرضين بسبب اصابتهم بنفس المرض أو نحوه؟ 

وحيث تختلف الأنماط والصفات القيادية المتواجدة في تعاملها مع منظماتهم وقت الرخاء مقارنة بما يتطلبه الموقف وقت حدوثه، فمنهم الشخص الهادئ الطباع والذي يؤدي نمطه القيادي الديموقراطي (Democratic Leadership Style) الى تأخير حاد في اتخاذ خيارات القرار المهمة، ومنهم الشخص الذي لا يتحمل الضغط الكبير عليه الناتج عن الموقف إضافة الى نمطه القيادي الاستبدادي (Autocratic Leadership Style) الذي ينتهي بشلل كامل او جزئي لعملية اتخاذ القرار المطلوبة أو ربما يتجه الى أوامر أحادية الرأي وتكون معبرة عن الثقة الزائدة في تقديره للموقف.

ولذلك فان التدريب على منهجيات مسبقة في اتخاذ القرارات في أوقات الأزمات والتي يتم اعتمادها داخل المنظمة الصحية سيكون لها نتائج مبهرة في تقليل نسب الخطأ عند التعامل مع تلك المخاطر العاجلة، ومنها النموذج المسمى (تي. دو. دار. TDODAR) المستخدم في مقال اليوم، فما هو؟

هو إطار أو منهجية لاتخاذ القرار الصائب بطريقة منطقية لاتخاذ القرارات ويستخدمه الطيارون في المواقف العاجلة التي تتطلب قراراً سريعا بعلم وحكمة وثقة وغيرهم من القادة في المنظمات الأخرى.

وسنعمل على تفسير وشرح خطواته من خلال التسلسل المنطقي له في النموذج التالي:

رسم توضيحي 1 يحدد ست خطوات متتالية تبدأ بالوقت وتنتهي بالمراجعة

 

 

يتم استخدام النموذج (TDODAR) لأخذ قرارات معتبرة في حالات الطوارئ والأزمات داخل المنظمة عندما يكون عنصر عدم التأكد هو السائد لما ينبغي فعله.

 ويقول الكابتن “ديفيد موريارتي” مؤلف كتاب (Practical Human Factors for Pilots) ان هناك عدد من الضوابط التي يتطلب العمل من خلالها عند استخدام إطار (TDODAR) وهي كما يلي:

  • تنفيذ كل خطوة من الخطوات الستة باستقلالية.
  • رصد الأفكار والحقائق بدقة لجعل النقاش مركزا وسريعا.
  • يُعزز التعاون ويدعم الاجراء ويساعد في توجيه الأسئلة المباشرة بدون تدخل لتحليل الموقف بأمانة وبوجهات نظر موحدة.
  • الانتقال لخطوة جديدة يتطلب موافقة وان لم تكن هناك موافقة فاختر الرأي الأكثر تحفظا ثم انتقل للخطوة التي تليها.

خطوات النموذج

الخطوة الأولى: الوقت (Time):

من المهم تسجيل الوقت المتاح لإنهاء القرار من خلاله وكتابته في مكان بارز للجميع، أو عمل عداد تنازلي (Countdown) للوقت المتبقي، وهذا يساعد على تخفيف الهلع بشفافية المعلومة ومعرفة الوقت المتبقي للإنجاز، كما يساهم على ترتيب الأولويات عندما يكون الوقت المتاح قليلا.

الخطوة الثانية: التشخيص (Diagnosis)

وتتبلور في هذه الخطوة الأسباب ويُعْرَف الظاهر منها والخفي من خلال نقاش المجموعة المساندة للقائد.  وإذا كانت المشكلة ليست معقدة فيمكن استخدام أداة الأسئلة الخمسة “لماذا” (5Whys)، وهي طريقة سريعة للوصول الى جذور المشكلة.  اما إذا كانت المشكلة معقدة فان تشخيصها يمكن الوصول إليه من خلال أداة تحليل السبب-النتيجة (Cause-Effect Analysis) والتي نحاول ان نطرحها ضمن أدوات أخرى في مقالات قادمة بإذن الله.

إن التشخيص الشامل والعميق يساعد متخذ القرار على الابتعاد عن القرار المتحيز والذي يعتمد على وفرة المعلومات الظاهرة المبنية على افتراضات مسبقة دون الولوج الى جذور المشكلة.

 الخطوة الثالثة: الخيارات (Options):

إن التعرف على طبيعة المشكلة من خلال التشخيص وإظهار مسبباتها للسطح، تساعد القائد في التفكير في وضع الخيارات اللازمة لحل تلك المشكلة.  ولذلك فإنه ينصح باستخدام أكبر عدد من الخيارات للوصول الى أفضلها من خلال منهجية العصف الذهني كمثال.

الخطوة الرابعة: القرار (Decide):

تعتبر هذه الخطوة مهمة حيث يجب الاخذ بالاعتبار جميع الخيارات السابقة واخذ القرار الصائب والرشيد لأفضلها والمتفق عليه لتنفيذه.  كما أن من الحكمة مشاورة الفريق لتجنب أخطار الثقة الزائدة في القرار المختار لأخذ اراءهم السريعة حوله.

الخطوة الخامسة: التنفيذ او التعيين (Act or Assign):

وهنا يبدأ تحويل وتجزئة القرار المتخذ الى مهام متعددة لتسريع عملية انجاز المهمة وتكاملها من خلال إدارة الفريق الناجح كل فيما هو مبدع فيه فيتم تحديد المسؤول عن التنفيذ والمسؤول عن التحفيز والمسؤول عن المساندة وهكذا.

الخطوة السادسة: المراجعة (Review):

تعتبر هذه الخطوة هي الحاسمة والأكثر أهمية، حيث يتأكد القائد بان كل ما يُنَّفَذْ يتم وفق ما خطط له، كما أن الإجراءات تسير حسب المتفق عليه لتحقيق نتائج حلول تلك المشكلة.  كما تعتبر هذه الخطوة هي كشاف لما يحصل من خللٍ ليتم تداركه بإعادة تنشيط نموذج (TDODAR) مرة أخرى لإيجاد حلول ناجحة قبل فوات الأوان من حيث إعادة مناقشة الافتراضات التي وضعت وجمع المعلومات التي استبعدت للوصول الى حل أفضل للمشكلة.

الخاتمة:

إن الحاجة تزداد بشكل كبير لأهمية القيادات وحضورها الذهني والفكري وتواجدها الفعلي في ظل الازمات، حيث يتطلّع العاملون الى قرارات قياداتهم لإزالة تلك العقبات التي تعترض سير الإجراءات. إضافة الى ذلك فإن طاقتهم الإيجابية كقيادات تساعد العاملين كثيراً لعبور تلك الأوقات الصعبة. ومن هنا فان النمط القيادي يجب ان يكون مرناً ويتغير في ظل الازمات عن النمط السائد في الأوقات الطبيعية لنمو المنظمات ويحتاج أن يعمل على استخدام الأدوات المنهجية لمساعدته في التفكير والوصول الى الحلول الملائمة.

 وأخيرا، فلابد من عمل جلسة مراجعة ختامية بعد تجاوز الازمة الداخلية للاستفادة من هذا الدرس ووضع الخطط اللازمة لتجنب وقوعه مستقبلا.. وقد قيل سابقاً أنه (إذا فشلنا في التخطيط فإننا نخطط للفشل).

والى لقاء في مقال آخر بإذن الله…

 

الدكتــور جمعــــه بن فرحــــــــان العنزي
الرياض، المملكة العربية السعودية
[email protected]
@jalanazi