سلسلة معادلة الصحة

  في الدالِ حياة

رغم امتناننا للتطور من حولنا الذي بفضل الله ثم بسببه سُهِلَت لنا أمور حياتنا وأصبحت تسير بشكل أفضل , لكن هذا التطور جعلنا نفقد بعضاً من الفوائد التي كانت تؤول إلينا بالمنفعة العظيمة.

لنوضح لكم الصورة أكثر أغلب الناس أصبحوا يعيشون في مباني تحجب عنهم أشعة الشمس أو بمعنى آخر لا تسمح بمرور أشعة الشمس إلى داخل المنزل بشكلٍ كافٍ ليستطيع الإنسان الاستفادة منها.

وأحدى الفوائد التي فقدناها من اشعة الشمس هي فيتامين د , الذي أصبح الآن حديث مجالس العلم بسبب الأمراض التي نتجت من نقصانه في الجسم , ولن تتصوروا الدور الكبير الذي يلعبه في المحافظة على صحة الإنسان , ونقص هذا الفيتامين أمر شائع لدى معظم دول العالم فقد بلغت نسبة نقصه في بلادنا ما بين 80 إلى 90% وهي نسبة عالية جداً بالرغم من أن الأجواء التي نعيشها غنية بأشعة الشمس وكانت  هذه النسبة  نتاج اجتماع عُقِدَ بين فريق بحث سعودي ورئيس قسم ابحاث العظام بجامعة بوسطن في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية للحرس الوطني بالرياض.

لنذكر هذه الفوائد ابتداءً بصحة الإنسان النفسية , وجدت دراسات أُجرِيت على 12.600 ألف مشارك من سنة 2006 إلى سنة  2010 تؤكد علاقة الاكتئاب بنقص فيتامين د , فقد كشفت الدراسات أن نقصه في الجسم يساهم في ظهور أعراض الاكتئاب و اعتداله يقلل من ظهورها و هذا ما صرح به د.شيروود براون استاذ الطب النفسي في جامعة تكساس .

 فإذا اردت أن ترى فائدة أشعة الشمس بشكل عام دون التعمق في فائدتها من خلال هذا الفيتامين , قم بإجراء تجربة منزلية على نفسك حاول أن تبقى في المنزل عدة أيام دون التعرض لأشعة الشمس ثم بعد ذلك أفعل العكس ابدأ صباحك بفتح نوافذ المنزل وأجعل أشعة الشمس تعبر إلى داخل المنزل .. ماذا تشعر؟ أجزم أن أول شعور سوف يراودك هو إحساسك بانشراح في النفس وتغير لحالة المزاج  , سوف تحصل على طاقة إيجابية مملوءة بالنشاط الذي سوف يكون لك محفز قوي يساعدك على إنجاز مهامك اليومية بشكل أفضل . هذه اسرع فائدة تستطيع أن تكتسبها من أشعة الشمس فما بالك إذا حافظت على مستوى فيتامين د في جسمك !!

و إن كنت تعاني من انخفاض السكر في الدم فضع في حسبانك أنه ربما يكون لديك نقص في مستوى الفيتامين لديك و إن كنت تهتم بصحتك و تريد التقليل من التعرض لخطر الإصابة بذلك عليك بالمحافظة على مستواه في جسمك , لأنه يعمل على تحفيز البنكرياس لضخ الأنسولين في الجسم.

و للفيتامين أثر كبير على صحة العظام والأسنان  و يؤكد ذلك د.لوناساندون وهو استاذ مساعد في التغذية السريرية في جامعة تكساس . يقول فيه أن فيتامين د  مسبب للإصابة بهشاشة العظام أو لين العظام , لأنه يساعد على امتصاص الكالسيوم في العظام وتنظيم نسبته في الجسم بالإضافة لتنظيم نسبة الفوسفات , وبذلك  الأمر يصبح هذا الفيتامين عنصر قوي في نمو الأسنان و محاربة التسوس .

كانت لدي معلومة خاطئة وأعتقد أنني لست الوحيدة في هذا الأمر,  فقد وجَدت أن لهذا الفيتامين اسباب أخرى لنقصه غير قلة التعرض لأشعة الشمس على سبيل المثال الأشخاص الذين يعيشون في المناخات الباردة يكون نقص فيتامين د شائع لديهم في نهاية فصل الشتاء ويدرج سبب ذلك لقلة تعرضهم لأشعة الشمس, ايضاً يمكن أن يكون بسبب الأدوية مثل بعض المضادات و العقاقير المضادة للفيروسات المستخدمة لعلاج العدوى بفيروس نقص المناعة البشرية  ,غير ذلك  التقدم في العمر الذي يقلل من تكوين المادة الأساسية المكونة لفيتامين د في الجلد , بالإضافة إلى  نقص التغذية و أمراض الكلى والكبد , وحقيقةً ما صعقني أن للسمنةِ دور في ذلك وما أصابني بالدهشة أن الإصابة بالحروق الشديدة أيضاً تدرج تحت مسببات النقص.

ولا يقتصر أمر نقصه على ذلك فلكِ أنتِ خصيصاً عزيزتي الأم يمكن لطفلك الإصابة بنقص الفيتامين إذا كنتِ مصابة بالنقص في فترة الحمل أو الرضاعة , و ايضاً إذا قدر الله وكتب لكِ أن تَلِدي جنينك في وقت مبكر فسوف يكون إصابته بذلك أمر محتمل لكن لا تجزعي  فعلاج ذلك أمره يسير إذا حرصتي على تنفيذ تعليمات الطبيب المعالج بحذافير دون تكاسل أو تهاون في الأمر .

ولدى الكثير منا معتقد أن مصدر هذا الفيتامين أشعة الشمس فقط وهذا الاعتقاد خاطئ تماما , فمن لطف الرب بسكان المناطق الحارة أنه جعل لفيتامين د مصادر أخرى طبيعة غير اشعه الشمس مثل الجبن , الزبدة , سمك السلمون ,زيت كبد السمك , سمك التونة ,السردين, صفار البيض ,الحليب , لحم البقر وكبد العجل , وايضا توجد قطرات تباع في الصيدلية يتم وصفها الطبيب أو الصيدلاني بجرعة تناسب عمرك واحتياجك ويفضل قبل أخذها أن تذهب إلى الطبيب ليتم عمل لك فحص للدم يُظهر لك إن كنت بالفعل تعاني من النقص فيستطيع من ذلك تحديد الجرعة المناسبة لك بدقة أكثر.

ولكي نزيد من حصيلتك المعرفية أضف لنفسك هذه المعلومة  وهي أنه يجب على الأم المعتمدة على الرضاعة الطبيعية أن تعطي طفلها 400 وحدة دولية من فيتامين د خلال الستة الشهور الأولى من عمره , أما احتياج الشخص البالغ 800 – 2000 وحدة دولية من هذا الفيتامين.

وبعد تدرجنا في معرفة الحقائق المرتبطة بهذا الفيتامين تبقى لنا ذكر الوقت المناسب للتعرض لأشعة الشمس , وجدتُ دراسة سعودية بالتعاون مع جامعة بوسطن الأمريكية تذكر أن الوقت الصحيح هو من الثامنة والنصف صباحاً إلى الرابعة عصراً, وأن أفضل فترة تكْمن الفائدة  فيها هي الفترة التي  بين الساعة التاسعة والنصف والحادية عشر صباحاً  , ويجب عليك أن تهتم بالوقت فعلاً ولا تقم بإهمال هذه المعلومة و تضربها بعرض الحائط لأنه بالفعل عدم التعرض لأشعة الشمس في الوقت المناسب هو من اهم مسببات انتشار نقص فيتامين د , و لكي لا تصاب بضربة شمس بسبب عدم معرفتك للمدة المحددة للتعرض  يجب عليك أن تعلم أن المدة تتراوح  بين 10 إلى 20 دقيقة ليس أكثر ولا أقل  ,  ولكي تجعل جسمك يستفيد بالفعل من أشعة الشمس بشكل أكبر عليك أن تتأكد من أن جميع مسابغ الوضوء مكشوفة.

ونقطة مهمة أريد ذكرها لكم في أمر قد اعتادَ عليه أمهاتنا وهو تعريضنا في الصغر لأشعة الشمس , و بالفعل قد أظهرت الدراسات أن هذه الطريقة صحيحة  لكن لكي يستفيد الطفل من تلك الأشعة يجب أن تكون النافذة مفتوحه و ذلك لأن زجاج النافذة يسمح بمرور أشعة الشمس فقط دون مرور الأشعة المفيدة لاكتساب فيتامين د و بذلك لن تتحقق الغاية المرجوة  .

 وفي النهاية يجب أن نقول أنه حان الوقت الذي يجب أن نستيقظ فيه من سباتنا , ففي حياتنا كنوز ثمينة وضعها الله لنا في أرضه تكمن فيها فوائد عظيمة يجب أن نجعلها نصب أعيننا لأن الصحة تاجٌ على رؤوس الأصحاء لا يعرف قيمتها إلا من يفقدها.

 

اسراء الغريبي