الجودة الصحية (متابعات) حنين المحمود

يشكّل ظهور نسخ متحورة من فيروس كورونا-سارس-2، المسبب لمرض كوفيد-19، تذكيراً هاماً بأن الفيروسات بحكم طبيعتها معرّضة لحدوث طفرات، وأن الاستجابة العلمية قد يلزمها التكيف لتحافظ على فعاليتها ضدها.

وفي ضوء الأخبار التي ظهرت مؤخراً بشأن البيانات الأولية عن تدني فعالية لقاح أسترازنيكا/أكسفورد في الوقاية من الحالات الخفيفة إلى المتوسطة لمرض كوفيد-19 الناجمة عن المتحوّر الفيروسي B.1.351، من المهم الإشارة إلى أن التحليل الأولي للبيانات المستمدة من المرحلة الثالثة من التجارب أظهرت حتى الآن – في السياقات الفيروسية الخالية من هذا المتحور – أن لقاح أسترازنيكا/أكسفورد يمنح حماية من الإصابة بمرض وخيم والحاجة إلى دخول المستشفى والوفاة. ويعني ذلك أن من المهم للغاية الآن الوقوف على مدى فعالية الفيروس عندما يتعلق الأمر بالوقاية من الأشكال الأشدّ وخامة من المرض التي يسببها المتحور B.1.351.

وسيتيح لنا إجراء المزيد من الدراسات تأكيد مقرر التطعيم الأمثل وأثره على نجاعة اللقاح. وقد أعلن الائتلاف المعني بابتكارات التأهب لمواجهة الأوبئة (CEPI) عن تمويل أبحاث سريرية إضافية لتحقيق أقصى استفادة من اللقاحات الحالية وتوسيع نطاق استعمالها، مما قد يشمل دراسات قائمة على “خلط وتوليف” لقاحات مختلفة سعياً إلى تحسين جودة وقوة الاستجابة المناعية. وقد تكون هذه الدراسات مفيدة في تحقيق الاستفادة المثلى من استعمال اللقاحات المتاحة، بما فيها لقاح أسترازنيكا/أكسفورد.

وقد عقد فريق الخبراء الاستشاري الاستراتيجي المعني بالتمنيع (SAGE) التابع لمنظمة الصحة العالمية اجتماعاً اليوم لاستعراض الأدلة المتعلقة بلقاح أسترازنيكا/أكسفورد، بما في ذلك الأدلة المستجدة بشأن أداء اللقاح في مكافحة المتحورات الفيروسية، والنظر في الأثر المثبت للمنتج وتقييم المخاطر مقابل المنافع لاستعماله وفقاً للبيانات المحدودة المتاحة. ويجري العمل على وضع هذه التوصيات بشأن استعمال منتج أسترازنيكا في صيغتها النهائية توخياً لعرضها على المدير العام للمنظمة في 9 شباط/فبراير 2021.

ورغم أن الأخبار الأخيرة عن ضعف فعالية لقاح أسترازنيكا/أكسفورد ضد المتحور B.1.351 تستند إلى دراسة صغيرة الحجم ركزت على مشاركين غير معرّضين لمخاطر كبيرة وباستعمال جرعات فاصلة غير مصممة لتوليد أفضل استجابة مناعية، فإن هذه النتائج تؤكد أننا يجب أن نفعل كل ما بوسعنا للحدّ من انتشار الفيروس والوقاية من العدوى والحدّ من فرص تطور فيروس كورونا-سارس-2 المؤدية إلى حدوث طفرات قد تحدّ من نجاعة اللقاحات الحالية. ويعني ذلك أيضاً ما يلي:

  • يجب أن يبقى مصنّعو اللقاحات على أهبة للتكيّف مع التطور الفيروسي لفيروس كورنا-سارس-2، بما يشمل إمكانية إعطاء جرعات معززة ولقاحات مكيّفة في المستقبل، إذا ثبتت ضرورتها علمياً.
  • يجب تصميم التجارب السريرية ومواصلتها على نحو يسمح بتقييم أي تغيرات في نجاعة اللقاح، وبحيث تتسم بما يكفي من النطاق والتنوع للتمكين من تفسير نتائجها بوضوح.
  • يجب دعم الترصّد الجينومي المعزز بالتقاسم السريع للبيانات الجينية والوصفية على نحو يسمح بالتنسيق والاستجابة على الصعيد العالمي.
  • ينبغي إعطاء الأولوية لتطعيم الفئات الأشد عرضة للمخاطر في كل مكان، ليتسنى ضمان أقصى حماية عالمية ممكنة ضد السلالات الجديدة من الفيروس والحدّ من خطر انتقالها.
  • يتعين على الحكومات والجهات المانحة، فضلاً عن بنوك التنمية، تقديم المزيد من الدعم لمرفق كوفاكس لضمان إتاحة اللقاحات وتوزيعها على نحو منصف، وكذلك لتغطية تكاليف أنشطة البحث والتطوير المستمرة للجيل القادم من اللقاحات.
  • تعكف منظمة الصحة العالمية على تعزيز آلية قائمة لرصد وتقييم المتحورات التي قد تؤثر على تركيبة اللقاح وتوسيع تلك الآلية لتقديم إرشادات للمصنّعين والبلدان بشأن التغييرات التي قد يتعين إدخالها على اللقاحات.

وقد أنشئ مرفق كوفاكس لضمان الإتاحة العالمية المنصفة للقاحات كوفيد-19 المأمونة والفعالة. وهذا المرفق، الذي يضم أكبر حافظة نشطة من اللقاحات المرشحة ضد كوفيد-19، يتيح للمشاركين الممولين ذاتياً والمشاركين المؤهلين للحصول على الدعم من خلال التزام السوق المسبق لتحالف اللقاحات “غافي”، الوصول إلى طائفة متنوعة من اللقاحات المرشحة التي تناسب طيفا ًواسعاً من السياقات والظروف. وتعدّ القدرة على نشر اللقاحات على الصعيد العالمي لمواجهة هذه الجائحة المتطورة أكثر أهمية من أي وقت مضى، شأنها شأن التنسيق العالمي لضمان عدم التفريط بأثر اللقاحات وقيمتها. وإذا لزم تطوير لقاحات جديدة، فإن ضمان إتاحتها عالمياً سيكون أكثر أهمية وإلحاحاً، إذ ما زلنا نرى بوضوح أننا لن نكون في مأمن حتى يكون الجميع في مأمن.

وبالنسبة للقاح أسترازنيكا/أكسفورد، فقد وقّع مرفق كوفاكس اتفاقات شراء مسبق مع أسترازنيكا ومعهد سيرم في الهند ونشر خططاً لتوزيع نحو 350 مليون جرعة في النصف الأول من هذا العام. ونتوقع أن تصدر المنظمة قراراً هذا الشهر بشأن ما إذا كانت ستدرج اللقاح في قائمة اللقاحات المرخص باستعمالها في الطوارئ، كما ننتظر توصية من الفريق الاستشاري الاستراتيجي بشأن الاستعمال الأمثل للقاح. وإذا تم ترخيص الاستعمال الطارئ للقاح، فنتوقع أن يكون له دور رئيسي في مساعينا الرامية إلى حماية الفئات الأشد عرضة للخطر ومساعدتنا على وضع حد للمرحلة الحادة من الجائحة.