تعمل معظم حكومات دول العالم على توفير (3)خدمات أساسية للمواطنيين بالمجان كما ورد في دساتيرها وهي التعليم والأمن والصحة التي يتفاوت حجم الوفاء بها من دولة إلى أخرى بحسب إمكانات كل دولة ومستوى الدخل لدى مواطنيها.             
 وفى الفترة الأخيرة بدأت الكثير من الدول في إعادة هيكلة نظمها الصحية لمواجهة الإنفاق المتزايد عليها وزيادة الطلب على الخدمة من قبل المواطنين،وذلك من خلال خصخصة هذه الخدمة والتخلي عن تقديمها للقادرين بالمجان. 
 في المملكة ومنذ صدور النظام الصحي في عام (2003) وهي تسعى حثيثاً في إعادة هيكلة نظام تقديم الخدمات الصحية من خلال رفع نسبة التغطية التأمينية في العلاج للمواطنين والمقيمين عن طريق جهات عملهم وإعادة تشكيل المرافق الصحية بما يعرف في التجمعات الصحية للرفع من جودة الخدمة ومواجهة الطلب المتزايد عليها وتقديمها على أسس تجارية بحته بعيداً عن المجانية على أن تتولى الدولة تقديم خدمات معينة بالمجان ولفئات إجتماعية محددة.                                                     
يبدو هذا الأمر طبيعياً في ظل الظروف العادية السابقة ولكن بعد ظهور كورونا هناك تساؤل مطروح:                               
هل يمكن لنظم صحية تقوم على مبدأ الربحية أن تلبي الطلب على الخدمة الناتجة عن مثل هذه الجائحة ؟.                   
  اظهرت الجائحة أن فعالية وجودة نظم الخدمات الصحية في العالم وسرعة تلبية الطلب منها لا يعكسه حجم الإنفاق عليها ولا أسلوب تقديمها و لا الجهة الخاصة القائمة على تقديمها حيث شاهد العالم فشل النظم الصحية في أوروبا ، وأمريكا في تلبية الطلب على الخدمة وموت المرضى في ممرات المستشفيات حينما تخلت هذه الدول عن تقديمها مباشرة ،بينما في المقابل  كوبا الدولة محدودة الإمكانات نجحت  في مواجهة الجائحة و زودت دول العالم المتقدمة بالقوى العاملة الطبية لسد عجزها.     
ما يمكن الاستفادة منه من تجربة التعامل مع كورونا في الفترة الماضية أن الصحة هي الركيزة الأهم في التنمية حيث أنهارت النظم الإقتصادية بسبب إعتلالها ،وأنها تعد أمن قومي للدول وشاهدنا توقف سلاسل الإمداد الطبية بين دول العالم وكانت هناك مساومات سياسية حولها.                                                                                            
 يجب على صانع القرار الصحي في المملكة النظر بشمولية لمنظومة الخدمات الصحية لكافة مدخلاتها(القوى البشرية-التجهيزات الطبية-الامداد والتموين لها) ،يضاف لذلك أسلوب تقديمها من خلال تولي الدولة تقديم الخدمة الطبية للمواطنين والمقيمين من خلال إعادة هيكلة النظام الصحي القائم حالياً  ليكون قادر على مواجهة هذه التحديات من خلال تولي الدولة تقديم هذه الخدمة مباشرة وخصوصاً المستوى الاول منها(الرعاية الصحية الاولية) .                                  
يجب أن ندرك بأن الحالة الصحية للمجتمع واقع متغير بإستمرار والتي يتوجب معها تصميم نظام صحي يلبي الحاجة الناتجة عن هذا التغيير وخصوصاً مع تقارير منظمة الصحة العالمية التي تشير لظهور أوبئة جديدة ، عندها سنكون قادرين بحول الله وقوته في تجاوز أي جائحة قادمة.                                        
د.عبدالله زبن الحربي