إعداد : أ / عبدالرحمن المزروع

 

يمكن تعريف الشغف بأنه الميل القوي نحو عمل أو نشاط معين، بحيث يستثمر فيه الشخص معظم وقته وجهده، وشغف الموظف في المجتمع الوظيفي هو المبادرة بكل ما يمكن والحماس والحب للمهام الوظيفية وتقديمها على أي عمل آخر، وتجدر الإشارة إلى أن حب العمل وإتقانه فضيلة شرعية قبل أن تكون وظيفية، فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)، وفي المجتمع الوظيفي يعتبر حب العمل وإتقانه من المتطلبات الأساسية التي تضمن بعد توفيق الله نجاح الموظف وبالتالي نجاح كامل المنظمة، وذلك لأن شغف الموظف بعمله يدفعه للإبداع والتطوير وتحقيق الأهداف ومن ثم رقي وازدهار المجتمعات نتيجة المخرجات السليمة والصحيحة علاوة على المنافع المادية، ويتميز الموظف الشغوف بأنه دائما يشعر بالحماس ويتحلى بالعزيمة ويفكر بإيجابية ومُلهم للآخرين ومستعد لمواجهة وتحمّل المخاطر، لذا تسعى المنظمات الرائدة إلى إشاعة الأجواء الإيجابية بين الموظفين وتشجيعهم والمحافظة على شغفهم وحماسهم وتحسين كفاءتهم وذلك من أجل تميّز سمعتها ونجاح عملها ودوام عطائها بعد توفيق الله، ومن المؤسف أن ينتشر في بعض المنظمات ومن خلال بعض مسؤوليها ممارسات تؤدي إلى فقدان الشغف وقتل الإبداع وإطفاء شعلة الحماس لدى الموظف وتجعله يفقد الطموح، وقد أجرى معهد غالوب دراسة على أكثر من 180 مليون شخص وتبيّن أن 13% منهم فقط يمارسون أعمالهم بشغف، وبالطبع تختلف الأسباب من منظمة إلى أخرى ومن موظف لآخر، لذلك سيتم الإشارة في هذا التقرير المختصر إلى أهم الممارسات التي تؤدي إلى فقدان الشغف لدى الموظف وتصيبه بالإحباط وتجعله من موظف مبادر يهتم بكل شيء إلى موظف سلبي لا يهمه أي شيء..

 

ممارسات من المنظمة تقضي على شغف الموظف

  • عدم الاهتمام بتدريب وتطوير الموظفين، وذلك أن الموظف عندما يشعر باهتمام المنظمة به وبتطوير مهاراته يزداد تمسكا بها ويقدم أفضل ما لديه.
  • عدم المرونة في الأنظمة، حيث أن اتباع الأنظمة حرفيا يضفي على بيئة العمل مشاعر سلبية والشعور بعدم الرضا لعدم تقدير ظروف الموظف والتعامل معه كأنه آلة أو جهاز وليس كإنسان له ظروفه، ومما يزيد الأمر سوء عندما يطبق النظام بحذافيره على فئة دون الأخرى.
  • عدم العدالة في الترقيات وانتشار المحسوبيات في بيئة العمل، فلا يمكن أن نطلب أفضل ما عند الموظف وهو يعاني من الإجحاف ويفتقد العدالة، ويرى من هو أقل منه كفاءة يتم تكريمه وترقيته.
  • عدم مكافأة المتميزين وتجاهل انجازاتهم أو سلبها تحت شعارات براقة كالعمل الجماعي، أما إذا نسب إنجازهم إلى آخرين فهذا قد يسبب ردة فعل عنيفة لدى الموظف المتميز والذي من الممكن أن يترك العمل أو يصبح أقصى ما يعمله هو الالتزام بالحضور والانصراف.
  • الاستبداد وحصر القرار بيد فرد واحد أو أفراد محددين، و لا يتم مراعاة آراء الموظفين الآخرين أو اقتراحاتهم أو مشاركتهم في اتخاذ القرار.
  • الفوضى الإدارية كعدم تنسيق المواعيد، والتخبط في إصدار الأنظمة واللوائح بشكل مستمر، وكثرة الاجتماعات غير الهامة المعيقة لأداء المهام الوظيفية والتي يمكن الاستغناء عنها بطرق أكثر مهنية، وكما قال عالم الإدارة دركر: (فرّق بين التحرك والتقدّم).
  • يُقال للموظف أنت محظوظ بالعمل هنا، وعلى الرغم من أن هذه الجملة قد تكون صحيحة في أوقات انتشار البطالة وصعوبة الحصول على عمل، إلا أنه يجب أن لا تأتي من إدارة المنظمة وإنما بتقدير ذاتي من الموظف أو بنصيحة من طرف ثالث.
  • قسم الموارد البشرية لا يقدم المساعدة، ولا يتعامل مع الموظف على أنه حقا مورد بشري مهم كما تتوجب وظيفتهم، وقد يكونون أحيانا جزء من المصاعب التي تواجه الموظف.

 

ممارسات من المدير تقضي على شغف الموظف

  • كثرة لوم الموظف والتركيز على أخطاءه وتجاهل انجازاته، وعدم سعي المدير لتوجيه الموظف لتجنّب الخطأ قبل وقوعه، وهذا ما يسبب للموظف شعور بأن مديره لا يرى سوى الأخطاء أو التقصير، وأن المدير لا يجد العذر له ومن ثم يشعر بأنه شخص غير مرغوب فيه، ويزداد تأثير اللوم على الموظف عندما تلقى اللائمة عليه لأسباب خارج إرادته أو لعدم وضوح الأنظمة ووجود التوجيهات الصريحة.
  • تكليف الموظف بالمزيد من المهام الوظيفة وعدم الاهتمام بما بذله من جهد مضاعف، ولا يتم مقابلة ذلك ماديا ولا معنويا كالشكر ولا وظيفيا كالترقية، وقد يطلب من الموظف بعض المهام التي تحتاج مهارات معينة ولا يتم تدريب الموظف عليها، حينها يشعر الموظف بالإحباط وأن الهدف هو انهاكه وظيفيا وليس تطويره.
  • تكليف الموظف بمهام أقل من مستواه الوظيفي وأدنى من قدراته ومؤهلاته، وهذا يسبب له الإحباط ويشعر بالتقهقر بدلا من الشعور بالتقدم، في حين أن الموظف يرغب بالمزيد من المعرفة والتطوير يجد أنه يتراجع للخلف ويفقد العديد من المهارات المعرفية.
  • سوء التواصل بين المدير والموظف، وعدم حصول الموظف على المعلومات اللازمة والضرورية من مديره، أو عندما يتعامل المدير بما يحبط الموظف كأن يسخر من أفكاره ومقترحاته أو يرهقه بتتابع المهام بدون الأخذ في الإعتبار الوقت اللازم للإنجاز، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (اللهم من وليّ من أمر أمتي شيء فشق عليهم اللهم فأشقق عليه)، لذلك حين يرى الموظف ذلك من مديره يشعر بأنه شخص غير مرغوب به وأنه مهما قدّم فلن يتم تقديره.
  • حينما ينسب المدير إنجازات موظفيه له، ويظهر بها أمام الإدارة العليا دون الإشارة لمن قام بهذا العمل، حينها لا يمكن أن نتوقع مستقبلا موظفين يعملون مع هذا المدير بإخلاص وحماس، يقول جاك ويلش: (نجاحك قبل أن تصبح قائدا هو أن ترتقي بنفسك، أما حين تصبح قائدا فنجاحك هو أن ترتقي بالآخرين).
  • عندما لا يقف المدير في صف الموظف عند وجود أي مشكلة أو عوائق تواجهه، ولا يدافع عن حقوقه لدى الإدارات الأخرى، فمن الطبيعي أن يكون الموظف شخص سلبي ولن يهتم بمستواه الوظيفي بعد ذلك.
  • عدم وفاء المدير بوعوده، وهذا ما يجعل الثقة مفقودة بين الطرفين، فلا يمكن أن يجتهد الموظف ويسعى للمستقبل بكل حماس وهو يتجرع اليأس من مديره.
  • إذا طبق المدير مع فريقه قاعدة (فرّق تسد)، وهذه أحد اكبر الأخطاء الوظيفية، فبدلا من تشجيع العمل بروح الفريق الواحد والسعي للتجانس بين الموظفين، نجد أن البعض للأسف يعمل على تقسيم الفريق لعدة مجموعات متناحرة بدلا من فريق متعاون.

 

ماذا يعمل الموظف الذي يتعرض لذلك؟

تجنّبا للاحتراق الوظيفي والمشاكل الصحية ينصح المختصين بالبحث عن إدارة أخرى إذا كانت المشكلة من المدير، مع أنه من الممكن أن يترك الموظف كامل المنظمة بسبب مديره، وكما قال ماركوس ماكينجهام: (الأشخاص يتركون المدراء وليس الشركات)، أما إذا كانت المشكلة من المنظمة ككل وبيئة العمل فيها، فالأفضل هو البحث عن فرص وظيفية في مكان آخر، لكن عندما تكون الظروف غير مناسبة لذلك فلابد للموظف الاستمرار في عمله مع الأخذ بالنقاط التالية:

  • أداء العمل والمهام على أكمل وجه وبما يرضي الله عز وجل ويؤدي الأمانة التي سيحاسبه الله عليها.
  • احتفاظ الموظف بسجل خاص به، يتم فيه تسجل جميع انجازاته، خصوصا إذا كان استغلال الجهود وسلب الإنجازات ظاهرة في المنظمة التي يعمل بها.
  • تحديد قائمة نشاطات تجعل الموظف مشغولا خلال ساعات العمل، مثل القراءة أو الإطلاع على بعض الأنظمة واللوائح بحيث يتم كسر الروتين اليومي والابتعاد عن الأجواء السلبية مع الحرص بأن ذلك لا يعطل سير العمل.
  • فعل أشياء يحبها الموظف فور خروجه من العمل، لكي لا يجعل سلبيات العمل تؤثر على حياته، ويلزم وضع حدود فاصلة بين الحياة العملية والشخصية.
  • التطوير الذاتي والالتحاق بالدورات التدريبية، والاستمرار في تنمية الذات وتطوير المهارات وعدم العزوف عن ذلك بحجة عدم إتاحة الفرصة من قبل المنظمة التي يعمل بها.
  • الاستعانة بعد الله بمتخصص، وذلك لأخذ المشورة الإدارية، ومعرفة ما ينبغي عمله وما ينبغي تجنّبه، مع الحرص أن يكون هذا الشخص متخصصا في المجال الإداري أو صاحب تجارب سابقة.

 

 

 

المراجع:

المرجع الأول : كتاب أفضل مدير وأسوأ مدير، جيمس ميللر

المرجع الثاني: كتاب لكي تكون مديرًا جديرًا، ماركوس باكينجهام و كيرت كوفمان

المرجع الثالث

المرجع الرابع

المرجع الخامس