2012/11/11

تريثت قبل أن أكتب هذه المقالة وسألت نفسي هل هناك عمل أقوم به أفضل من كتابة هذه المقالة مثل كتابة بحث يساعد في ترقيتي أو قضاء وقت في عيادة خاصة تساعد في الوضع المالي المتأزم لأعضاء هيئة التدريس الأطباء أو التجهيز لبعض المحاضرات في بعض المؤتمرات التي أشارك فيها أو قبل ذلك قضاء وقت ثمين مع أفراد أسرتي؟ أيقنت أن كل ماذكرت أفضل من أن أكتب مقالة لا تسمن ولا تغنى من جوع.

ثم تساءلت هل هذه هي الوسيلة المناسبة لإيصال فكرة أو رأي؟ ، فتراجع بي الزمن سريعا إلى عام ٢٠٠٨م عندما نشرتورقة علمية مع مجموعة من أساتذتي في التعليم الطبي حول الحاجة لامتحان إلزامي لترخيص مزاولة الطب لجميع خريجي الكليات الطبية في المملكة ، كان هدفنا وقتها أن نقترح معيارا قويا لمخرجات كليات الطب الجديدة ، وقد كان عددها ٢٥ كلية طب حينئذ ، وللأسف لم يحدث أي تقدم في المقترح ، بل ازداد عدد كليات الطب إلى أكثر من ٣٠ كلية طب ، أغلقت بعضها ومهدد بعضها بالإغلاق. فتأكدت حينها أن تلك المحاولة الأولى في إرساء مفهوم النقاش العلمي لتخطيط مستقبل التعليم الطبي باءت بالفشل ، فما بالك برسالة عادية موجهة لمسؤول قد تتعرض للإتلاف من أي موظف.

تساءلت هل أنا مخوّل ومُلِم بموضوع المستشفيات وإدارتها ، فأيقنت أنني لست إلا استشاريا في جراحة العظام يقوم ببعض العمليات في جراحة العمود الفقري ، وأكاديميا مغرما بالتطوير الأكاديمي يحاول تطبيق مادرسه من أسس التعليم الطبي خلال فترة الدراسة للدكتوراة في التعليم الطبي ، وباحثا يحاول بخجل نشر ثقافة البحث العلمي وتفعيل دراسته للماجستير في طرق الأبحاث الطبية. لم أدرس إدارة المستشفيات وتخطيطها أو استراتيجيات الصحة ، فهذه التخصصات لها أهلها ، فاستميحهم عذرا عن التدخل في تخصصهم.

إذا فكل المؤشرات تدل على عدم جدوى كتابة المقالة ، ولكن كلما استرجع صورة مبنى المستشفى الجامعي لجامعة أم القرى وأنا أمر به “أحيانا” عندما تكون لدي محاضرات في الكلية أو لحضور اجتماعات مجلس القسم الشهرية ، يتقطع القلب حزنا ، ويحتار العقل في إيجاد جوابٍ شافٍ لتساؤلات كثيرة يطرحها على نفسه ويطرحها كل من أقابل من طلاب ومرضى وزملاء مهنة ، حتى مدير الكلية الملكية للأطباء والجراحين في كندا الذي قابلني مصادفة وعرف أنني من جامعة أم القرى فسألني لاشعوريا هل انتهى مستشفاكم الجامعي؟  فتساءلت مرة أخرى هل مشكلة المستشفيات الجامعية مقتصرة على جامعة أم القرى (التي تحتضن خامس كلية طب في المملكة من حيث تاريخ الإنشاء) أم أن المشكلة منتشرة في بقية كليات الطب الثلاثين؟ وببحث سريع وجدت أن أول ثلاث كليات طب في المملكة هي من تملك مستشفيات جامعية تعمل حاليا (جامعة الملك سعود ، جامعة الملك عبدالعزيز ، جامعة الملك فيصل) والبقية في طور الإنشاء أو التخطيط الذي طال كثيرا.

وبالعودة إلى مستشفى جامعة أم القرى ، لم أفهم خلال فترة الثلاثة سنوات التي قضيتها منذ عودتي من البعثة ماسبب تعطل مشروع تمت ترسيته في عام ١٤٢٦ هـ أي قبل ٧ سنوات؟ أنشئت مدن طبية ومستشفيات تخصصية لوزارة الصحة في الرياض والدمام ومكة والجنوبية في هذه الفترة والمستشفى الجامعي لم يحرك ساكناأنشئت وافتتحت ٥٧٤ مشروعا صحيا لوزارة الصحة في مناطق المملكة والمستشفى الجامعي لم يحرك ساكنا! تساؤلات كثيرة لا تنتهي ، هل تعاقب ٤ مدراء للجامعة في جامعة أم القرى منذ عام ١٤٢٧ هـ سبب في تأخر المشروع؟ هل هناك من يتعمد تأخر المشروع؟ هل المستشفى الجامعي ضمن أولويات الجامعة أو التعليم العالي؟ إن كانت الجامعة تجد صعوبة في إنشاء المستشفى فماذا ستفعل عند تشغيلها؟ تذكرت الكابوس الذي عشناه عند دراستنا في جامعة المؤسس حين انتهى مبنى المستشفى الجامعي وبقى فارغا لسنوات لصعوبة التشغيل.

 

 

 د.سهيل باجمّال 

Assistant Professor of Orthopedics,